الاثنين ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣
قصة قصيرة من واقع الانتفاضة الفلسطينية

أشواك وطموح

بقلم عدنان عبد الرحيم رضوان ـ كفر لاقف/ قلقيلية ـ فلسطين

خرجت خديجة من غرفة والدها مشرقة الوجه تعلو شفتيها ابتسامة عريضة، أنها خديجة التي حلمت طوال حياتها أن تجلس على مقاعد الجامعة، لقد كانت تتخيل نفسها مدرسة، مثل مدرسة الرياضيات تتحلق من حولها الطالبات كالأميرة، ويحاولن أن يكسبن ودها ليحصلن على علامة إضافية أو حتى نصف علامة... دخلت خديجة مرحلة الثانوية، وبعد عناء وكد أتمت امتحانات التوجيهي، حيث كان يخيل إليها أن الوقت يمرّ ببطء شديد ...

كانت جالسة مع أخيها الصغير في شرفة منزلها المطل على الشارع العام، حيث سمعت أحد الباعة يقول: أن نتائج التوجيهي قد وصلت إلى المدارس، أسرعت خديجة إلى أمها لتنهي لها الخبر .
ـ أمي ، أمي .
ـ نعم يا خديجة، ما الذي حل بك؟
ـ لا بد أن أسرع إلى المدرسة لأقطف ثمار كديّ وتعبي....
ـ مهلاً يا ابنتي سيأتي بها أخوك محمد....
ـ محمد، لا، لا، يا أمي أن محمداً (بتردد) لا يحب لي النجاح.
ـ لا يا ابنتي سيأتي هو بها للتوّ...
يدخل محمد مسرعاً .
ـ أمي، أمي، نجحت خديجة بتفوق....

تسرع الأم بزغرودة، وتطلب إلى محمد أن يذهب إلى السوق ليحضر "الحلوان"

ـ أحقا يا محمد ما تقول؟.... سألت خديجة .
ـ نعم يا خديجة، لقد حظيت بمعدل عال...

في المساء يأتي والد خديجة بعد أن أمضى وقتاً طويلاً في عمله، يسرع الجميع لإخباره بأن خديجة قد نجحت في امتحان التوجيهي.

ـ مبارك: يا ابنتي، أدعو الله أن يوفقك، وتحصلين على ما تريدين في هذه الحياة...
ـ أشكرك يا أبي .

وتقبل رأس والدها شاكرة له.

تنسحب خديجة من غرفة والدها وقد امتلأ قلبها فرحاً وسعادة إلى غرفتها بعد أن استأذنت بالإنصراف، لتغرق في أحلامها بالأمل، لم تذق طعم النوم تلك الليلة، وهي تحلم بدخول الجامعة...
تنهض خديجة مبكرة، ويبدو على وجهها آثار التعب لقلة نومها في تلك الليلة، تنتظر خروج والدها من غرفته لتحدثه يما راودها من أفكار....

يا أبي، ها قد نجحت وحصلت على المعدل الذي يؤهلني لدخول الجامعة، أتأذن لي أسوة بباقي الأتراب؟

ـ إن شاء الله يا ابنتي، ترقبي أيام التسجيل للجامعة واذهبي على بركة الله.

محمد يدخل مسرعا، الأوضاع على برميل بارود يا والدي، وهذه بنت لا تحتمل مثل هذه الظروف ... لتؤجل تعليمها إلى أن تهدأ الأحول ويعم الاستقرار.
ـ الحياة يا محمد، لا تتوقف، ولا بد لخديجة أن تتعلم وتستثمر وقتها، وذلك بان صراعنا مع الاحتلال طويل ومرير.
خديجة : أشكرك يا والدي العزيز... وأتمنى لك دوام الصحة والعافية...

دخلت خديجة الجامعة وفي صبيحة اليوم الأول من الفصل الدراسي الأول، تجمع عدد من الطلبة في ساحة القرية للذهاب إلى الجامعة.

تسرع خديجة في تجهيز نفسها، وتتهادى درجات السلم بسرعة معتقدة أن الوقت قد حان لإثبات قدرتها أمام الرافضين لدراستها...

تستقل خديجة السيارة، وتقطع السيارة الطرق الترابية تتوقف عند الحواجز العسكرية ويخضع جميع ركاب السيارة للتفتيش.

تصل أخيرا إلى الجامعة بعد أن قضت ثلث النهار وهي بداخل السيارة.

نزلت خديجة من السيارة مسرعة إلى الجامعة، سائلة كل من يصادفها عن المكان المخصص للمحاضرات الأولى في حياتها الجامعية....

جلست على مقاعد الجامعة، واسترجعت صورا كثيرة، وبعد أن أتمت خديجة محاضرات اليوم الأول من دراستها الجامعية.أسرعت تبحث لها عن سيارة تعيدها إلى قريتها، وبعد طول انتظار، وقد شارفت الشمس على الغروب تجد خديجة ضالتها..

ـ هل أستطيع الصعود معك؟ .
ـ نعم ، تفضلي ولكن عليك أن تدفعي الأجرة مضاعفة...
ـ لا بأس، سأدفع مقابل وصولي إلى القرية ما ترغب من أجرة..

يدير السائق محرك السيارة، وينطلق عبر الطرق الترابية الوعرة، وخديجة تسترجع أيام كانت تأتي مع والدتها إلى المدينة في حدود ربع ساعة...

ـ يبدو انك غير معتادة على هذه الطرق يا ابنتي ( قال السائق ) .
ـ إنه أول يوم من أيام دراستي الجامعية...
ـ إذن عليك أن تتجشمي كثير من المتاعب، وإلا فاقبعي في بيتك...
ـ إلى متى سأجلس في البيت دونما تعلم؟

يستمر السائق في المسير، فيصادفه حاجز عسكري، فيطلب منه الوقوف، فيتوقف والسلاح مصوب داخل السيارة، ينزل السائق من السيارة غير مبال لما يدور حوله من حركات وممارسات قد اعتاد عليها، وأصبحت جزءاً من عمله اليومي، لهذا انهال الجنود على السائق ضرباً، وخديجة متسمرة في مكانها من هول ما رأت.
 الجندي : من أنت؟ وأين كنت؟ وأين هويتك؟

خديجة صامتة واجمة، مرعوبة .
ـ أنا ماذا تريد؟
ـ أريد هوية، هوية وتجيب خديجة المرعوبة هو هـ هـ هويـ هوية، يتدخل السائق هويتك يا ابنتي.

تعطي خديجة هويتها للجندي، وبعد وقت يسمح الجنود لهم بالانصراف بعد أن أمطروهم بوابل من الاسئلة والكلمات البذيئة.

تستمر السيارة بالسير والدوران، بالهبوط والصعود، يلعن السائق ويشتم الاحتلال وممارساته، وفجأة تتوقف السيارة.

ـ لماذا توقفت؟ .
ـ لا تقلقي أصاب الإطار الأمامي عطب، لا عليك سأصلحه سريعاً.
ـ تنظر خديجة إلى ساعتها، وقد راح الليل يرخي سدوله... وتقول: ماذا تقول أمي التي شجعتني على الدراسة؟ وما موقف أبي الآن؟ وماذا يقول الجيران وأهل البلد عني؟ أسئلة كثيرة مرت في مخيلتها دون أن تجد لها إجابة..

السائق : هيا يا ابنتي ، إصعدي، لقد انتهينا من إصلاح العطب...

تبدأ خديجة مشوارا جديدا في الطرق الترابية والمنحنيات الصعبة والخطرة، إلى أن تشارف السيارة إلى قريتها المجاورة للمستعمرة المقامة فوق أراض قريتها.

ـ إنزلي هنا، لا أستطيع مواصلة السير بجوار المستعمرة في مثل هذا الوقت....
ـ كيف أنزل يا رجل؟ ألم تتعهد بتوصيلي إلى القرية التي أسكنها.
ـ إذا لم تنزلي، سأسير ليس لدي وقت أضيعه هنا...

تنزل خديجة مرغمة، وتسير وهي تتساءل عن سر الانقلاب في لغة السائق، وقد اعتراها موجة من الغضب واليأس من الحياة، لوجود مثل هؤلاء، الذين يمارسون الخداع والاستغلال، تسير خديجة واجمة تتخبط في تية العتمة، وتقف بعد أن خطت خطوات متجمدة في مكانها، وتدور في داخلها آلاف الأسئلة المرعبة عن المستوطنين والجيش....
تشجع خديجة نفسها على السير، فتسير نحو قريتها، وكل حجر وشجرة وغصن يهيأ لها أنه جندي أو مستوطن احتلالي، تتذكر ابن قريتها حسين، الذي وجد مرميا على جانب الطريق المؤدي إلى القرية، وقد اخترقت جسده رصاصات حقد استيطانية وتذكرت كيف تحدثت الأخبار في ذات اليوم عن مدرس، هاجمه المستوطنون وهو متوجه إلى إحدى المدارس التي يعمل بها، ولم يعثر عليه بعد.

تصرخ في نفسها، تكلم نفسها بصوت مسموع، وتسرع في مشيتها، وفجأة تشاهد ضوء سيارة مسرعة نحوها تصاب بذعر شديد، وتتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها...

"أنها سيارة جيش، سيارة للمستعربين، أو...؟ ماذا أفعل ؟ هل أختبئ ؟ لا ، لا لعلهم رأوني... ماذا أفعل يا الهي؟ تصيح بألم، أبي، أمي، أخي " ، لا أحد يسمع صوتها المبحوح المرعوب. تقترب السيارة من خديجة، تسرع محاولة الهرب، تهرب بسرعة وضوء سيارتها يلاحقها، ويطاردها أينما اتجهت ... تزيد خديجة من سرعتها، وهي تصرخ، انصرفوا عني، أريد أن أتعلم، أريد أن أحقق طموحي، اقتربت السيارة مسافة مترين منها، تتمنى خديجة لو أنها لم تخلق، ولم تدخل المدرسة ولا الجامعة ويا ليتها سمعت نصيحة أخيها، الذي طالما ألحّ عليها أن لا تلتحق بالجامعة في مثل هذه الظروف الصعبة...

" الآن عرفت أن محمدا لم يكن يعارض دراستي و إنما كان خائفا علي من مثل هذه المواقف الصعبة... لماذا يخاف علي سأتحدى كل الصعاب واكمل تعليمي الجامعي "

وفجأة تتوقف السيارة، وينزل منها شاب ويناديها ، خديجة، خديجة، أنا أخوك محمد تعالي واركبي السيارة.

بقلم عدنان عبد الرحيم رضوان ـ كفر لاقف/ قلقيلية ـ فلسطين

هذه القصة منقولة عن كتاب مركز ابداع المعلم في رام الله ـ فلسطين وقد قام الاستاذ حذيفة سعيد جلامنة بتنسيقه وتحريره وتدقيقه .
موقع المركز هو
www.teachercc.org


مشاركة منتدى

  • بسم الله الرحمن الرحيم ..السلام عليكم و رحمة
    الله
    موضوع او قصة شيقة اعجبتني ولاكني كنت متوقعا ان تكون طويلةو نهايتها عندما كنت اقرؤها
    كنت متشوقا لارى النتيجة و كأني ابتلع السطور

    وشكرا

    احمد من فلسطين_قلقيلية_12 سنة تقريبا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى