الأربعاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٣
بقلم أشرف شهاب

سعد أردش: المسرح يحتاج لجهد تسويقى

واحد من الرعيل الأول من الفنانين، أفنى نحو أربعين عاما من عمره فى خدمة الفن، والمسرح المصرى، حتى كاد اسمه يرتبط بالمسرح. وهو فوق كل ذلك حريص على الالتزام بقضايا وطنه وأمته، وعلى مناقشة هموم وقضايا مجتمعه على خشبة المسرح الذى يعتبره عنصرا مهما فى خدمة المجتمع، وتنمية ذوق الناس. مراسلنا فى القاهرة "أشرف محمود" التقى الفنان القدير "سعد أردش" فى أروقة المسرح القومى، ودار بينهما الحوار التالى:

 ديوان العرب: بدأت العمل على خشبة المسرح قبل نحو أربعين عاما بالتمام والكمال -متعك الله بالصحة والعافية- .. فكيف ترى الفارق بين حال المسرح منذ بدايتك، وحاله الآن؟

 سعد أردش: المسرح يعتبر من وجهة نظرى جزء حيوى من المجتمع. وهو يتغير كما يتغير المجتمع. فهذه سنة الحياة فى تغيير دائم، وتطور مستمر. ولا بد من الاعتراف بأن المسرح قد تأثر بكافة المتغيرات التى طرأت على المجتمع من جهة الثقافة السائدة، ومن جهة الاستفادة بمنجزات التطور البشرى، من ثورة الاتصالات إلى الثورة المعلوماتية. وأعتقد أن المسرح عاش، أو على الأدق يعيش طوال حياته فترات مستمرة من الصراع بين المتغيرات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية. وقد عكست هذه المتغيرات نفسها فى المسرح من حيث القضايا التى يناقشها المسرح، ومن حيث تطور التقنيات المستخدمة على خشبة المسرح. وبالتالى، يمكن القول أن المسرح مختلف، ولكن لا يمكن أن أعتبر نفسى حكما على المسرح فى حد ذاته، وأقول أنه تخلف أو تقدم، لأن فى هذا ظلم للمسرح الذى يعتبر جزءا من الحركة والتطور العام للمجتمع. وأى حكم من هذه الناحية سيكون مشوبا بجوانب نقص لأنه سيهمل الأسس التى نشأ عليها المسرح أساسا، أو يهمل الأسس التى تجعل من المسرح مرآة للمجتمع، ومكانا للترفيه، يرى فيه الناس ما يحدث على أرض واقعهم ولكن بشكل مختلف. وإذا كان من الضرورى أن نحكم على مسرح اليوم فإننى سأقول إنه مسرح متقدم من الناحية الفنية، ومن ناحية الإمكانيات التكنولوجية، وفى الجوانب التقنية. كما أن هناك مجموعة كبيرة من الفنانين الذين يستحقون الإشادة بهم، وبقدرتهم على الصمود فى وجه بعض القيم التى حاولت أن تسيطر على المسرح المصرى، وأن تعطى انطباعا سلبيا عنه.

 ديوان العرب: لاحظت فى إجابتك نبرة التزام قوى بالمسرح وبالقضايا الجادة.. فهل يمكن أن تشرح لى إلى أى مدى يجب أن يلتزم الفنان بقضايا مجتمعه فى الإطار الفنى؟

 سعد أردش: من البديهى القول أنه لا يوجد فن بلا قضية. ويجب أن يلتزم الفنان بقضايا مجتمعه، وأن يعبر عنها بالأسلوب الفنى الذى يراه مناسبا. لهذا نجد هامشا واسعا من الحرية للفنان. فكل فنان يستطيع أن يبتكر الزاوية المناسبة والمتميزة التى يرى منها المجتمع، والتى يتناول من خلالها قضايا المجتمع، وكذلك له الزاوية المختلفة التى يعالج بها هذه القضايا. ولا يمكننى أن أفرض على الفنان أسلوبا معينا فى التناول أو فى الإخراج أو المعالجة، و إلا خرجت كل الأعمال متشابهة. المفروض أن يلتزم الفنان بالقضايا العامة للمجتمع، وأن يلتزم بتنوير الناس، وتثقيفهم، وتعريفهم.

 ديوان العرب: إذا كان الفن والفنانين يلتزمون بقضايا المجتمع وبالناس، فلماذا لا نرى ذلك الإقبال على مسرح الدولة الذى يتبنى تقريبا هذا المفهوم؟

 سعد أردش: لا يمكن أن نلقى العبء كله على عاتق مسرح الدولة، ونحمله المسئولية منفردة عن الحال الذى وصل إليه المسرح. المشكلة فى بعض الأحيان يمكن أن ترجع لتغير ذوق الجمهور، كما أشرت فى كلامى السابق نظرا لتغير عادات وتقاليد وقيم المجتمع نفسه نتيجة مروره بلحظات تاريخية وسياسية معينة. وفى نفس الوقت، هناك مشكلة تتعلق بمحدودية الإمكانيات المتاحة لمسرح الدولة، وهو ما يجعل هذا المسرح عاجزا عن تحقيق المرجو منه. ناهيك عن السبب الأهم والأخطر من وجهة نظرى، وهو المتعلق بالجوانب التسويقية للمسرح. فلا بد من إقناع الجمهور بترك المنزل والتوجه إلى المسرح لمشاهدة الفن الجميل. لا بد من الجهود التسويقية لكى ينجح المسرح فى جذب الجمهور من أمام شاشة التليفزيون. نحن فى عصر التسويق والمسرح بحاجة لجهود من هذا النوع.

 ديوان العرب: ألا تعتقد أن المسرح يعانى من أزمة ممثلين كما يعانى من أزمة متفرجين؟

 سعد أردش: لا أتفق معك. فلحسن الحظ مصر ما زالت ولادة، وقادرة على إنجاب فنانين ممتازين، بل وفى كل المجالات. وهناك وجوه جديدة متميزة ومبشرة. وهذه الوجوه لا ينقصها إلا بعض الخبرة والتراكم المعرفى، وبعض النضج حتى تكتمل تجربتهم، ويكون عطاءهم للمسرح وللفن بلا حدود.

 ديوان العرب: هناك الكثيرين من المواهب التى تبحث عن فرصة للظهور على خشبة المسرح، وهم ينحتون فى الصخر، فكيف أو متى ستتوفر لمئات منهم فرصة الظهور على خشبة المسرح؟

 سعد أردش: فعلا هناك المئات بل وآلاف الوجوه الباحثة عن فرصة مسرحية. ولكن هل تعتقد أنهم جميعا مؤهلون فعلا للصعود للخشبة؟ بالطبع لا. يجب على الممثل أن يمر بفترات من التدريب والدراسة، وعليه أن يكتشف أدواته الفنية. وبالتالى عليه أن يذهب للدراسة والتتلمذ على أيدى أكاديميين متخصصين، يستطيعون توظيف واستثمار قدراته، وتوظيفها بالشكل المناسب. كما يقومون بتأهيله، وتلقينه أبجديات العمل الفنى والمسرحى. المرحومة أمينة رزق كانت تعتقد حتى وفاتها أنها مازالت تلميذة صغيرة على خشبة المسرح، رغم عطائها الطويل. إذن، لا بد لمن يريد التمثيل أن يثقف نفسه، وأن يتقن أدواته، وأن يدرس تاريخ رواد المسرح. ولا بد من النظام والالتزام، والعرق والإحساس بالانتماء إلى المسرح حتى يستطيع الفنان أن يحقق نجاحا فيه.

 ديوان العرب: ما السبب الذى دفعك لإعادة إخراج مسرحية "يا طالع الشجرة"، لتوفيق الحكيم رغم سابق تقديمك لها من قبل عام 1964 هل هى أزمة نصوص؟

 سعد أردش: لا. القضية باختصار أنها محاولة لتذكر رائد من رواد المسرح، بل وأكبر رائد للمسرح المصرى والعربى على حد سواء. القضية بالنسبة لى هى أن أعيد اكتشاف الجوانب الجمالية والحداثية فى هذه المسرحية الجميلة. يجب أن تكون أعمال عمالقة المسرح العالمى دائما على واجهة الأفيشات. يجب أن نعيد تذكير الناس دوما بشكسبير، وتوفيق الحكيم، وأن يستمر الناس فى ترديد أعمال هؤلاء العظام ليس فقط فى مصر، بل وفى أوروبا والعالم كله حتى تتعلم منهم الأجيال الجديدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى