الجمعة ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عبد الله بن علي السعد

امرأة بلا مرآة

رأيتها عند محطة في الطريق السريع تفترش الرصيف، .. أوقفت السيارة ودخلت السوبر ماركت .. اشتريت شيئا وخرجت .. مررت بجوارها .. ألقيت نظرة عابرة على بضاعتها الرخيصة متحاشيا النظر إليها .. ركبت السيارة .. أردت الذهاب .. وجدتها واقفة بجوار سيارتي ..فتحت النافذة مبتسما .. نظرت للبضاعة الرخيصة المعروضة .. اشتريت منها ما عرضته علي فانطلقت تدعو لي بفرح طفولي وبلهجة أفريقية .. شعرت بغصة في حلقي وقلبي .. أدرت سيارتي وانطلقت

كانت في العقد السادس .. من أصول أفريقية .. لفت شالاً أسود أذهبت الشمس لونه وأحالته إلى لون باهت .. وعلى وجهها الأسمر تجاعيد قسمت وجهها إلى أخاديد .. وبقية لباسها كان عبارة عن قطعتين يعرف بهما بني قومها فالأولى تشبه الثوب يشمل الجسد كله .. والثانية تلف على ظهرها لتشد الظهر ولترمي الشابة منهن طفلها خلف ظهرها وتشده بها .. يقرأ في وجهها تاريخ ألم وعذاب .. بقيت أتأمل بعض الوقت .. ثم التفت لزوجتي :
  أتغارين من تلك المرأة ؟
  …. لا .
  لماذا ؟
  … - نظرت إلى صامتة - .
  أليست امرأة ؟؟ أليس لها قلب ؟؟ ضحكتُ بحزن .. كانت ضحكتي أشبه بصراخ بائس .. وكنت أشعر برغبة في البكاء .. وتابعت كلامي .. كان لها يوما ما مرآة .. تنظر إليها دائما لتتجمل .. كان هناك من تتجمل من أجله .. ويتابعها بنظراته .. كانت فتاة لها صحبة وآمال .. وصور لفارس الأحلام .
  تابعتني زوجتي بصمت .. كنت أتكلم بحزن ..
  أليس من حقها أن تحلم بهذا ؟ ربما حلمت بالبيت والاستقرار ؟ وقضت أوقاتا مع صويحباتها في الكلام والأسرار .. وتهمس لهن حتى لا يدري الكبار عن أحلامهن .. وربما كان لها بيت ..
كم هي قاسية هذه الدنيا ..
  لم ترد علي زوجتي ..
  تابعت - .. لماذا تفترش الرصيف .. هل ضاقت الدنيا فلم تعد هناك غرفة تأويها ؟
و هل ضاقت أعيننا فلم نعد نبصر مأساتها ؟
وماذا حدث للبيت والأسرة ؟
  إنها امرأة فيها كل مقومات النساء .. وربما كان لها قلب عامر بالحب والصدق والحنان .. قنعت من حياتها بالرصيف والبضاعة الرخيصة .
كان الكلام يقطع بين الفينة والفينة .. وأعطى الليل جواً من الحزن على ذلك اللقاء .. وفي البعيد وعلى قمة الجبال بدت أنوار مدينتي .. وفي المقعد الخلفي أشعرتنا الحركة بوجود الصغير .
  أبي هل وصلنا ؟
  ابتسمت ورددت عليه .. ليس بعد يا بني .. سنصل قريباً بإذن الله .
  هل اشتريت لي عصيراً ؟
  نعم .. وبسكويت .
  نظر إلى في دلال .. أدري لقد كنت مستيقظاً أسمعك وأنت تكلم الجدة .
  هل رأيتها ؟
  نعم .. ولكنها مسكينة .. لماذا تقف لوحدها في الظلام ؟
  نظرت لزوجتي .. ولم أجد رداً مناسباً .
  تابع الصغير .. ولم تكن ترتدي عباءة .. لماذا يا أبي ؟
  لأنها عجوز يا ولدي .
  ويمكن بسبب الحر ؟؟ صح يا أبي ؟
  نظرت لزوجتي وأجبت .. صح يا بني .
  ستشتري أمي لها غطاء جديد .. صحيح يا أمي ؟
أشعر أن الأطفال هم ميزان المبادئ .. يفضحوننا أمام أنفسنا .. ويملون علينا ما يجب علينا فعله .. وبفطرتهم السليمة يصلون إلى ما يجب أن نقوم به من أعمال ومن واجبات .
  ردت زوجتي .. نعم يا بني .. سأشتري لها لو رأيتها مرة أخرى .
  سنأتي مرة ثانية .. أبي دائماً يأتي هنا لكي يزور جدتي وعمي .. أبي شغل الشريط لنستمع إليه .
أدرت مفتاح التسجيل دون كلام ..وران الصمت إلا من الجهاز الذي ينطلق يقطع الظلام والسكون .. لكن دعاء العجوز بقي ينقش في قلبي …. قصة إنسان .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى