السبت ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٩
قصة كوردية مترجمة
بقلم مكرم رشيد الطالباني

في مجلس عزائي

كنت أنقل خطواتي على الرصيف على مهل نحو مكتبة (العشاق) للسلام على جلّ تلك الكتب الملأى بالكلمات الجميلة، المليئة بدورها بسحر الجُمل، والمليئة بشروح وتفاسير أسرار القلوب. وكانت طيور الخيال المختلفة تزقزق في أعشاش ذاكرتي، وقد أثقلتْ في الحقيقة كاهل رأسي، لذا كانت رقبتي تعاني من آلام حمل رأسي كثيراُ. وكان قُبج كتابة القصة الطائر الوحيد الذي كان لا يغرد بين تلك الأسراب من الطيور. وحين وصلت في تجوالي إلى مفترق (دقات القلب) كان يجب عليّ العبور إلى الرصيف الثاني. وفي منتصف الشارع وقع نظري على لافتة سوداء اللون كانت قد علقتْ على جدار القلعة. ومع نقل خطواتي نحو الرصيف المقابل رأيت وقد دون فيها:
( إنا لله وإنا إليه راجعون
ببالغ الحزن والأسى نعلن نبأ وفاة حبيب الله (حكيم ملا صالح) الذي وافاه الأجل إثر مرض العشق العضال يوم الورداء المصادف للثالث ربيع، الشهر السابع بنفسج، العام ألفين ترنيمة، حاملاً متاعه إلى جنان الخلد. تقام الفاتحة على روحه في جامع (عشقستان).
حين رأيت هذا لَحِق قبج القصة ببقية الطيور وبدأ بالتغريد. وفي مهد ذاكرتي بدأ طفل قصةٍ يرغو. وكان هناك سحرٌ ما يترجم كلمات الرضيع ويقول :
ـ أستعجل..قم وأكتبني..بالله عليك قم بكتابتي كي أخرج من هذا المعتقل..فقد أدركتني الرهبة.
وبعد أن داهمني حزن وأسى عميقين توجهت نحو الجامع وشاطرتني في ذهابي ملاك القصة (آه أيها التعس..يامن لم تسعد في دنياك هذه.. ولم تمد يدك إلى وردةٍ ما
لم تنغرس خمسة أشواك في رؤوس أناملك.. لم أر قط غيوم الحظ يوماُ ترسل زخاتها على حقول حياتك.. أيها المسكين، كنت مغرماُ بكل الخديجات غير إنهن لم ينظرن إليك يوماُ وكأنك (سيامند)، بل كنّ يدعونك (حكة)(6) المجنون ،(حكة) القبيح ،(حكة) المنكود. كم من مرة أخبرتك ألاّ تسلك ذلك الطريق بكل إشتياق، ولا تسبب لنفسك الذل والخذلان، غير إنك لم تصغ إليّ حتى أدى بك إلى التهلكة والخسران. وعند ردك على ماكنت أقوله لك كل مرّة، كانت الإبتسامة ترتسم على شفتيك وكنت تقول:( الحياة من دون عشق لاتساوي شيئاُ، هذه الخرابة التي سميت الدنيا سوف تًعَمَّر بشعاع شمس العشق فقط، وإلاّ فإنها تشبه غابة ملأى وحوشاُ، فلولا وجود حنين العشق فيها فإنها ستغدو أكثرعفونة وأكثر قذارة من المزابل. لذا لن أرضى أن تناقشني بعد الآن حول هذه الطريقة الطاهرة) .
حين وصولي عتبة الجامع رأيت حكمياً واقفاُ عند الباب، وهو يقوم بفحص قلب كل من يروم الدخول، فمن لم يكن قلبه عامراُ بالوجدان والعاطفة والحنان لم يكن ليسمح له أن يجتاز العتبة . فحص أحدهم قبل أن يأتي دوري قائلاُ له :
ـ يجب عليك ألاّ تدخل.
قال: لماذا؟
رد قائلاُ: لأن قلبك أصابه السواد ونخره التعفن، وهو مليءٌ بالرياء والكذب والنفاق والخدع السياسية. أنت وزملاؤك لا وجود لذرة من حب الله والشعب والوطن في قلوبكم، إنكم تقومون بدرس أشواك الأنانية، إنكم مارستم خدعاً ومكراً كثيراً، وأصبحت قلوبكم صواناً. لا أسمح أبداً لأي منكم بدخول (عشقستان) هذه. تراجع.. تراجع وتواري عن ناظري قبل أن أشوه وجهك بهذا المبضع.
وكنت بدوري غير آبه لفحوصات الحكيم، كنت أدرك ما زرعته وما غرسته من بذور. حين وقفت أمامه لم يساورني أي شك أو خوف إزاء نفسي، لأن قلبي لم يكن مليئاً بكل ذلك فحسب بل أصبح بحد ذاته عاصمة للوجدان، وكان أمير العاطفة يمارس فيه الحكم وكانت ملكة الحنان تبث منها رسائل وبرامج العشق. فحصني الحكيم قائلاً:
ـ إن دقات قلبك سريعة جداً حتى يكاد قلبك أن يخترق صدرك .إنه يستعر عشقاً.
قلت :نعم أعرف ذلك..هلاّ تراني إن كل كياني يرتجف. إني لست ممن يرتجفون، ولست أعاني برداً ، ولست أعاني من الحمّى، ولا يمتلكني الخوف، بل إنها دقات قلبي التي تهز كياني وكل جسدي، وإن شجرة جسدي تهتز بصبا فؤادي المليء عشقاً. أيها الحكيم العزيز إن قلبي ليس كقلوب الكوادر الأغبياء، إن فؤادي لوحة تم رسمها بدماء العشق.
تفتح ثغر الحكيم عن نسيم ابتسامة، ليضع على مهل باقة النرجس التي كان يحملها، في مزهرية كتفي وبدأ يقول:
ـ تفضل.. تفضل..عزيزي تقدم وأقعد في صدر المجلس.. أمام المحراب.. أطلب منك أن تصلي بعد قراءة سورة الفاتحة ركعتي صلاة العشق بصوت جهوري.. كي أصغي من هنا إلى صدى آياتك، أنا عاشق أيضاً. إن أعماق نفسي مزدانة بأزاهير العشق والرب والشمس والتراب، إني أعشق الأنغام والنجوى والدلال أيضاً، أعاني من جراء الحياة والآلام والمصائب، أعشق كل شيء يشرق جمالاً، ذلك الجمال الذي يفتديه عارفو الرب والشعب والوطن. بهت سيماء الحكيم وبدأت شفتاه ترتجفان عند التفوه بتلك الكلمات، وكذلك أنا. فقد سرت في جسدينا الجذبة. أدت الجذبة إلى فورة شلال دمانا . كانت الجذبة قوية بحيث كنا نصرخ بذكر خفي ملء الكون يا شيخنا الحلاج مدد، يا شيخ خاني أنجدنا، ياحضرة لوركا، تعالوا وأنجدوا هؤلاء الناس، تعالوا..لتجعلوا تلك القلوب التي نخرتها السواد بفعل الخداع والتزوير والخدع السياسية والأنانية وأصبحت حجراً أسوداً، أجعلوها رقيقة .. رقيقة حتى تذوب كالجليد تحت أقدام السالكين المخلصين.. رقيقة كفتاة الندى حين تضربها أشعة الشمس تفديها بروحها. أقدموا وقولوا للحبيبات ذوات القلوب الجامدة العفنة وعديمات الشعور والأحاسيس:
إذن كيف لي أنا التعس
ألاّ أبكي حين تجرح خاطري مائة مرة
لم لا ينسكب الراح والكأس مثلوم مائة ثلمة
عانقنا أنا والحكيم بعضنا بعضاً ووضعنا رأسينا فوق كتف بعضنا البعض وبكينا، بكاءً حاراً ندياً .وذرفنا من أصداف العيون دموعاً غزيرة حتى أصبحت عتبة جامع (عشقستان) معارض للحُلي والمجوهرات، وكنا قد ذبنا في بوتقة الجذبة تلك حتى غدا العالم وما فيه نوراً، نور العبادة الحقة، نور حب الشعب حباً طاهراً. غبنا عن الوعي، وحلقنا بروحينا نحو العرش الأعلى، وهناك عند مقر الباري كنا ندعو إلى استصدار قرار بعقاب الذين كانت مياه قلوبهم وألسنتهم لا تصب في مجرى واحد. هؤلاء الذين لم تكن دماء العشق لتسري في أجسادهم وقد أصبحوا خرّاغات للخضرة ، هؤلاء الذين كانوا يضحون بكل (إسماعيل) من أجل عشقٍ مزيفٍ.
ومع حالتنا هذه كانت رياح سموم الوقت تذوي خضرة اليوم الأول للعزاء. وكنا لا ندري بتلك الاسرار والأحداث وأصبح الزمن عندنا صفراً. وكنا فقط يتناهى إلى أسماعنا، حين كان حرف (العين) يقول لنا (الرب في الأعالي). والياء يصرخ (كونوا أحبة). وحرف الشين ينادي (أعشقوا الوطن) . وحرف القاف ينادي (أفدوا بأنفسكم الشعب). كان منجل تلك الحروف الأربعة يحصد حقلَ حنطةِ وَعينا، إن قطع الوعي عن هذه الدنيا الخاوية له مذاق خاص، الدنيا خرابة.. خرابة، إنها تصلح لأن تأتي سفينة نورٍ وتختار الصالحين فيها وتذهب بهم كالنبي عيسى لتدور وتحلق بهم في الفضاء الفسيحة، ليسبحوا هناك مع النجوم في مدارات الكون، كنا لا نشعر بما يجري حولنا، حيث ظهر بأن الذين اتوا وهؤلاء الذين انهوا مراسيم العزاء فد خرجوا جميعاً ليتجمعوا حولي وحول الحكيم في حلقة دائرية، وكنا لا نزال ننثر الدرر والجواهر فيجمعونها بدورهم. كانوا يستغربون من هل إن نثر كل هذه الدرر والجواهر ليس من معجزات قيام الساعة. وكان هناك حكيماً بينهم أتى وبدأ يصغي إلى دقات قلبينا .وحينما علم بأننا كنا نردد(فليعش العشق الحقيقي ، ولترفرف راية العشق) . حينها أفشى بالسرّ لكل من كانوا يتحلقن حولنا. وكانوا بدورهم وفي سبيل الحصول على المزيد من اللآليء بدأوا بترديد هاتين الجملتين لمرّات عديدة، وبصوت عالٍ. وحين سمعتُ والحكيم تلك الأصوات الصارخة حتى عنان السماء: (يا خالق العشق أنجدنا ..يا رائد العشاق أنجدنا ..يا ولي الدراويش أنجدنا بكرمك) .
ومن ثم أتخذنا والناس أجمعين من كلمة العشق شعاراً لنا وبدأنا بترديدها ونحن نتفرّق نحو المدينة. وفي تلك الليلة وحتى إقتراب توهج عيون الفجر إنتشرت كلمة العشق في جميع أرجاء المدينة، وغدت المدينة بأكملها ساحة للعشق (عشقستان). وأُشعلت نيران العشق فوق أعلى موقع للقلعة، لتنير ظلام الليل. وليلتها ودون أن يدركنا التعب، ودون أن نتوجس خيفة من رجال الجندرمة الذين لا يعرفون القانون، تجولنا في جميع الشوارع والأزقة وأحرقنا تلك الدكاكين التي كانت تروج للخداع، وتبيع الرياء بأبخس الأثمان. وتلك التي كانت تمنح الأنانية للناس بثمن بخس. وهكذا قمنا بتطهير المدينة وعند الفجر أخذتنا غفوة في أحضان فتاة إستراحة ما كي ندير مجلس العزاء في اليوم التالي بكل فخر وإعتزاز.
اليوم الثاني
كنت أول من أستيقظت من النوم فأتجهت إلى الجامع، كنت قد أعدت الحلم الذي كنت قد رأيته في منامي إلى مرأى ناظري (رأيت نهراً فضياً، يتصارع مع ضفتيه، كانت أمواجه تتماوج وتتصارع كحركة أقدام البراق، حين كانت كـ(ذوالفقار) تضرب هذه الضفة أو تلك، كانت تصدر لحناً، لحناً سحرياً ربانياً، يحول الكبد والنفس إلى جبل (طور) كان لحناً عذباً سرمدياً إلى حد ملأ كياني دغدغاتٍ وآمالاً وإبتسامات ،.فأمتلكتني الدهشة، وبدأت أتساءل يا إلهي ماذا يمكن أن يكون هذا الصوت الملائكي؟ في بلادنا أنهارٌ كثيرةٌ وكنت قد زرت جميعها كل اربعاء الورد، فلماذا إذن لم أسمع هذا اللحن السحري منها؟ كان النهر يردد اللحن وكنت بدوري أرد الجواب :
( إلهي لست للفردوس أهلاً ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي ذلتي وأغفر ذنوبي فإنك غافر الذنب العظيم ).
وفجأة رأيت في أعلى النهر (حكيم)اً قد أقبل وهو يمتطي صهوة قارب صغير يتسع له ولكشكوله فقط. رأيت الأمواج واحدة فأخرى كسجادة حريرية تقف صامتة لمقدمه.
رأيت النهر وقد كف عن تقاذف الأمواج ورأيت كافة الطيور المغردة ذات الأصوات الشجية وقد وقفت صفاً واحداً على الضفتين وبدأت بملأ أصواتها تردد له الاغاني ورأيت الأشجار في الضفتين تدنوا بأغصانها لتمنحه ظلالها. حين أقترب أخذ يناديني :
ـ تعال عزيزي حكيم، تعال وأمتطي القارب بدورك. إن هذا هو نهر العشق وأن كل من كان يعشق الباري والشمس والتراب بحق يستطيع بيسر السير فوقه حتى النهاية .
قلت :
ـ : عزيزي حكيم أين هي النهاية ؟
قال : ـ بلاد العشق (عشقستان).. منبع الحب والعطف والحنان والحقيقة والوجدان وجلّ الأخلاق الطيبة ، الأخلاق الجميلة. حيث لاوجود هناك للكذب والنفاق والزيف والرياء والأنانية. حيث تسكرك خمر البراءة، ولن يلدغك عقارب الخطيئة ولا أفاعي الجريمة.
قلت :ـ أرغب في المجيء، ولكن لن يسعني المكان.
قال : سأحملك فوق كتفي، تعال وتخلص من هذه الدنيا مرتع الإستعلام والخوف ومبعث الملل.. دعك من هذه الخربة مرتع القوادين والفضلات والمزابل، ماذا تفعل بين هؤلاء الافاقين المشعوذين؟ كدت أطير فرحاً، لم تكد قدماي يتلمسان الأرض، كانت عيناي تذرفان دموع الفرح مدراراً، حلقت في الفضاء لأحط على كتفه. وصلت عتبة باب (عشقستان). إستقبلني الحكيم بمزيد من الترحيب والتقدير حتى غدوت تبراً. وصافحنا بحرار. أرتفعت شعاع ناظرينا نحو قمة المنارة. كان الناس ينظرون إلينا كيف لنا ونحن نتحدث مع بعضنا بلغة النظرات .
ـ أخي العزيز لم يغمض لي جفن الليلة البارحة .
ـ لماذا.. لماذا عزيزي الحكيم ؟
كم من مرة كنت أغمض فيها عيني وفي كل مرة كان حبيب الله يأتيني في منامي في هيئة مغايرة ليأخذ الغفوة من ناظري. مرة رأيته وقد أمتطى صهوة حصان العاصفة ليحلق نحو عنان السماء. ومرة أخرى كنت أراه وقد أصبح رائداً لجمع من الحواري وهن ينهمكن في غرس السيوف في جوف عفريت ذي سبعة رؤوس. ومرة أخرى رأيته يرتدي ثياباً خضراء كاملة وهو يقترب من رأسي ليهمس في أذني :
ـ إن الشيطان يوشك أن يدخل قلبك..أطرده .
ـ قلت كيف؟ قال برائحة خمر (ألست) .
وهكذا كنت أراه في هيئة مغايرة حتى أطفأ نبراس إستراحتي كاملاً. مسدت رأسه فعرفت بأن سهام العشق قد أصابته، ولكن ليس بشكل يمتعه حتى درجة الفناء، لذا نفخت في فمه وقلت له:
ـ حكيمي العزيز من أجل أن تصل إلى هدفك عليك بأرتشاف الخمر ليل نهار، أسكر..أسكر ثم أسكر حتى يغدو قلبك منبعاً للحق، عندئذ ستعرف مقدار الرغد في كلتا وجهي هذه الدنيا. إحتضنني الحكيم بحرارة وعصرني بشدة. كنت أشعر بأن عسل المحبة يتدفق رويداً رويداً من عملية العصر هذه.
أردف قائلاً: ـ عزيزي أذكر لي عنوانك كي نمضي بعض الوقت سوياً كل يوم .
قلت: ـ أكتب : حلبجة، مقبرة (كولان)، قاطع (القلوب)، الرقم (زهرة الليلك).
فنقشه بأظافره فوق صدره، ومن ثم بسط لي كلتا يديه مرحباً بي للدخول.
ومن عتبة الباب نظرت إلى الجمع الغفير، كي أتأكد من عدم تسلل دخيل، كذاب، فاسق، أناني، مرائي إلى صفوفهم دون علم الحكيم، فإن كان من بينهم مثل هؤلاء كي أقوم بفضحه، كي أرجمه بصقاً، كي أقول له إن لم تطهر نفسك من كل أوزارك لايجوز لك التوجه إلى هنا. إن عشقستان مرتع الطاهرين، مرتع هؤلاء الذين أستقر نور الرب في أعماقهم، الذين وضعوا مصلحتهم الخاصة جانباً وهم يناضلون بحق وصدق من أجل الشعب والوطن .
ومن حسن الحظ لم أرَ أي أخطبوط مثل هؤلاء، لذا فقد ذهبت وجلست متقرفصاً على ركبتي قبالة المحراب بوقار، وكنت أعدد أسماء العشاق بحبات مسبحتي مثلما أعتدت على ذلك دوماً. ولحظة إنهاء الأسماء أشغل الملا (مبارك) السماعة وفتح سفره العتيق وبدأ بتلاوة بعض مقاطعه بصوت حزين :
( ـ أيها الشعب طهّروا قلوبكم * توجهوا إلى مرتع العشق * وذوبوا في اتون العشق * أنصحوا الناس كي يبتعدوا عن الضلال * أءتوا بالماء من سفر السراب * إرووا به ورود الحقيقة * أبحثوا عن الطهر * كونوا مرشدين للإحسان دوماً * كونوا ترابيين مهما إستطعتم إلى ذلك سبيلاً * كونوا ذو نشاط دائم * ألا يملأ الشيطان نفوسكم بالخداع والأكاذيب والتلفيق * إن ذلك المنافق اللعين * عدو لدود للدين * عائق في طريق العشق * يضرم النار في حدائق العشق * ويزرع أشواك الحقد والكراهية * ويغرق حقول الحق * أيها الناس إن كنتم عشاقاً * تعشقون هيفاء الحبيبة * عليكم كالعشاق القدامى * السير في هذا الصراط المستقيم).
حين كفّت حمامة الملا (مبارك) عن المناجاة ، بدأ الصمت يخيم بمظلته علينا، صمت مليء بالجلبة، لأننا كنا نتكلم جميعاً دون همس. وكان موضوعنا موضوع تطهير البلد وزرع أشجار العفّة في جميع الشوارع والأزقة والمنازل. وتغيير جميع بحيرات الكذب بماء الزمزم .والقضاء على جميع مروجي التلفيق الجربة. والقضاء على أكدار النفاق وزرع بذور التوحد ذي اللون الواحد عوضاً عنها. وتوزيع عطر ورود فُرُش جامع عشقستان وتزيين جدران المدن والقرى باللوحات المرسومة على سجاجيد الصلاة. وإنارة الزوايا المظلمة بنور مسبحة فاطمة ملا عزيز بريس. وزرع المرايا في أزقة القنوط الضيقة بجلوة (لا تقنطوا)، وتشييد ضريح الملا (الجزيري) بشعاع (وحدة الوجود) وإذابة جليد الجرم بضياء إحدى قصائد (محوي) الغزلية وإعادة الحياة إلى مواقد القلوب بنظرة (عنبر خاتون). صمتنا المليء جلبة أوصلت حِملَ الوقت إلى المحطة الأخيرة. أقبل العشاق واحداً تلو الآخر ليقدموا لي مواساتهم. وقد أخرجتُ بدوري من كشكولي وردةً لكل منهم وقدمتها هديةً لهم، تلك الورود اللاهوتية التي كنت قد أتيت بها من إحدى سفراتي إلى النعيم .

إشارات
* الورداء: على وزن الثلاثاء والأربعاء ….يعمد القاص إلى إطلاق صفة خاصة لليوم والشهر والسنة.
* حكه: تصغير إسم (حكيم).
* الحكيم: الطبيب .
* الحروف : ع ي ش ق يعني العشق .
* فاطمة: والدة المؤلف وكانت من النساء الصوفيات.
* الجزيري : شاعر كوردي كلاسيكي صوفي.
* محوي : شاعر كوردي من فطاحل الشعراء .
* عنبر خاتون : زوجة الشاعر الكوردي عبد الرحيم مولوي.

عن مجلة (كاروان ) الكوردية، العدد (172)، نيسان 2003.

قصة كوردية للقاص حكيم ملا صالح وترجمة مكرم رشيد الطالباني

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى