الجمعة ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم أسامة جودة

وحتى يموت الحب....

1/ وجه القمر

 لأنني عبرت الأربعين ربيعاً سألتني أمي يوماً وهي منكسرة وقالت:

متى ستتزوج يا ولدي؟

فأجبتها باسماً رغم مرارة جوابي:

عندما أجد لي قمراً ساطعاً يضيء جلب ليل حياتي.

شهقت أمي فزعة من هول ما قلت وقالت:

أي قمر يا ولدي ؟.....القمر عالي في السماء وكيف لك الوصول إليه؟!
ثم غاضبة قامت لتتركني وترحل.

 راحت أمي وتركتني وخلدي أسير التبتل لمحراب قمري المنتظر ثم عادت صلبة لتقول:

وما القمر يا ولدي؟................. ما القمر إلا كتلة أحجار معتمة !!

فاظفر بطيب الروح والإحساس فالروح نور وضوء القمر الانعكاس.

بعدها تركتني ثانية وقد عزف قلبي عن إتمام صلاته وعن الذهاب بعدها لسؤال قمر السماء سؤاله المعتاد:هل ستترك عرشك العالي في السماء لتأتي إليّ؟

  بعد مضى فترة علي حديثي مع أمي أنارت حياتي روحاً عشقت صفاءها وغلب نورها نور شمس الظهيرة وصرت اسأل نفسي كلما أضاء وجهي من نورها :
 
هل أتجرأ وأعترف لها بحبي ؟ أم أترك صوت صمتي يخبرها ؟

أخشى أن تغرب شمس الروح بنورها عن حياتي لذا أجبت نفسي مراراً :

لا أدري!!.

تمت

.

2/ عاشق الأصداف

 يقصد كل يوم شاطئه ويسكن إلي رماله ،يغمس يده فيها ليتشبث بها وينظر إلي البحر والهواء ويحدث نفسه، يفكر في الأقدار التي شاءت أن تجمع دوماً بين الماء والهواء....إنه الحب روح الحياة .... دائماً يشعر بحب الهواء للماء ،فدائماً ما يداعب الهواء الماء ....ينثر في وجهه الرمال ولكن الماء يفتح ذراعيه ليتلقى هدية الحبيب ....هنا يملئ قلبه دفئ الاطمئنان ولكن البحر يشعر بمدي وحدته ، فيمد البحر أمواجه يدعوا له الله أن يرزقه مؤنس ، ويكمل البحر وفائه لوحيدة فيرسل له موجة رقيقة تداعبه وتلقي له صدفة سبحان من أبدعها فيبتسم ويمد يده فيلتقطها ويهمس داخلها ثم يزج بها في جيب قميصه ويرحل مثل كل يوم فهو عاشق لأصداف حبيبه البحر ،يحتفظ بالتذكار ويرعاه .

 هذه كانت حياته حتى جاء اليوم الذي قذف فيه البحر صدفتان متماثلتان وحين امتدت يده لتلتقط أحدهم وجد يد أخري رقيقة امتدت مثله لتأخذ لها صدفة وهكذا أخذت كل يد صدفة وهمست الأفواه ثم تبادلا الأصداف وتحدثا قليلا عن حياة الأصداف في البحر وقررا بعدها أن يجمعا شمل الصدفتين حتى لا يفترقا وليقبعا سوياً تحت أوامر دستور الحب في مملكة العاشقين.

تمت.

3/ رسالة

 هذه كلماتي يسطرها قلبي إليكِ ....احملها لكي علي أجنحة الشوق ...تضم بين طياتها كل شوقي وحبي ...فقد عجزت كلماتي عن وصف حبي ، وارتعش قلمي عندما حاولت وصفك ...،تغيب بل تختفي جرأتي عندما أنظر إلي عينيكِ ... تبتسم لي الدنيا عندما أري الابتسامة علي شفتيكِ ....فكوني لي من اليوم صديقة حبيبة ،أخت وأم .

هذه كانت أبرز كلمات قصته الجديدة والتي كتبها يقصد منها الرسالة لا القصة ، انتظر حتى جاءت وسألته عن آخر ما كتب ....أخرجها مسرعاً من جيب قميصه المجاور لقلبه الذي ارتفع صوت خفقانه...والآن أخذت قصته وبدأت تمعن النظر فيها وبين الحين والآخر تختلس نظرة إلي عينيه من أسفل نظارتها الأنيقة، تجده قد أمعن النظر إلي عينيها ليبسط عليها شباكه ، فتنسحب مسرعة و تلوذ بابتسامة هادئة وإيماءة مستحية ....يتسلل إليها شعور بأنها وقعت فريسة لشباك حبه... تكمل ابتسامتها المضيئة وتقول له : "حلوة والله ، ربنا يوفقك "
يرد عليها ابتسامتها ويقول : " كتبتها ليكِ، تقبليها مني ؟"

وفعلاً تأخذها لتضمها إلي أصدقائها ثم ترحل بعد أن تودعه وحين تعود لبيتها تنتشي بنصرها فهي الصائد لا الفريسة .
تمت.

4/ مواسم

عما قليل كنت أصب مشاعري صباً من فوق جبال الأشواق فقد التقي البحران كثيراً وتذوقنا موسم الفيضان جيداً واستمتعنا به ،لكن يبدو أن موسم الجفاف قد حل وأثق الآن أن أحد البحرين قد جف وأن الآخر يتقلب بين الفيض والاضمحلال ، وحدث ذلك كله في اليوم الذي ظننت أنه يوم تتويجي علي عرش المحبين « أمير العاشقين » واكتشفت وقتها حقيقة أني كنت حالماً كبيراً فرغم محاولات الجميع قيد أحلام يقظتي ورغم أنف الجميع ورغم أنفي كانت الدنيا وردية في عيني زينها حب طاهر يسعى للعفاف فصممت ...وعاندت ...ودافعت عن حقي في الأحلام ،وكانت هي من خافي تدفعنني إلي الأمام،تهبني قوة القفز فوق حواجز القيود ،تعينني علي مصارعة الأمواج التي تأبي لي النجاح ،والتي تريد أن تغرقني في دوامات الفشل المميت وللأسف ظننت نفسي انتصرت في المعركة فرحت أحلم وأحلم ولم يكن لأحلامي حدود فبنينا سوياً قصور الأحلام والأوهام وملئت دنيانا أنغام تخيلتها أنغام قيثارة النجاح وظللت هكذا حتى بزغت شمس الحقيقة علي حياتي وانكشفت الغشاوة التي حجبت الرؤية عن عيني فعرفت حقيقة حالي وحالها واكتشفت مدى ضعفها ورأيت بعيني استسلامها السريع للفشل وانتظارها للمشتري الجديد وعفت أنا الآخر ضعفي عندما قبلت علي نفسي الخضوع للأسر خلف قضبان الحب ذهبية المظهر حريرية الملمس وذلك من أول اجتياح لشعاع حب براق لحياتي والعجيب أنني لم أعاني ولم أشتكي الأسر وكأنني لم أسمع أو أرى شكوى أسرى ( أبو غريب ) العراقي أو ( أبو زعبل ) المصري والأعجب من ذلك أنني تمتعت كثيراً بالأسر ربما لأنني تعلمت فيه لغة الحب والفرح والأحلام !!

 والآن تودين الانسحاب يا من توجتك ملكة للفؤاد؟!

انسحبي كما يحلو لكي واتركيني ....اتركيني أتهته بلغة الوحدة والحزن والإخفاق!

اذهبي حيث تريدين وانتظري الآخر الذي أعلم أنه سيقدر علي دفع الثمن ويا له من يوم انتظره لأراه، أما أنا فأعود الآن للدنيا بمواسمها وفصولها وبالأخص لفصل الأحزان الذي يجتاحني بنسائمه الكئيبة وعواصفه الباكية وسيول الآهات والصرخات لأذكر نفسي سريعاً بأن فصل الفرح سيأتي عما قليل.
تمت.

5/ رقصة الحب

في سواد ليلة حالكة أريزاً قبعت علي فراشها ترتعش أوصالها وبيدها الصغيرة الناعمة سحبت الملاءة فوقها لعلها تدفئها ،كان ينقصها دفء الحب ...

لاحظت أن الستائر الوردية الرقيقة تتراقص علي النافذة المفتوحة، فنهضت لتوصدها وأطلت برأسها من النافذة فلمحت صفحة السماء ...وجدتها تبكي مطراً وتنوح رعداً ...ازداد شعورها بالبرد وسرت قشعريرة في بدنها فأغلقت النافذة بهدوء تحسد عليه فانطفأت الأنوار فجأة!!

أضاءت شموع الحب في قلبها ...وذهبت لتشعل المذياع المشحون بطاقة الحب الدفين .. أخذت تبحث عن محطتها المفضلة ...استوقفتها موسيقي هادئة ،راحت ترفرف بيديها في الهواء فإدفأ قلبها ، خففت من ملابسها المتراكمة وبدت في قميصها التركواز كأجمل الزهور ثم عادت تقفز قفزات في الهواء حتى شعرت بلمسات أصابعه تشابك أصابعها ،راحت تتراقص معه،امتطى جواده وحملها وراءه لعالم آخر ....تمتعت معه قليلاً حتى أشرقت الأنوار من جديد فعادت لعالمها القديم ...ذهبت وفتحت درجها الصغير وأخرجت الأوراق الملونة العطرة ولملمت الورود الجافة ،طوت سطور الذكريات سطراً سطراً ثم أرجعتها مكانها مرة ثانية بعد أن شعرت ببرودة الجو مرة أخرى فقد فقدت دفء حبها البالي، رجعت وارتدت ملابسها الثقيلة ثم صعدت لفراشها لتبحث لها عن دفء آخر.

تمت. 12 تشرين الثانى نوفمبر 2004 م

5/ كلمات الوداع

تمر كل يوم أمام الديار، متثاقلة خطواتك ،يجذبك الشوق اللاإرادي واللانهائي، ضربات قلبك تسرع الخطى ، تتنهد بزفرات حارة، يملئك حنين إلى الماضي واشتياق للقاء، تنتظر طويلا أسفل الشرفة متدثرا الأمل بأن تطفر بسماع صوتها ،أو أن تشم رائحتها العطرة،أو ربما بإنجاز الرؤية في الشرفة.

الآن ستخرج لتروي الزهور وأرتوي معها.....تصبر بها نفسك علي عطش جوفك الذي امتلئ أوام وأوار.

يراك أصحابك في الطريق ويسألونك ماذا تبغي؟ والمكان ليس بمحطة انتظار!!
تجيب مضطربا مبعدا عينيك عن أعينهم كي لا تنفضح:أنتظر صديق يقضي مطلبا.
يمضي الوقت بطيئا مملا قاتلا للأمل داخلك فترجع تجر وراءك أذيال الخيبة واليأس من اللقاء.

ترجع بيتك مظلما وجهك، يمضك الألم،تنسحب من الجميع ،تطفئ الأنوار وتؤثر الظلمة تبغي السكنة إلي نفسك البالية ، ربما تفضل أن تجهش بالبكاء بصوت خافت وربما تضحك من نفسك.

أصوات نداء تقصدك ولا تأبه لها تريد أن تحطم الدنيا بحاضرها وماضيها بكل ما فيها.

يمزقك الشوق والسهد، ينزف قلبك حبا، تملئ عينيك الأماكن والمشاهد..... تسترجع تلك المواقف والكلمات ، تلك الهمسات والنظرات ..... تلك اللمسات، أثلجت نفسك بعض الشيء،تستجمع كل قواك وتقول : ماذا افعل ؟

إذن اتخذت القرار بالذهاب إليها في دارها تعيد المحاولة، ولكن أكتب لها كلماتك كما فعلت بالماضي فتفتح أدراجك وتستخرج أوراقك وأقلامك، وتنتقي الورقة الوردية والقلم الحبر الأحمر ليكتب لها قلبك دقاته:

(بوعودك خطفت قمر السماء ولملمت النجوم وجعلت منها عقدي وجعلت قلبي بارجة تجوب بحور عينيك ومن رخات الندي جمعت اللؤلؤ علي وجنتيك ورحت أقطف ورود الدنيا لردائك الوردي، بأحلامك رحت أبني القصر الذهبي واخترت أسماء أولادي عبد الرحمن وفارس ، حنين وجنه).

أنسيتِ أم تتناسى؟ أتتركينى أتيه في زحام الأوهام وحدي؟

وأخيرا توقع ألوكتك بأحرف اسمك الأولي ومع بزوغ شمس الصباح تحاول استجماع قواك مرة أخرى وتفلح، إذن تذهب للدار ،تدق بابها بهدوء ولا مجيب فتدق أخري بعصبية وأيضا لا مجيب وتظل هكذا حتى يخرج لك الجيران فتسألهم عن أهل الديار فيخبرونك بالفاجعة!!!!

مات دعاءك

تمت.

22 شباط فبراير 2005 م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى