الأحد ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
مواجهة خطاب التنميط والعنف الغربي
بقلم سليمان عبدالعظيم

بين التناول العلمي والالتزام الأيديولوجي

رؤية تحليلية في فكر فهمي هويدي

مقدمة:

في يوم 4/9/2001، كتب عبد المنعم سعيد المثقف المصري البارز، والذي يعمل مديراً لمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام‏,‏ كما أنه، أحد الناشطين في مجموعة كوبنهاجن التي نتجت عن اتفاقية أوسلو وتشكلت لدفع عملية السلام والتطبيع مع إسرائيل، مقالاً في جريدة الأهرام القاهرية بعنوان "استنكار الاستنكار... وشجب الشجب"، تعرض فيه بالتحليل والنقد للأصوات التي استنكرت وشجبت ما قامت به المؤسسات السياسية الرسمية العربية من استنكار وشجب لما تقوم به اسرائيل تجاه الفلسطينيين من قتل وهدم وتشريد وتقييد للحركة. اشتملت هذه الأصوات على التيار الشعبي من جانب، وعلى عموم المثقفين من جانب آخر. وفي هذا السياق، كانت الحجج التي ارتكز إليها عبد المنعم سعيد أننا يجب أن نضبط كلماتنا، ولا نشجب أو نستنكر إلا بعد أن ندرك حقيقة الأرض التي نقف عليها، مؤكداً، رغم ذلك، أنه لا يهدف من وراء كلامه تثبيطاً للهمم، أو تقويضاً للعزائم.

فيما تلي ذلك، رد عليه فهمي هويدي بمقال آخر ، نُشر في نفس الجريدة يوم 11/9/2001، بعنوان "في لزوم استنكار الاستنكار"، وواضح من العنوان موقفه المضاد تماماً لرفض استنكار الاستنكار الذي قال به عبد المنعم سعيد في مقالته سالفة الذكر. يرفض هويدي ما جاء به عبد المنعم سعيد، ويتهمه بأنه كتب ما كتب من أجل عيون الأنظمة والحكومات العربية، متناسياً أو متجاهلاً ما يمكن أن تقوم به الشعوب العربية من جانب، والمثقفون العرب من جانب آخر، من مواقف وطنية ومؤثرة في المنطقة العربية. من أجل ذلك، يضع، أو يرمي هويدي نفسه وقلمه في رحاب الشعوب والمثقفين بوصفهم المعادل الموضوعي لهشاشة الأنظمة والحكومات العربية. بالطبع لا يحدد هويدي، عن أية شعوب، وعن أية مثقفين، يتحدث. ما هى نوعية الشعوب التي سوف يكون لها الكلمة الفصل تجاه ما يحدث في المنطقة، ومن هم المثقفين الذين سوف يشكلون معادلاً ما أمام انتهازية الأنظمة العربية ورخاوتها؟ أسئلة لا نعرف لها إجابة هنا، ولا في أى مكان آخر من كتابات هويدي. إضافة إلى ذلك، يندفع هويدي بقلمه الحاد، ليكمل لنا أن عبد المنعم سعيد يُغلق منافذ المقاومة المختلفة والمتاحة أمام الشعوب والمثقفين العرب، حيث يعمل من طرف خفي في خدمة التوجهات الرسمية التي لا تمل ليل نهار الحديث عن السلام وعدم خوض الحروب مع إسرائيل. وتمتلئ مقالة فهمي هويدي بالعديد من الكلمات الرنانة والمدغدغة للمشاعر مثل المسئولية، والكرامة، والشرف، والمقاومة، والمواجهة... إلخ من سلة هذه المفاهيم والكلمات النارية.

في الأسبوع الثالث، وتحديداً يوم 18/9/2001، ورغم وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، آثر عبد المنعم سعيد، رغم درايته "بالهول العظيم" الذي حدث في أمريكا، على حد قوله، أن يُخصص مقالته الأسبوعية للرد على ما جاء في مقالة فهمي هويدي السابقة. كان من الممكن، أن يتلافي عبد المنعم سعيد الرد على هويدي، متعللاً بالكتابة عن يوم "الهول العظيم"، لكنه رغم هذا الهول، آثر أن يرد وأن يدافع عن نفسه، أمام قرائه، وأمام الخطاب الهويدي المناقض لخطابه. النقطة الأساسية في مقالة عبد المنعم سعيد، والتي حاول من خلالها أن يُظهر الفرق بين خطابه، وبين خطاب هويدي من ناحية، والتيار الذي يمثله هويدي من ناحية أخرى، هو علمية خطابه، وارتكازه على أسس البحوث والدراسات الاستراتيجية، وكيفية ادراة الصراعات، وتأسيس السيناريوهات البديلة، ووضعها أمام صناع السياسة، والقائمين عليها. يعني ذلك، من طرف خفي، لا علمية، وربما ديماجوجية وعفوية واندفاعية خطاب هويدي ومن يمثلهم، الأمر الذي يمكن أن يصل بنا، إذا استهدينا بكتاباتهم إلى حالة من الفوضى التي لا تُحمد عقباها. لا يعني ذلك، أننا أمام كتابة علمية، بما تعني الكلمة من معاني ومتطلبات، فعلينا أن لا ننسى، أن عبد المنعم سعيد يكتب في جريدة يومية، بلغةًٍ يهدف من ورائها أن تُقرأ من قبل العديد من القراء، وليس الصفوة التي ينتمي إليها، ويحمل برودتها الفكرية. لذلك، فالأمر لا يسلم أيضاً من استخدام كلمات المقاومة، والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ومهاجمة اسرائيل، ورئيس وزرائها، ربما بلغةٍ أقسى وأشد ضراوة مما يستخدم هويدي ذاته.

نحن هنا، وكما بدا من خلال محاجات ومناقشات ومناوشات هذين العلمين البارزين، وكما حاول أن يبرز كلٌ منهما، أمام خطابين مختلفين. أحدهما- وهو هويدي- يستخدم لغة محببة للعامة، تدافع عن العرب والعروبة، الإسلام والمسلمين، والآخر – وهو سعيد- يتمترس بالعلم دليلاً، لا يليق بنا خذلانه إن أردنا التقدم والتطور، حتى لو تعارض ذلك مع ما يؤمن به العامة. تثير هذه المناقشة بين هويدي وسعيد حدة الخلافات المثارة في عالمنا العربي المعاصر، والتي من خلالها يؤكد البعض على لغة تقترب من دغدغة مشاعر العامة، ومقاومة الآخر، والإعلاء من شأن الشعوب العربية والإسلامية. في نفس الوقت، الذي يؤكد فيه البعض الآخر على ضرورة تلمس الواقع بشكلٍ عقلاني وموضوعي، وألا تخدعنا الكتابة في الاستفاضة في مشروعات المقاومة الوهمية، التي لا تتناسب مع أوضاعنا المهترئة الحالية. تثير هذه المناقشات ضرورة الوقوف على محددات الخطاب العلمية الواقعية من جانب، والأيديولوجية الذاتية من جانب آخر، فليس كل ما هو أيديولوجي غير علمي، وليس كل ما هو علمي، غير أيديولوجي. من هنا، وفي ضوء تحليلنا لكتابات فهمي هويدي يمكن أن نحدد طبيعة وملامح هذا الخطاب في ضوء المراوحة بين ما هو علمي واقعي، وما هو أيديولوجي ذاتي بالأساس. وهذه هى الإشكالية الرئيسية في هذه الدراسة، والتي تتعلق بمدى مراوحة الخطاب الفكري بين الأسس العلمية، والالتزامات الأيديولوجية.

وسوف تنطلق الدراسة الراهنة في تحليلها لخطاب فهمي هويدي من نقطة محددة من التاريخ المعاصر، منذ الهجمات التي تلقتها أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001. فمنذ هذه اللحظة زادت حدة وصفاقة الخطاب الغربي بعامة، والأمريكي بخاصة نحو العرب والمسلمين. فالأوصاف الجاهزة والمحددة سلفاً من قبل أجهزة الإعلام الغربية، إضافة للكتاب والصحفيين الجاهزين دائماًً للحديث عن كل ما يشين العرب والمسلمين، قد أصبحت جزءاً من خطاب الحياة اليومية الغربية بعامة، والأمريكية على وجه الخصوص. من هنا فإن اختيار هجمات الحادي عشر من سبتمبر كنقطة تاريخية في الزمان مسألة على قدرٍ كبير من الأهمية، والمشروعية البحثية في آن. بالطبع إن الإنطلاق من هذه النقطة التاريخية بالغة التحديد، لا يعني انقطاعها عما قبلها، بقدر ما يعني بالأساس، أننا سوف نركز على الخطاب الغربي الذي تلى هذا التحديد التاريخي، من خلال الكيفية التي واجه بها الخطاب الهويدي هذا الخطاب، مع محاولة تحديد مواصفات هذا الخطاب والسمات المرتبطة به.

إن علينا ونحن نقرأ الدراسات والمقالات التي كتبها فهمي هويدي، إضافةً إلى العديد من المقابلات التي أُجريت وتُجرى معه، والتي تُشكل في مجموعها، ما نُطلق عليه هنا، الخطاب الهويدي، ألا ننسى في نفس الوقت أن هويدي نفسه، رغم دفاعاته المستمرة والمتلاحقة عن الإسلام والمسلمين، وعن العرب والفلسطينيين، قد أصبح هو نفسه مصدر قوة، سواء من خلال الامكانات المتاحة له للكتابة في العديد من الصحف العربية الكبرى، حيث ينشر مقالة أسبوعية كل يوم أربعاء في جريدة الشرق الأوسط، إضافةً إلى مقالته الأسبوعية التي ينشرها في جريدة الأهرام القاهرية كل يوم ثلاثاء، ويتم توزيعها في سبع دول عربية هي الكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات، والأردن، ولبنان، والسعودية ، أو سواء من خلال تلك الحالة شبه التقديسية من جانب، والولائية من جانب آخر، التى يضفيها عليه قُراؤه، أو بشكلٍ أكثر تحديداً، أتباعه ومريدوه. ويمكن للمرء متابعة تعليقات القراء على مقالاته في جريدة الشرق الأوسط، حيث نجد، رغم العديد من حالات النقد الموجهة له، العديد والعديد من حالات الوله والإعجاب البالغ به. والمسألة التي نهدف إليها هنا من خلال ذلك، هى أن نبين، ليس فقط بخصوص حالة فهمي هويدي، ولكن بخصوص العديد من الكتابات الصحفية الأخرى، المدى الواسع والهائل الذي ما زالت تمارسه الصحافة العربية المكتوبة على عقول القراء والمتابعين لها، ليس فقط من خلال عالمنا العربي، بل من خلال كافة أرجاء العالم المعاصر، بما في ذلك القارئ المسلم بعامة. ولأن هويدي يتحول بمرور الوقت إلى مثقف حامل لعناصر القوة الغير متوفرة للعديد غيره من المثقفين، فإن ما يكتبه يصبح جديراً بالتحليل والانتباه، واضعين في الاعتبار أنه يمثل سواء علنياً أو ضمنياً، سواء موضوعياً أو ذاتياً، واجهة لأهم التيارات الموجودة على الساحة العربية المعاصرة، إن لم يكن على الساحة العالمية ذاتها، ألا وهو التيار الإسلامي، بغض النظر عن إضافة اللاحقة معتدل، أو متطرف، وبدون أن يعني ذلك أيضاً أننا نتعامل مع الإسلام على أنه إسلام واحد، فالإسلام أكبر من أن يُوضع في تصنيف واحد، صارم وقاسٍ ومضلل، وهذا ليس حُكماً ذاتياً، قدر كونه ينطلق من اعتبارات التاريخ والجغرافيا، وجدلية البشر وقدرتهم على التطور والموائمة والصراع والمواجهة.

السمات والملامح المشكلة لخطاب فهمي هويدي:

ترتكز الدراسة الراهنة على عدم الفصل بين الخطاب الغربي المتطرف، الأمريكي منه بالأساس، والخطاب الإسرائيلي المتضافر مع تطرف الخطاب الغربي في عدوانيته، والذي يستقي المزيد والمزيد من عدوانيته من تدعيم الخطاب الغربي له. ورغم وجود بعض الخطاب الغربي المعاصر الموضوعي والمناصر لقضايا العرب والمسلمين، إلا أن حجمه لا يُعتد به، حيث مازال في طور التكوين ويحتاج إلى المزيد من الدعم، ليس فقط من جانب الهيئات والمؤسسات الغربية، بل أيضاً من جانب العالمين العربي والإسلامي، إضافةً إلى الأصوات الأخرى الحرة والشريفة. يُضاف إلى ذلك أيضاً الخطاب العربى الممالئ للغرب، "وربما" المتعاون معه ضد التوجهات الوطنية والقومية العربية والإسلامية. وفي ضوء ذلك، سوف نحاول فيما يلي الوقوف على أهم الملامح الخاصة بخطاب هويدي، والجوانب المختلفة التي يتناولها بالنقد والتحليل، أولاً من منطلق وصفي لتحديد أهم ملامح هذا الخطاب، ثم من منطلق نقدي للوقوف على مدى علمية هذا الخطاب، وأهم جوانبه الأيديولوجية.

أولاً: كشف مؤامرات الآخر وممارساته العدوانية (مادياً ومعنوياً)

ترتكز التوجهات الفكرية لفهمي هويدي بالأساس على التشكك في الآخر الغربي بشكلٍ عام، والأمريكي بشكلٍ خاص. ويحكم هذا التشكك المقولات الفكرية لهويدي التي تحدد سلفاً انتقائيته الذاتية؛ فحيثما لا توجد موضوعية باطلاق، كما يفترض البعض تتدخل الجوانب الذاتية، والأهواء الخاصة، حتي لو بدت للبعض مرتبطة بمعطيات الواقع المعاش، إلا أنها تظل محكومة باعتبارات التوجهات الذاتية، أو لنقل هنا الأيديولوجية. ومن ضمن المحددات الأيديولوجية لصيقة الصلة بالخطاب الهويدي تشككه الكبير بنوايا الخطاب والأهداف الأمريكية بالأساس. يقول هويدي حول طبيعة المبادرات الأمريكية في المنطقة العربية من خلال نقده الصريح والحاد لقناة الحرة الأمريكية "إن الأصل هو عدم البراءة في المبادرات الأميركية التي تخصنا، لأنها لن تخرج عن أحد احتمالين : خدمة المصالح الأميركية، أو خدمة الأطماع الإسرائيلية."

( 3/11/2004). وهنا لا يفصل هويدي بين العدوان الأمريكي، ومثيله الإسرائيلي الصهيوني فكلاهما وجهان لعملة واحدة سماتها القهر والقتل والتشريد والإبادة. في نفس الوقت، الذي لا ينفك فيه هويدي على تأكيد أن الكثيرُ مما يلحق بأمريكا هو الجزاء المقابل لدفاعها المستميت عن اسرائيل، ومساعداتها التي لا تعرف حدوداً. يقول هويدي حول اعتداءات سبتمبر 2001:

هل كان يمكن ان تتعرض الولايات المتحدة لذلك الهجوم لو أنها كانت أقل انحيازاً لإسرائيل؟‏..‏ و‏..‏ هل كتب علي المواطنين الأمريكيين أن يدفعوا ثمن تأييد ساستهم وحكومتهم لإسرائيل مرتين‏:‏ مرة من أموالهم‏(‏ ذكر الدكتور ادوارد سعيد أن مجموع ما قدم لإسرائيل من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين وصل إلي‏92‏ مليار دولار‏)‏ والمرة الثانية من دمائهم‏.‏ كما حدث في الفاجعة الأخيرة‏,‏ التي وصل عدد ضحاياها حتي الآن إلي نحو‏7‏ الاف شخص" (25/9/2001).
في نفس الوقت تبدو هذه الانتقائية هى الموضوعية ذاتها في ظل الأدلة المتوفرة حول القمع والممارسات العدوانية الأمريكية والإسرائيلية. فاذكاء الحساسيات المذهبية والعرقية في العراق، وانتهاكات معاملة الأسرى العراقيين في سجن أبوغريب، والممارسات البشعة مع السجينات العراقيات، والقتل المتواصل للمدنيين العراقيين، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، إضافةً إلى ما تقوم به اسرائيل من قتل، وتدمير، وانتهاكات يومية، كلها تعزز من انتقائية فهمي هويدي، حيث يتحول ذلك التركيز على خطاب محدد إلى تجسيد حى لما يوجد في الواقع المعيش. (حول العديد من أشكال القمع والقتل الأمريكي والإسرائيلي، انظر هويدي 12/10/ 2004؛ 19/10/2004؛ 21/4/2004؛ 7/1/ 2004). وربما تصبح كلمة انتقائية هنا غير ملائمة، في ظل عدم امكانية التمييز والمفاضلة بين شرور أمريكا، وحسناتها، على الأقل في المنطقة العربية!!

ويدعم هويدي خطابه بأدلة تؤكد عليها الممارسات الأمريكية في العراق، إضافةً إلى ما تمدنا به الصحافة الأمريكية بالأساس. يتساءل هويدي: ما الذي فعله الاحتلال الاميركي في العراق حتى الآن؟ حيث يجيب قائلاٌ إن الاحتلال الأمريكي قدم الطائفية على المواطنة، وشكل مجلس الحكم بناء على الاختيار وليس الانتخاب، وعهد بأغلب مشروعات الإعمار إلى الشركات الأمريكية، وفتح البلاد أمام الإسرائيليين، إضافةً إلى ما قام به من أعمال اعتقال وقتل وهدم وتشريد وتعذيب. (انظر هويدي 10/12/2003؛ وحول الوجود والانتشارالإسرائيلي في شمال العراق على وجه الخصوص انظر هويدي 5/11/ 2003).

يستفيض هويدي في معظم كتاباته حول العنف الأمريكي، لصيق الصلة بالتاريخ الأمريكي ذاته، والذي يتجرع العرب آثاره هذه الأيام. لا يقف هويدي فقط عند فضيحة سجن أبو غريب، وممارسات التعذيب واسعة المدى، بل يعود بالذاكرة قليلاً، حيث غزو أفغانستان، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، والتعذيب الواسع المدى لأسرى طالبان، والمجاهدين العرب، إلى الحد الذي يصل فيه هويدي، اعتماداُ على أدلة منظمات حقوق الإنسان الدولية، إلى وجود شكل متعمد من اشكال التصفية الدموية المتعمدة للأسرى الأفغان العزّل. (انظر هويدي 5/5/ 2004).

ويركز هويدي على الممارسات الأمريكية بالأساس التي تدعم الدكتاتورية في العالمين العربي والإسلامي وتقف حجر عثرة أمام الرغبات الشعبية الحقيقية، ويستشهد في ذلك بما حدث في أفغانستان ابان الانتخابات الأخيرة، حينما ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية الفوز مُقدماً للرئيس حامد كرزاى في الانتخابات، بوصفه الحليف الأهم والأوفى لها، بغض النظر عن الرفض الشعبي المطلق له ( انظر هويدي 13/10/2004). لاتقف المسألة عند هذا الحد، حيث يبين هويدي تعويل الرئيس الأمريكي على انجاح كرزاى كعامل تدعيم له في الانتخابات التي فاز بها فيما بعد. ولا يبتعد هذا المشهد عما حدث في العراق حيث الكتيبة الحاكمة التي جاءت محمولة على الدبابات والطائرات الأمريكية من جانب، واكتسبت صك قبولها مروراً بالبوابة الإسرائيلية من جانب آخر (انظر هويدي 5/10/2004). إضافةً إلى ذلك يكشف هويدي عن سعادة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بفوز الرئيس الجزائري بوتفليقة، وهو الداعي إلى التعاون مع الغرب من جانب، والأكثر مرونة مع اسرائيل من جانب آخر (هويدي 14/4/2004). ولعل عدم سعادة هويدي بفوز بوتفليقة يعكس من جانب آخر المسكوت عنه بخصوص ترحيب الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بنتائج الانتخابات الجزائرية الآن، ومعارضتها لهذه النتائج بعد فوز الإسلاميين بها في التسعينيات، وهذا المسكوت عنه في بعض الأوقات نجده مطروحاً لدي هويدي في أوقات أخرى، حينما يتحدث عن المقابر الجماعية للمدنيين الجزائريين التي عُثر عليها، ودور العسكريين، ورجال الأمن في هذه المذابح.

ويربط هويدي بين هذه الممارسات المختلفة، وبين الدعوة الأمريكية الخاصة بأهمية الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط، وهي الدعوة التي هللت لها الأبواق الأمريكية، والكثيرمن الأبواق المحلية، التي يُطلق عليها العديد من الأوصاف مثل "المارينز العرب"، و"التكفيريين الجدد"، و "الأمريكيين المستغربين من بني جلدتنا" وهم على حد قول هويدي، "الذين هم بيننا لكنهم يقفون في معسكر «الضد» لمقاصدنا وأحلامنا. أجسامهم معنا، لكن عقولهم وقلوبهم على الضفة الأخرى، أبعد ما تكون عنا." (هويدي 25/8/2004 ؛ وانظر أيضاً، هويدي 5/10/2004 ؛ وهويدي 31/8/2004؛ وهويدي 4/2/2004).

ويؤكد هويدي على ضرورة ألا نتغافل عن الوقوع في حبائل الإيهام الأمريكي بدمقرطة العالم العربي، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تسعي بالأساس سوى إلى تحقيق مصالحها، سواء تحققت من خلال الديمقراطية، أو من خلال أعتي الأنظمة الفاشية والدكتاتورية. ولا يُحمل هويدي، في الوقت نفسه، الولايات المتحدة الأمريكية مسئولية ما يحدث عندنا، فتغيير أوضاعنا السياسية، والقيام بعمليات اصلاح سياسية واسعة النطاق، هو ، في النهاية، من صميم مسؤولياتنا الذاتية؛ فمن حقنا تحديد مصالحنا، وبالمثل فمن حق الولايات المتحدة أن تحدد مصالحها وأولوياتها بغض النظر عما سوف يلحق بنا. يقول هويدي "لا تثريب عليهم بطبيعة الحال، حيث الدفاع عن مصالحهم أمر بديهي، ولم يقل أحد أنهم مسؤولون عن اصلاح أوضاعنا السياسية وإن زعموا ذلك، وواهم ومغفل من يصدق ذلك الزعم، إذ الأصل أن نغير نحن ما بأنفسنا أولاً، حتى تتغير أحوالنا وتتحسن." ( هويدي 13/10/2004). وفي هذا السياق، يبين هويدي خطر الدعاوى الكثيرة المشاعة في المنطقة العربية التي تتحدث عن العراق الجديد، وعن السودان الجديد، وعن ليبيا الجديدة... إلخ من أشكال التجديد التي تتحفنا بها الإدارة الأمريكية يوماً بعد يوم، والتي لا تحمل في طياتها سوى مخاطر التقسيم، واندلاع التوترات الدينية والعرقية.

في هذا السياق، يركز هويدي في محاولته إيجاد مخرج للأزمة على ضرورة التعبئة الديمقراطية الحقيقية، التي سوف تمثل خط الدفاع الأول ضد الممارسات الأمريكية. وهنا لا يبتعد خطاب هويدي الإسلامي المعلن عن أى خطاب آخر، ليبرالي كان، أو حتى يساري. فمن وجهة نظره أن الديمقراطية الحقيقية الغير مفروضة من خلال المشروعات الغربية، الأمريكية بالأساس، والتي تخدم مصالح الخارج أكثر من مصالح الداخل، هى المتطلب الرئيسي لنا في معركتنا الحالية ضد الاستعمار الأمريكي والصهيونية.

لا يقف هويدي فقط في خطابه على اظهار الممارسات العدوانية العسكرية الأمريكية
المباشرة، لكنه يربط ذلك أيضاً بممارسات وتأثيرات الخطاب الأمريكي المعاصر الذي يحاول أن يقنع العالم بمدى صحة مقولاته. فرغم انسياق الكثيرين في كل ارجاء العالم وراء الخطاب الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، الذي صور الحدث بوصفه هجوماً علي الحريه والحضاره والحق والعدل، فإن هويدي من موقع رفضه المسبق للهيمنة الأمريكية، ذلك الموقع المُوجه لمعظم، إن لم يكن، لكل كتاباته، قد وضع الحدث في إطاره الصحيح حيث لا يجب التهويل من شأنه لخدمة أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، الراغبة في تجييش العالم لخدمة مصالحها الشخصية. وخطورة هذا الخطاب المصاحب لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أنه وعلى حد قول هويدي:
يعود بالولايات المتحده سنوات الي الوراء‏,‏ إذ يغريها بالسعي لقسمة العالم مرة أخري‏,‏ مع تكريس موقعها في زعامة العالم الحر‏,‏ وتلك أجواء تستصحب تنامياً للقوي اليمينية داخل الولايات المتحدة‏,‏ وتهديداً للحريات العامة والمدنية‏,‏ الأمر الذي سيكون العرب والمسلمون في مقدمة ضحاياه‏,‏ باعتبارهم منسوبين إلي قوي الظلام المفترضة‏,‏ وذلك ينذر بموجة جديدة من الإرهاب والعنصرية‏,‏ قد لا تختلف كثيرا عما تعرض له اليابانيون في الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية‏.‏" (هويدي 18/9/2001، جريدة الأهرام القاهرية)

وفي هذا السياق، لا يقف هويدي في خدمة الخطاب الأمريكي، كما يفعل الكثيرون من
الكتاب العرب المعاصرين، الذين لا هم لهم سوى الحديث عما أصاب الأمريكيين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ناسين في نفس الوقت ما تعرض ويتعرض له العرب والمسلمون قبل وفي أعقاب هذا الحدث. يُكمل هويدي ما حدث بعد سبتمبر 2001، مبيناً أنه في ظل الدفاع المستميت عما حاق بأمريكا ومكانتها العظمى، كان العرب والمسلمون في معظم، إن لم يكن، في كل أرجاء العالم يتعرضون لهجوم وعنف الحياة اليومية الغربية تجاههم. يقول هويدي:

...ما إن وقع التفجير في نيويورك وواشنطن حتي كانت له أصداؤه السريعة في مختلف الأقطار الغربية‏,‏ فضلا عن الولايات المتحدة بطبيعة الحال‏,‏ فأغلقت مدرسة للمسلمين في كندا‏,‏ والقيت قنبلة حارقة علي مسجد بأستراليا‏,‏ واعتدي بالضرب علي محجبات في لندن‏,‏ وحطم مطعم يملكه أحد المسلمين في برلين‏,‏ وأخلت الشرطة مسجداً في لشبونة‏,‏ واضطر بعض المسلمين الأتراك إلي حلق لحاهم في هولندا‏!‏" (هويدي 18/9/2001).

المسألة الهامة التي يكشفها هويدي أيضاً هى انتقائية الممارسات الغربية، والأمريكية
منها بالأساس تجاه الأحداث العالمية. ففي الوقت الذي لم يتحرك فيه أحد لوقف المجازر اليومية في العراق وفلسطين، إذا بمجلس الأمن بقيادة الولايات المتحدة يتحرك لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في دارفور. إن هذه المعايير المزدوجة تعني، من وجهة نظر هويدي، أن الفلسطينيين و العراقيين لا ينتمون إلى الشعوب الإنسانية، وليس لهم حق التنديد بما يجري لهم، أسوة بما يلاقيه غيرهم مما يتعرضون للمظالم المختلفة. في نظر هويدي، فإن هؤلاء الفلسطينيين والعراقيين ليس لهم من حقوق سوى ما تحدده اسرائيل، وما تمليه الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الحالتين، فإن سياسات الإذلال والتركيع هي البدائل المتاحة فقط. (انظر هويدي 12/10/2004).

وهناك العديد من الأمثلة التي يضربها هويدي ويستدل بها على عمق هذه الإزدواجية في القرارات الدولية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت، الذي تندلع فيه حمى الهياج الإعلامي من أجل التمثيل بجثث الأمريكيين الأربع في العراق، رغم الرفض الإنساني والشرعي لهذا السلوك، لا يتحدث أحد عن مقتل700 عراقي في الفلوجة في أسبوع واحد (انظر هويدي 28/4/2004، الشرق الأوسط)، أيضاً ازدواجية فرنسا تجاه تحويل قضية الجدار العنصري الإسرائيلي للمحكمة الدولية، ومعارضتها لهذا التحويل، بحجة أنه سوف يعيق التواصل والتفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين بخصوص مباحثات السلام. (هويدي 12/2/2004؛ وانظر أيضاً هويدي 22/10/2004). في معظم كتابات هويدي، فإنه دائماً ما يركز على فضح ازدواجية المعايير الدولية نحو العالم العربي، وبشكلٍ خاص تجاه الممارسات الإسرائيلية. ‏

ثانياًً: الإعلاء من شأن المقاومة

يرفض هويدي، في معظم كتاباته ذلك الشكل الاعتذاري، الخانع، وربما المهزوم الذي الذي اعتاده الكثيرون من المسلمين والعرب المعاصرين. فبعد احداث سبتمبر تصرف المسلمون كما لو أنهم مدانون بالفعل، دون حتى أن يعرفوا نتائج التحقيقات المرتبطة بالحدث. كما أن هويدي يؤكد على أنه حتى ولو كان القائمون بالفعل من المسلمين، فإنه لا يجب تجريم عموم المسلمين بشكلٍ عام. من هنا يخشى هويدي أن يرتبط المسلمون بالأجندة الأمريكية المفروضة عليهم، فتصبح هموم أمريكا همومهم، وأفراحها أفراحهم. (انظر هويدي 18/9/2001)، ومن هنا يكتسب خطاب هويدي شكله ومضمونه المقاوم لانتهاكات الآخر المستمرة، والداعي لفض الارتباط بالكفالة الأمريكية التي يتشبث بها الكثيرون.

ينطلق فهمي هويدي في تأييده للمقاومة في فلسطين والعراق من القاعدة الأصولية التي تقول "إنك إذا لم تكن قادرا علي احقاق الحق‏,‏ فلا تكن عونا للباطل‏,‏ وإذا كان ذلك واجباً في الأمور العاديه التي تتعدد فيها الخيارات‏,‏ فإنه يصبح أوجب حين يتعلق الأمر بالمصير والوجود‏."‏ (هويدي 5/10/2004). ولذلك ربما يختلف هويدي عن غيره من الكتاب في هذا السياق. فبينما ينبري بعض الكتاب العرب بحمية وحماس للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية حينما تتعرض لضربة ما، يصمت فهمي هويدي، حيث يصبح المسكوت عنه هنا، هو الموافقة الضمنية عما تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية. وربما تبدو هنا احدى الإمكانات الهائلة التي يمتلكها المثقفون، وهى امكانية الصمت في مواقف ومواضع معينة، لكن الكثيرين منهم للأسف يفرطون في هذه الإمكانية، ويحبذون الكلام، مخالفين في ذات الوقت ضمائرهم. وفي هذا السياق، يعجب المرء من تلك الكتابات التي مازالت تراهن على أهمية الدور الأمريكي في المنطقة، وأهميته بالنسبة لإحلال السلام.

يدعم هويدي أشكال المقاومة المختلفة ضد المحتل الأمريكي، والصهيوني، ورغم محاولات البعض ادانة هذه المقاومة، والعمليات الاستشهادية، فإن هويدي لا يفتأ أن يؤكد، رغم حمامات الدماء الهائلة في العراق، بشكلٍ خاص، على أهمية المقاومة العراقية الوطنية، التي ترفض وجود المحتل الأمريكي، واذلاله للشعب العراقي. إضافةً إلى ذلك، وفي ظل الجدل حول أهمية وجدوى وتوصيف العمليات العسكرية تجاه الإسرائليين، فإن هويدي دائماً ما يبجل العمليات الاستشهادية البطولية التي تتم ضد الانتهاكات اليومية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، ويرفض هذا الجدل الدائر حولها، وحول تعريفها، انتحارية، أم ارهابية، أم استشهادية، حيث يرى أنه لا يجوز الجدل حول هذا النوع من العمليات الذي يتم نتيجة لما يتعرض له الفلسطينيون يومياً من قهر وقتل واذلال. (انظر هويدي 28/1/2004).

ومن الأمور اللافتة للنظر هنا، أن هويدي يرى أن الغيرة على المقدسات الدينية لا يجب أن تتقدم الغيرة على كرامة الأوطان، ولا يجب الفصل بينهما. فالغيرة على مدينتى النجف وكربلاء المقدستين لا يجب أن تتقدم الغيرة على مجمل تراب العراق. المسألة هنا، رغم توجهات هويدي الإسلامية، لا تتجزأ، ولا تخضع لحديث الأولويات والإنتماءات الضيقة المختلفة، فما يحدث في العراق، على سبيل المثال، لا يستدعي نعرات اضفاء القداسة والأهمية على جانب واهمال جانب آخر، حيث معركة المقاومة والدفاع كلٌ واحد لا يقبل التجزأة. (انظر هويدي 26/5/2004). إضافةً إلى ذلك، يستغرب هويدي ويندد بالأقلام وبالدول العربية، التي تحت وطأة ما يمر به العالم العربي من تدهور وتفكك منذ غزو الكويت وحتى الآن، قد استعاضت بالإرتماء في الأحضان الأمريكية، بديلاً عن الإرتكاز إلى الأسس العربية التاريخية التي لا بديل عنها لحماية أوطاننا ومقدساتنا. في هذا السياق، لا يؤطر هويدي المقاومة العربية فقط في حدودها المادية العسكرية، لكنه يلفت الإنتباه إلى ضرورة مقاومة حرب الأفكار التي تشنها الولايات المتحدة على عالمنا العربي، بهدف اقتلاع الأفكار والمقدسات العربية من جذورها، وإعادة صياغتها في صورة تتوافق مع أهداف الولايات المتحدة الأمريكية( هويدي 26/11/2003).
من هنا، فإن هناك العدديد من المقالات التي كتبها هويدي وينقد من خلالها هؤلاء الذين يثبطون المقاومة في كتاباتهم، ويصل بهم الأمر إلى ضرورة نبذ أشكال المقاومة المختلفة، واستجداء الحلول عن طريق التوجه للعالم بحالة الضعف العربي تلك. وفي ذلك، يحث هويدي من خلال خطابه العرب على تجاوز هذه الحالة المهادنة التي ترتكز بالأساس على التعبئة الإعلامية إلى العمل الفعلي الذي يرتكز إلى ممارسات حقيقية تدفع الآخر المهيمن، سواء الأمريكي أو الأسرائيلي، إلى أن يضع في حساباته هذه الكتلة العربية الصماء في اعتباره(انظر، هويدي 24/8/2004). فمن وجهة نظر هويدي فإن ما نفعله نحن، وليس الآخرون هو الذي سوف يحدد قيمتنا لدى الآخرين. وما نفعله هنا ليس شيئاً مجرداً، بل إنه يجب أن يرتبط بقوة ما تدعم مركزنا، وتجعل الآخرون يضعوننا في المركز من حساباتهم.

( انظر هويدي 2003 ، مقابلة مع الكنبوري). وفي هذا السياق، وعلى عكس الكثيرين، يؤكد هويدي على ضرورة المراهنة على الشعوب العربية ذاتها، وليس على أى طرف آخر، فالمقاومة الحقيقية تبدأ من الشعوب ذاتها، وليس من خلال الإرتماء في أحضان الآخرين. يقول هويدي:

المراهنة عل شعوبنا هي الحل، وهي ليست ضعيفة كما يروج المحبطون والمهزومون، ولكنها في حقيقة الأمر مستضعفة، أما طاقاتها البشرية فضلاً عن المادية فهي بغير حدود، وفي فلسطين الخبر اليقين لمن يريد أن يستيقن، وحين نراهن على طاقات شعوبنا ونرد لها اعتبارها بحيث تكتسب الأنظمة والنخب المهيمنة على مقدراتها شرعيتها في كفاءة تمثيلها واحترام حقوقها، حينئذ يمكن أن يصبح لأمتنا مقام واعتبار وبعض العافية، وهذه وحدها التي تكسبها احترام الآخرين، ممن دأبوا على العطف عليها والرثاء لحالها، واذا استخلصنا هذا الدرس وحده من مشهد الخذلان الأوروبي والفرنسي للعرب والفلسطينيين في قضية الجدار، فإن ذلك سيكون كافياً، وسوف يفتح الباب للخير الكثير (12/2/2004)

ورغم أهمية هذا الإعلاء من شأن الشعوب الذي يقترب في كثير من ملامحه
ومضامينه من الخطاب اليساري، فإنه يبقى خطاباً مبهماً تقوده النوايا الحسنة المعلنة، لكنه لا يتوخى التدقيق في ماهية الشعوب العربية، وحدود طاقاتها، وطبيعة النخب الحاكمة المهترئة. فالمصالحة التي يقيمها هويدي على الورق، لا تتفق ومدى الخراب الذي حاق بالشعوب من جانب، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، بل وحتى أخلاقياً، ومدي هشاشة النخب العربية سواء الحاكمة أو المثقفة منها، من جانب آخر. لا يستطيع أحد أن يجادل حول الدور الهام والتاريخي للشعوب، والمراهنة عليهم، كما يبتغي هويدي، لكن المسألة هنا تتعلق بالكيفية التي يمكن من خلالها احياء هذه الشعوب مرةً أخرى، أقصد الإحياء المستنير الواعى بالدور المنوط بها، وليس تلك الهبات العابرة، التي تستفيد منها النخب أكثر من أية قوى اجتماعية أخرى.
من احدى السمات اللافتة للنظر في خطاب هويدي تجاه الآخر الأمريكي بعامة، والإسرائيلي بخاصة، أنه، ليس مثل العديد من أشكال الخطابات العربية الأخرى، التي تبتغي منذ البداية مهادنة الآخر واتقاء شروره. بل على العكس تماماً، فإنه يُعلن صراحةً، ليس فقط نقده وكراهيته لهذا الآخر، بل أيضاً مشروعية الأعمال، التي تُوسم بالإرهابية، والتي تجري ضده. يقول هويدي مفنداً ماجري من هجوم على السائحين الإسرائيليين في مدينة طابا المصرية:

"لايعيب ماجري سوي أمرين‏,‏ أولهما أنه وقع علي أرض مصر‏,‏ والثاني أن من بين الضحايا بعض المصريين والمواطنين الغربيين، أما الإسرائيليون فإن ماجري لهم يتحمل مسئوليته شارون وأمثاله‏,‏ ممن بددوا لدينا بسياساتهم أى تعاطف مع الإسرائيليين وملأوا قلوبنا بالنفور والكراهيه لهم‏...أدري أن تلك مشاعر سلبية وغير صحية‏,‏ ولكنها جزء من المرارات المفروضة التي لاسبيل للتخلص منها إلا بعد استئصال مصادرها وأسبابها‏.‏" (هويدي 12/10/2004، جريدة الأهرام القاهرية)

وفي نفس الوقت، الذي يتملص فيه الكثيرون من التعليق على ما تقوم به حركة حماس
من مقاومة، ومساعدات مختلفة للشعب الفلسطيني، يؤكد هويدي أهمية هذه الحركة في استمرارية المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي. ولا يقف هويدي عند هذا الحد في توصيف حركة حماس، بل إنه يراها تجسيد لنضال وحلم شعب عظيم، حيث لا تنبع أهمية الحركة من الخدمات الاجتماعية التي تقدمها للأرامل والأيتام، بقدر كونها رمزاً لاستمرارية النضال، وأحقية الفلسطينيين في المقاومة ضد القوى الصهيونية الغاشمة. (انظرهويدي 22/9/2003).
وفي نفس الوقت، الذي يمر فيه الكثيرون مرور الكرام على الانتفاضة الفلسطينية
واسهاماتها، فإن هويدي يكرس العديد من المقالات التي يكرم ويحتفي من خلالها بالانتفاضة الفلسطينية، إلى الحد الذي يقترح فيه الاحتفال بيوم الثامن والعشرين من سبتمبر عيداً للانتفاضة، على غرار عيد الجهاد الذي ارتبط بثورة 1919 المصرية. وهنا يلاحظ المرء أن هويدي في خطابه المعلن في بعض الأحيان، والمسكوت عنه في أحيان كثيرة، يربط بين الثورات العربية بشكلٍ عام، والتدخلات الأجنبية السافرة بوصفهما السبب الرئيسي وراء ما آلت إليه الأوضاع العربية بعد ما يقارب خمسة عقود من زمن الاستقلال، وربما لهذا السبب ارتد هويدي إلى ثورة 1919 المصرية ليربط بينها وبين الانتفاضة المعاصرة متحاشياً، على سبيل المثال، ذكر ثورة يوليو المصرية، أو الإشارة إليها (انظر هويدي 28/9/ 2004 ؛ 9/11/2004؛ 19/11/ 2003).

ثالثاً: رفض التعميم، والأحكام المسبقة، وقلب الحقائق والمقولات

يتحدث هويدي عن المنطق التعميمي السائد بين الكتاب، الذي يُدينون العرب والمسلمين بالإرهاب. فبعد أحداث سبتمبر انطلقت الأقلام الغربية، بكل صفاقة ووحشية لانتهاك العالمين العربي والإسلامي، حيث تناولت قيم وثقافات ودين هذه الشعوب بالنقد والانتهاك والتجريح، بشكلٍ لم ينج معه القرآن الكريم، والنبى محمد، والمقدسات الإسلامية من هذه الحملة الشعواء. وفي إطار ذلك، أصبح كل ما يحمل اسماً عربياً أو اسلامياً، وكل ما يتعلق بالرموز العربية والإسلامية مثل اللغة، والحجاب، واللحية، والآذان، والحج...الخ مرادفاً للإرهاب. لقد تكاتفت القوى العالمية على وصم العرب والمسلمين بالإرهاب وبالدموية. كما أن كل الدول التي لها مشاكل عرقية ودينية مع الأقليات المسلمة وجدت الفرصة متاحة للتوحد مع الخطاب الأمريكي الصهيوني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فالهند كشرت عن أنيابها تجاه المسلمين، ودعمت علاقاتها العسكرسة والإقتصادية مع اسرائيل، وروسيا الإتحادية وجدتها فرصة لضم الشيشانيين لمحفل الإرهاب، بالإضافة إلى العديد من الدول الأوروبية التي تعقبت الأقليات المسلمة في كل مكان.

في هذا السياق، يرفض هويدي هذا المنطق التعميمي الذي يضع العرب والمسلمين حول العالم في تأطير تصنيفي واحد، وكأن الاختلافات بين ما يقارب 2,1 بليون مسلم، و 250 مليون عربي قد تلاشت بجرة قلم غربية بشكلٍ عام، وأمريكية بشكلٍ خاص. وإذا كان المرء يجد اندلاع هذه الحملة أمراً طبيعياً في المجتمعات الغربية، فإن الأمر يبدو مثيراً للانتباه والحيرة حينما تندلع تلك المقولات بين الكتاب العرب والمسلمين، حينما يلهثون وراء ترديد نفس المقولات الغربية التي تدينهم هم بالأساس، كما تدين أبناء شعوبهم ومواطنيهم. (انظر هويدي 8/9/2004؛ 14/7/2004؛ 7/9/2004).

إضافةً إلى ذلك يرفض هويدي الدور الذي تقوم به جماعات المارينز العرب، أو
التكفيريين الجدد، المناصرين لأمريكا، والمسبحين بحمدها، والمرددين لمقولاتها ليل نهار. هؤلاء يلعبون دوراً كبيراً في اللعب بمسلمات الأمة الاسلامية والعربية، والإنسلاخ عن المقولات الأساسية التي قامت عليه. يقول هويدي عن الدور الملتوي والتدليسي الذي يقوم به هؤلاء:
في خطابهم يقترن التكفير بالتدليس‏,‏ فالمقاومة تعد ارهاباً‏,‏ والإحتلال يصبح تحريراً‏,‏ والعمالة تغدو تحالفاً استراتيجيا‏,‏ والامتثال للهيمنة شرط للدخول في عصر العولمة‏,‏ ورفض الاستسلام والركوع تعبير عن عدم الواقعية ونقص الحنكة السياسية‏,‏ والمشكلة الفلسطينية تختزل في صلاحيات عرفات حيناً‏,‏ وفي العمليات الاستشهادية حيناً آخر‏,‏ وليست في الاحتلال الذي هو بيت الداء وأصل البلاء‏.‏ أما الاستقلال الوطني والاكتفاء الذاتي وعدم الانحياز ووحدة الأمة ومقاومة الاستعمار ورفض القواعد الاجنبية‏,‏ فهذه كلها في نظرهم وخطابهم شعارات وعناوين من بقايا عصر مضي‏,‏ وقد تجاوزت الخرائط السياسية وعفا عليها الزمن ‏(31/8/2004؛ وانظر أيضاً هويدي 18/8/2004؛1/10/2003).‏

إضافة إلى ذلك، يناقش هويدي التساؤل الهام والمركزي في الخطاب الغربي المعاصر، ألا وهو لماذا يكره العرب والمسلمون الأمريكيين؟ وفي هذا السياق يؤكد هويدي على أن كراهية العرب للأمريكيين لم تكن موجودة حتى منتصف القرن الماضي، حيث تغيرت هذه التوجهات بسبب الدعم الأمريكي لإسرائيل، واصرار أمريكا على مواصلة هذا الدعم والتأييد. ولا تقف الدعاوى والأوهام الأمريكية عند هذا الحد، لكنها أيضاً تحاول من خلال الإعلام الأمريكي في الخارج، والإعلام الأمريكي في الداخل عبر قناة الحرة الأمريكية، والكثير من الأبواق العربية المؤيدة للسياسات الأمريكية، اللعب على وتيرة دور الأعلام العربي في تدعيم كراهية المجتمع الأمريكي من خلال مجموعة من الأغلاط والادعاءات التي تشتمل على تحامل الإعلام العربي على أمريكا، وواحدية الرؤيا في الإعلام العربي، وتعبئة الناس ضد أمريكا من خلال تشويه وعى الناس (انظر هويدي 18/2/ 2004). فالحرب الأمريكية منذ أحداث سبتمبر قد تصاعدت ضد كل من تسول له نفسه نقد الولايات المتحدة الأمريكية.، هذه الحرب قد شملت الإعلام العربي، والصحافة، والجامعات، ومراكز البحوث العلمية، والمثقفين على كافة اتجاهاتهم ومشاربهم.

ويمكن القول، أن ما يكتبه هويدي، بشكلٍ عام، يحتفظ بمسافة جيدة بعيداً عن هذا
التنميط والتزييف الغربيين الذي انقاد وراءه الكثيرون، إما تحت بريق الامتيازات التي يحصلون عليها، وإما بسبب الإحساس بالدونية لدى البعض الآخر، الذي يستدمج هذا التنميط الغربي الأمريكي، ويقبله عن طيب خاطر. وهنا فإن مسألة موضوعية الكتابة وعقلانيتها تصبح عبثية إلى حد كبير، فتحت وطأة عمليات التنميط التي لا تهدف إلا إلى إذلال العرب والمسلمين، تصبح الموضوعية كذب، والعقلانية نفاق، ولعل هذا هو الفارق الرئيسي الفاصل بين دعاة الموضوعية والعقلانية، وبين دعاة المقاومة والمواجهة. وربما تلعب الفروق الذاتية بين كاتب وآخر، من جانب، و قوة التيار الذي ينتمي اليه وزخمه، دوراً كبيراُ في هذا السياق. ويصعب القول باطلاق هنا، أنه بسبب من انتماء فهمي هويدي للتيار الإسلامي، تأتي كتاباته على هذا النحو المعارض والمضاد للوجود الأمريكي والصهيوني في المنطقة، وإلا فإننا سوف نغمط حق التيارات الأخرى الليبرالية واليسارية التي تعارض هذا الوجود وتقاومه بأسلوب لا يقل ضراوة عن أسلوب فهمي هويدي. من هنا، فإنني أرى أنه في ظل الوضع العربي المتردي الآن، تنصهر التوجهات والانتماءات المختلفة حيث تصب جميعها في إطار وطني واسع وشامل يرفض تنميط الآخر واذلاله وقهرة.

رابعاًً: المسلمون هم الأكثر مظلومية من دون كل شعوب الأرض

ارتباطاً بما سبق، يكشف هويدي حجم الظلم البين الواقع على المسلمين في كل مكان؛ فعلي عكس الخطابات الغربية بالأساس، وبعض الخطابات العربية، يبين هويدي حجم الظلم الفادح الواقع على المسلمين، ولا ينبع هذا التصوير من احساس حاد بالقهر، قدر ما يرتبط بالجوانب الموضوعية لما يتعرض له المسلمون من مظالم مختلفة حول العالم. وهنا لا يقف هويدي عند مظاهر المظلومية المعاصرة والمعاشة فقط، قدر ما يرتد بالتاريخ إلى مسافة قرنين من الزمن ليكشف حجم التواطؤات الاستعمارية المختلفة منذ بداية القرن التاسع عشر لضرب وتدمير أية مشروعات نهضوية اسلامية، وما استتبع ذلك من فرض للهيمنة الغربية على العالمين العربي والاسلامي طوال القرنين المنصرمين. فالتاريخ وأحداثه التي لا تقبل اللبس تمثل أحد مرتكزات هويدي التي يعتمد عليها في تفنيد مقولات الآخر الأكثر افتراءاً وكذباً.
فمنذ اجتمعت الدول الغربية على ضرب مشروع محمد علي باشا النهضوي في مصر في بداية القرن التاسع عشر، ومنذ تمت تصفية الدولة العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين، وقامت الدول الغربية بتوزيع تركتها في «سايكس بيكو»، فإن المشروع الغربي توافق على بسط هيمنته على العالم العربي والاسلامي، بعد هزيمته عسكرياً وسياسياً وحضارياً. ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن إذلال المواطن العربي المسلم طيلة القرن المنصرم تم بالتواطؤ عن قصد أو غير قصد بين جهتين: قوى الهيمنة في الخارج، وقوى الاستبداد في الداخل (هويدي 8/9/2004).

وفي هذا السياق أيضاً، فإن هويدي كثيراً ما يعتمد على الكثير من التقارير الصحفية
الغربية التي تدين ما تقوم به أمريكا في المنطقة العربية. ولعل هذا ما يُضفي على كتابته قدراً كبيراً من المعقولية، ولا نقول الحيادية، وكأن لسان حال خطابه يقول ها هو ما تقوله تقاريركم عن حجم انتهاكاتكم لنا!! ويعتمد هويدي بشكلٍ كبير على التقارير الغربية في ابراز الانتهاكات الأمريكية والإسرائيلية على السواء، حتى لا يُتهم بالتضليل والاختلاق.

ويبدو هويدي في تحليلاته هنا حول المظلومية التي يتعرض لها المسلمون متسلحاً
برؤية شمولية تمكنه من الربط بين العوامل الخارجية والعوامل الداخلية التي تُحكم حصارها حول المواطن المسلم، أو العربي العادي. فبين المطرقة والسندان، أو بين هيمنة الخارج، واستبداد الداخل، يتضاعف حجم الظلم، وتزداد وطأة الإحساس به، كما حدث بالنسبة للشيشانيين، الذين يعانون من ظلم الغرب لقضيتهم من جانب، والقهر الروسي من جانب آخر، الأمر الذي أوصلهم لهذه الممارسات التي إن دلت على شيئ فإنها تدل على قدر عالي من الإحباط واليأس أكثر منها أعمال تتم في إطار ذو أهداف محددة ومشروعة. ويمكن قول نفس الكلام عن العمليات الاستشهادية في فلسطين، والتي تعبر عن حجم الهول الذي يواجهه الفلسطينيون على يد الإرهاب الإسرائيلي من جانب، والمساندة الأمريكية لهذا الإرهاب من جانب آخر ( انظر هويدي 8/9/2004).

وفي ظل الأزمات الضخمة التي تتعرض لها أمريكا، مثل أحداث الحادي عشر من
سبتمبر، والوضع الحالي في العراق، لا يلين خطاب هويدي، الذي يؤكد على ضرورة الربط بين ما تواجهه أمريكا الآن، وما نتكبده نحن من تدمير وقتل وتشريد بسبب مساعداتها التي لا تنفك لإسرائيل. ففي زحمة الانسياق وراء الخطاب الأمريكي عشية أحداث سبتمبر انساق الجميع شجباً وادانةً، متناسين ما يقاسيه العرب والمسلمون بشكلٍ عام، والفلسطينيون بشكلٍ خاص، جراء المساعدات الغير مشروطة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل. إضافةً إلى ذلك، يبين هويدي حجم التواطؤات الدولية تجاه المسلمين، في الوقت نفسه الذي تغط فيه الطرف عن مجمل الممارسات الإسرائيلية. ففي مقالته الهامة (الأهرام 15/9/2004) التي يتناول فيها اصداء الفتوى المكذوبة التي زعمت أن الشيخ يوسف القرضاوي دعا إلى قتل المدنيين الاميركيين في العراق، يبن هويدي كيف أن الإعلام الدولي يتعامي عن دعوة الحاخامات الإسرائيليين الداعية صراحةً، وبدون مواربة، إلى قتل الفلسطينيين المدنيين، نساءاً وأطفالاً. ففي الوقت الذي قامت فيه الدنيا ولم تقعد على الشيخ يوسف القرضاوى، الأمر الذي دعا الرجل إلى عقد مؤتمر صحفي يبين فيه حقيقة ما قاله حول الموقف من المدنيين الأمريكيين في العراق، لم يلتفت أحد إلى ما يقوم به الحاخامات الصهاينة من الدعوة إلى قتل المدنيين الفلسطينيين، بحيث يصبح قتلهم من صميم الواجبات الدينية والوطنية للمواطن الإسرائيلي.

خامساً: تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة

رغم أن الواقع الذي يعرض له هويدي لا يحمل في طياته أية مؤشرات تدعو للتفاؤل، فإن خطابه كثيراً ما يؤكد على انتصار المقاومة الفلسطسينية بالأساس في مواجهة الغطرسة والقوة الإسرائيلية. كما أنه كثيرا ما يؤكد على أهمية المقاومة العراقية، ودورها في دحر العدو الأمريكي، ووقف غطرسته وانتهاكاته المستمرة. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من سوداوية الواقع الذي يقدمه هويدي في معظم ما يكتب، فإنه يحمل عبر خطابه ذلك الهم القومي، الذي يؤكد على ضرورة الوقوف بجوار المقاومة أياً كانت، وضرورة التيقن من انتصارها، رغم ضريبة الدماء التي تدفعها كل يوم، وفي كل لحظة. يرتبط خطاب هويدي هنا بالواقعية السياسية في مجال الفهم والتفسير للواقع الآني، لكنه يتجاوز هذه الواقعية، في رؤية المستقبل، والتفاؤل بالغد المنتظر. وربما يختلف هويدي هنا، عن كثيرين غيره ممن فرضت ظروف الواقع عليهم محدودية الطموح، وشحوب التفاؤل، والرغبة المريضة في التوحد مع الآخر.
ينهي هويدي مقالته عن اغتيال عضو حماس في دمشق قائلاً "لست من دعاة التعلق بالأوهام، وأكرر هنا ما قلته أكثر من مرة من أن شارون لم ينتصر، وأن الفلسطينيين لم يهزموا، ولكن أرجو ألا أكون مبالغا اذا قلت أن الأول يتراجع، وان الفلسطينيين بصمودهم واصرارهم علي المقاومة يتقدمون، حتى إشعار آخر على الأقل. والله غالب على أمره" (هويدي 29/9/2004، الشرق الأوسط). كما أن حديثه عن الانتفاضة يكشف التأثيرات الكبيرة التي أحدثتها على بنية المجتمع الإسرائيلي، ففي الوقت الذي يجادل فيه الكثيرون من الكتاب العرب حول جدوى الانتفاضة، يدافع هويدي عنها بقوة الأدلة الموضوعية القادمة من داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته، عبر بعض الشخصيات الإسرائيلية الهامة، والتي تكشف عن فشل سياسات شارون الدموية في إيقاف مقاومة الشعب الفلسطيني، وعن ضرورة الاعتراف بالفلسطينيين ومنحهم حقوقهم. (انظر هويدي 19/12/ 2003).

ورغم الصورة المرة التي اعتاد هويدي أن يقدمها لنا، فإنه لم يفقد حدة تفاؤله، خصوصاً في ضوء ما تحققه المقاومة الفلسطينية من بطولات خارجة عن نطاق التصور الانساني. ولعل ذلك يرتبط بالضرورات التي يجب على المثقف أن يلتزم بها، والتي من أهمها، ضرورة ألا يفقد الأمل، وأن يتحلي بالروح المثابرة والمتفائلة في نفس الوقت، رغم ضراوة الواقع وقتامة الصورة التي يقدمها. فالمثقف ليس شخصاً عادياً، بل إنه عبر كتاباته المختلفة هو طوق النجاة الذي يمسك به القراء العاديين الذين يستلهمون رؤاه، ويهتدون بها في ظل العتمة السادرة.

سادساً: مواجهة الآخر بالإستعباط والتمويه اللغوي والمسكوت عنه
في اطار تناول المرء لخطاب هويدي، الذي يرتكز على أسس قومية عربية واسلامية بالأساس، فإنه من الضروري ألا يأخذنا هذا الخطاب بمقولاته التي ترتكز بالأساس على مقاومة الآخر، والإعلاء من شأن الأنا المقاومة، الإسلامية بالأساس، نحو التوحد به، واغفال المسكوت عنه في هذا الخطاب. وبشكلٍ عام، فإن لكل خطاب تحيزاته المسبقة، ورؤاه التي يرتكز عليها، مقابل تلك التي يغفل عنها ويتعمد اسقاطها؛ فالخطاب، في النهاية، مجال من مجالات العراك والمواجهة. وفي ضوء ذلك، يمكن القول أن هويدي في كثير من الأحيان، في ظل تحيزاته المسبقة، يتغافل عن بعض الجوانب الهامة للقضايا المصيرية التي يتناولها.

ففي مقالته الأولى التي جاءت في أعقاب أحداث سبتمبر 2001 والتي يعنونها "مشاهد مسكونة بالعبث"، على عكس عبد المنعم سعيد الذي يُطلق على هذه الأحداث "الهول العظيم"، يتلافي فهمي هويدي أي تنديد للحدث، ويحول الحدث ذاته إلى فعل غرائبي، يستدعي الدهشة والإنبهار. فما حدث هناك، يعادل في غزارته وطرافته، وحجم الإبهار المرتبط باخراجه أحد مشاهد هوليود البالغة الإثارة، حيث يتحول الحدث في النهاية إلى مجموعة من المشاهد المسكونة بالعبث. وربما هذا التناول يعكس من جانب، رغم بعض التعاطف مع الضحايا، عدم التعاطف مع ما أصاب الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن لسان حال المسكوت عنه يقول: ولماذا يجب أن نتعاطف معهم؟ وهنا أيضاً يختلف الكتاب فيما بينهم، حيث يندفع البعض متوحداً مع أمريكا شجباً وتنديداً، ويؤثر البعض الآخر الصمت، بينما يصمت البعض الآخر لفترة وجيزة، ثم لا يلبث أن ينقد أمريكا ذاتها. وربما كان الموقف الأخير هو موقف فهمي هويدي، الذي لم يقده ما حدث نحو التوحد معه، واستدراء عطف الأمريكيين.
وفي حديثه عن قضية دارفور، لا يرى هويدي سوى المؤامرة الدولية، الأمريكية الصهيونية- رغم وجودها- ويتغافل تماماً عن ذكر اسهامات الحكومة السودانية الاسلامية في تدهور الحالة السودانية، وخلق التوترات العرقية والدينية بين أطراف النسيج السوداني. (هويدي 21/7/2004، الشرق الأوسط). وفي الواقع، فإن خطاب هويدي يعكس قصدية واضحة جداً للقارئ العادي، فحينما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها واسرائيل، يستطرد خطاب هويدي في خط واحد هو ادانة الآخر، وهذا أمر لا غبار عليه من حيث أنه يعرض للانتهاكات المستمرة التي نواجهها من هذه الأطراف من جانب، ومن حيث أنه يعادل هذا التناول بالتأكيد الدائم على دور الأنظمة والنخب العربية في التعاون مع هذه الأطراف من جانب آخر. أما حينما يتناول هويدي قضايانا العربية والإسلامية في العراق، أو في الجزائر، أو في إيران... الخ فإن خطابه ينفتح على نسبية واسعة تلمس لأطراف النزاع بعض المشروعية وخصوصاً إذا كانت هذه الأطراف اسلامية. خذ مثلاً تناوله للمعركة الدائرة بين المحافظين والإصلاحيين في إيران، فرغم تعاطفه ومساندته الواضحة للعيان للإصلاحيين، إلا أن ذلك، لم يجعله قاطعاً في رفضه لسلوك المحافظين. يقول هويدي "أنوه في الأخير الى أهمية ملاحظة التباين داخل تياري المحافظين والاصلاحيين، وإلى الحذر من التصميم والتورط في تبسيط المشهد على نحو يعتبر الأولين هم الأشرار والأخيرين هم الأخيار، ذلك أن التباين الذي أشير اليه يدعونا إلى قراءة الخريطة بشكل آخر، يدرك ما في داخل كل تيار من إيجابيات وسلبيات." (هويدي 21/1/ 2004). هذا الشكل المنفتح على كل الإتجاهات، نكاد لا نعثر عليه في كتابات هويدي الأخرى حينما يتعلق الأمر بقوى وشرائح اجتماعية أخرى يرفضها هويدي ولا يتعاطف معه. وفي هذا السياق، يحق لهويدي أن يدافع عما يريد، وأن يسكت عما لا يريد، فكما قلت منذ البداية أن الخطاب هو في التحليل النهائي تعبير عن جملة مصالح يتوخاها ويبغي تحقيقها والدفاع عنها.

خاتمة:

في ضوء المحددات السابقة، لا يمكن للمرء أن يتجاهل اعتماد هويدي، في معظم كتاباته، على العديد من شواهد الواقع المادية التي تتعلق بالأساس بالأمة العربية والإسلامية. وفي إطار ذلك، يمكن القول، أنه رغم تعدد وتنوع الموضوعات التي يتناولها هويدي من جانب، والتباعد النسبي فيما بينها من جانب آخر، إلا أنها تنطوي، في النهاية، على مشروع كامل متسق ومتماسك يجمع فيما بينها. ويمكن القول، بشكلٍ متعسف، أن هذا المشروع يرتكز إلى مقاومة كل ما يُضعف الأمة العربية والإسلامية من جانب، والإعلاء من شأن ما يدعمها ويقويها. وربما ساعد تماسك هذا المشروع واتساقه على تماسك الرؤية والمنهج في معظم كتابات هويدي. فلا يجد القارئ فرقاً كبيراً في التوجه العام بين ما يكتبه عن المقاومة العراقية، أو الوضع في إيران، أو خطاب الإعلام العربي، أو الانتخابات الجزائرية، أو حتى حينما يكتب عن مشروع كومبيوتر لكل مواطن مصري.

وبشكلٍ عام، يمكن القول باستناد كتابات هويدي إلى أدلة الواقع الملموس، التي تمنح كتابته الصحفية ذلك الطابع الموثق، الذي يقترب بشكلٍ كبير ، من شكل الكتابة الأكاديمية، آخذين في الاعتبار أن لهويدي العديد من الكتب الفكرية ذات التوجه والمشارب العربية والإسلامية. ولا يستخدم هويدي نفسه، رغم سلاسة اللغة التي يكتب بها، لغة أدبية، فاللغة لديه تهدف إلى إيصال الفكرة بشكلٍ واضح وغير ملتبس، وإن كان في أحيان كثيرة يميل إلى التهكم والسخرية من خلال الاستخدام اللغوي.

لا يعيب هويدي هنا في طروحاته المرتبطة بالأدلة، ومجريات الحياة اليومية العربية والاسلامية، أن تأتي هذه الطروحات مفعمة بأحاديث المقاومة، والكرامة، ورفض الإذلال، وتأييد حماس، والانتفاضة الفلسطينية، ودعم ايران، والتنديد بأمريكا واسرائيل... الخ. فلا يقلل هذا من شأن طبيعة التفسيرات الموضوعية التي يقدمها هويدي للساحتين العربية والإسلامية. فرغم بعض المسكوت عنه، فإن هويدي لا يلوم الآخر- رغم تنديده المستمر له- فيما آل اليه حالنا، قدر ما يلوم، بشكلٍ مستمر، الأنظمة والنخب الحاكمة العربية؛ فالعوامل الداخلية تحوز قدراً كبيراً من الأهمية والتناول في تحليلاته. وفي هذا السياق، فإنه رغم نقده الدائم للولايات المتحدة الأمريكية، كثيراً ما يؤكد على أن الولايات المتحدة تتصرف مدفوعة بمصالحها أكثر من أى شيئ آخر، وعلينا نحن أيضاً أن نبحث عن مصالحنا ونصونها.

لا ينتقص من خطاب هويدي دعوته المستمرة إلى المقاومة والإشادة بها؛ ففي اطار البحث عن المصالح الخاصة بنا، يبقى خيار المقاومة مطروحاً على الساحة. كما أنه لا يكل التأكيد على أهمية دور الشعوب العربية والإسلامية في معركتنا ضد اسرائيل وأمريكا؛ فبدون الحشد الشعبي المؤسس على ديمقراطية داخلية حقيقية، فإننا لن نستطيع أن نقاوم وأن ننتصر. وهنا، يختلف الخطاب الهويدي عن الكثيرين غيره، الذين لا يتحدثون سوى عن خطاب السلام والمهادنة، وعن الموضوعية والعقلانية، هؤلاء الشاخصة أبصارهم نحو النظم العربية أكثر من أى شيئ آخر. في هذا السياق، يكتسب حديث المقاومة موضوعيته وعقلانيته الخاصة به، انتظاراً لأن يفيق الخطاب السياسي الرسمي من سباته ومن خدره. أخيراً يمكن القول أن خطاب هويدي، من خلال توجهاته الأيديولوجية المقاومة والرافضة لهيمنة الآخر واستعلائه، لم يمنحنا خطاباً ديماجوجياً خالياً من الأسانيد والأدلة الواقعية، ورغم مرونته مع بعض القوى، مقابل جموده مع البعض الآخر، فإن هذا لا يخل، بشكلٍ عام، بمشروعه العام "المعلن".

المراجع:

 جرامشي، أنطونيو. 1994. كراسات السجن. القاهرة: دار المستقبل العربي.

 كيبل، جيل؛ ريشار، يان. 1994. المثقف والمناضل في الإسلام. ترجمة بسام حجار. لندن: دار الساقي.

 هويدي، فهمي.1999. المقالات المحظورة. القاهرة: دار الشروق.

1994. التدين المنقوص. القاهرة: دار الشروق.

1993. الإسلام والديمقراطية. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر.

1988. أزمة الوعى الديني. اليمن: دار الحكمة اليمانية.

1987. تزييف الوعى. القاهرة: دار الشروق.

المقالات:

 الكنبوري، إدريس. 2003. "هويدي: أمريكا تتطلع إلى هيمنة إسرائيلية على المنطقة" (مقابلة مع فهمي هويدي. (على الإنترنت) http://www.islamtoday.net
 سعيد، عبد المنعم. 18/9/2001. "في واجبات استنكار الاستنكار." جريدة الأهرام القاهرية.
_. 4/9/2001. "استنكار الاستنكار... وشجب الشجب." جريدة الأهرام القاهرية.
هويدي0، فهمي. 10/11/2004. "لماذا يقف العرب متفرجين أمام ترتيبات ذبح الفلوجة." جريدة الشرق الأوسط.
9/11/2004. "حسرة ما بعد الاستقلال." الأهرام القاهرية.
3/11/2004."دعوة لإحباط مساعي الفتنة بين السنة والشيعة." جريدة الشرق الأوسط.
20/10/2004. "هل أفرز احتلال العراق جيلاً جديداً من جماعات العنف." جريدة الشرق الأوسط.
19/10/2004. "لنبدأ بمكافحة الظلم." جريدة الأهرام القاهرية.
13/10/2004. "مسقبل الديمقراطية في بلادنا لا يبشر بالخير." جريدة الشرق الأوسط.
12/10/2004. "رسالة الذي جرى في طابا." جريدة الأهرام القاهرية.
7/10/2004. "هكذا تفكر حماس في المشهد الراهن." جريدة الشرق الأوسط.
5/10/2004. " أين نقف بالضبط." جريدة الأهرام القاهرية.
 29/9/2004. "الرسالة والإشارات.. في اغتيال عضو حماس بدمشق." جريدة الشرق الأوسط.
 28/9/2004. "عيد انتفاضة الأقصى." جريدة الأهرام القاهرية.
 . 22/9/2004." عقم الأمة.. افتراء أطلقه المستشرقون!" جريدة الشرق الأوسط.
 21/9/2004. "قبل رفع شعار الكومبيوتر أولاً." جريدة الأهرام القاهرية.
 15/9/2004. "لم الصمت.. و«الفتاوى» الإسرائيلية تحث على قتل المدنيين..؟" جريدة الشرق الأوسط.
 14/9/2004. "اعلام الفتنة." جريدة الأهرام القاهرية.
 8/9/2004. "المسلمون الأكثر مظلومية.. والأكثر وصما بالإرهاب.. فلماذا؟" جريدة الشرق الأوسط.
 7/9/2004. "بذور الإرهاب وممارساته." جريدة الأهرام القاهرية.
 31/8/ 2004. "في الدفاع عن البديهيات." جريدة الأهرام القاهرية.
 24/8/2004. " عن معركة الأمعاء الخالية." جريدة الأهرام القاهرية.
 25/8/2004. "صناعة كراهية الآخر.. أميركية وليست عربية." جريدة الشرق الأوسط.
 18/8/2004. "لماذا يقدم العربي المسلم باعتباره متعصبا غبيا وعنصريا؟" جريدة الشرق الأوسط.
 17/8/2004. "اسئلة المشهد العراقي." جريدة الأهرام القاهرية.
 4/8/2004. "تحرير المقاومة الوطنية في العراق." جريدة الشرق الأوسط.
 21/7/2004. "شكوك وراء تفجير قضية دارفور وتدويلها." جريدة الشرق الأوسط.
 14/7/2004. "المسكوت عنه في المشهد الإسلامي في بريطانيا." جريدة الشرق الأوسط.
 26/5/2004. "الغيرة على المقدسات حين تتقدم كرامة الأوطان." جريدة الشرق الأوسط.
 5/5/ 2004. "سياسة شريرة في العراقزز وليس جنوداً أشراراً هناك..!!" جريدة الشرق الأوسط.
 28/4/ 2004. "قضية الإرهاب أعقد من المعالجة بالتبسيط والتسطيح." جريدة الشرق الأوسط.
 21/4/2004. "أسبوع الهوان والإزدراء للعالم العربي..!!" جريدة الشرق الأوسط.
 14/4/2004. "شهادات الغرب للانتخابات الجزائرية مشكوك في صِدقيتها." جريدة الشرق الأوسط.
 18/2/2004. "أمريكا والإعلام العربي: حزمة أغاليط وادعاءات." جريدة الشرق الأوسط.
 11/2/ 2004. "المراهنة على الشعوب العربية هي الحل." جريدة الشرق الأوسط.
 4/2/2004. "تسريب أميركي لمشروع «الشرق الأوسط الكبير»"، جريدة الشرق الأوسط.
 28/1/2004. "لماذا الهجوم على عناصر العافية في الجسم العربي الجريح؟" جريدة الشرق الأوسط.
 21/1/ 2004. "صراع على السلطة وليس دفاعاً عن الإسلام والجمهورية." جريدة الشرق الأوسط.
 7/1/ 2004. "الفتنة تطل برأسها في العراق." جريدة الشرق الأوسط.
 10/12/ 2003. "خدمة جليلة قدمها الاحتلال الأميركي للعراق." جريدة الشرق الأوسط.
 26/11/2003. "ارهاصات حرب الأفكار الأمريكية ضد العرب." جريدة الشرق الأوسط.
 19/11/2003. "الانتفاضة هزت المجتمع الإسرائيلي." جريدة الشرق الأوسط.
 5/11/ 2003." احتجاج تركيا على تمدد إسرائيل في شمال العراق." جريدة الشرق الأوسط.
 22/10/2003. "مقارنة أصداء نقد اليهود بسب عقيدة المسلمين." جريدة الشرق الأوسط.
 1/10/2003. "مقال بورج أطلق شرارة «هرولة» جديدة." جريدة الشرق الأوسط.
 22/9/2003. "أحدث صيحة.. رشوة الفلسطينيين لوقف نضالهم." جريدة الشرق الأوسط.
 25/9/2001. "الأمريكيون دفعوا ثمن انحيازهم مرتين." جريدة الأهرام القاهرية.
 18/9/2001. "مشاهد مسكونة بالعبث." جريدة الأهرام القاهرية.
 11/9/2001. "في لزوم استنكار الاستنكار." جريدة الأهرام القاهرية.
 4/9/2001. " حين يصبح الخيار الركوع أو الموت." جريدة الأهرام القاهرية.

رؤية تحليلية في فكر فهمي هويدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى