الأربعاء ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم محمد التفراوتي

نتوءات حزينة

هل تذهب؟

طيب، سأجمع محفظتي انتظرني

استقل حميد والتهامي السيارة مودعين يوما كامل من العمل، ضاربين موعدا مع السعيد في المقهى لتناول وجبة "الاسفنج" مع شاي "مشحر".

في صدر المقهى يجلس السعيد رفقة عزيز وعبد الوهاب أمام جهاز التلفاز غير آبه بمرضه الذي أفقده نعمة النوم بفعل تأثير الدواء إذ تبدو ارتخاءات جفنيه وذبول أهداب مقلتيه تتخللها ابتسامات وضحكات قوية نابعة من قوة شخصيته ذات الطيف البدوي...

طال مكوث عزيز وعبد الوهاب أمام بائع الإسفنج منتظران دورهما وجهوز الأعداد المطلوبة من دوائر الإسفنج..

"بعد قليل ستبث قناة الجزيرة مقابلة خاصة مع السيد حسن نصر الله".

اشرأبت أعناق كائنات مهمومة يائسة نحو التلفاز متطلعة لمعلومة أو خبر يخرج من شرنقة الغبن والحزن..

التف رواد المقهى حول التلفاز.. وكأن الحدث مقابلة هامة في كرة القدم. لكن هذه المرة بدت ملامح الكمد والحزن على قسمات الوجوه وانفرجت أسارير محياهم بمجرد سماع إخبار قناة الجزيرة عن بث الحوار الذي أجراه "الصحفي بنجدو" مع زعيم حزب الله...

استرق حميد لحظات الحزن واليأس الذي ألم به بفعل غطرسة الكيان الصهيوني وأمام مشاهد الرعب والدمار خصوصا وأنه أتى لتوه من بيروت قبل بداية الحرب مشاركا في مؤتمر الرأي العام العربي والبيئة..

شرد حميد وأخد يعيد لحظات وشريط مقامه ببيروت لحظة لحظة متذكرا رقة رغدة و ودفء نجيب وابتسامات بوغوص وحيوية أمل..

جال بردهات مقر مجلة" البيئة والتنمية" وتنهد بعمق حتى سمع زفير أحشائه..

اعتصر قلب حميد حزنا واحمرت مقلتيه وبدا مسترجعا دموعا مصرة على رسم مسارها على خدود ذابلة..

فطن التهامي لشرود حميد وسفره بعيد فأرجعه إلى الحضرة السوسية، وانسل من فضاء الحزن الذي يخيم على رواد المقهى عامة.. وتعمد لاستكمال الشطر الثاني من محادثتهما قبل ولوج المقهى.

وفي تأمل سريع انساب التهامي في استعراض شريط ذكرياته الطفولية ومعاناته رفقته أبناء قريته، في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، مع الفقر والحاجة ومتطلبات الحياة مقابل الإصرار على الدراسة والتحصيل المعرفي..

في مدارس "المغاسيين" كنا مجرد "فراكس" ونذهب على الأقدام مسافات طوال، جماعة من أبناء الدوار إلى المدرسة كان والدي رحمه الله (مبتسما) يزودني بدرهم واحد أقتني به السكر والشاي ولزوم التغذية..

وهناك من التلاميذ من يصطحب معه حفنة صغيرة من الزيتون إذ كنا نأكل كسرة كبيرة من الخبز بحبة واحدة من الزيتون خوفا من نفاذه..

وهكذا استرسل التهامي في سرد ذكرياته بزهو وانتشاء..

صمت برهة، مستجلبا سطور حياته مسعفا ذاكرته لتجود بأقوى اللحظات تأثيرا

 هل لديك صورة تذكارية؟

علت على محياه ابتسامة طفولية تخفي لا محالة لوحة طريفة أبدعتها عفوية وبراءة طفولية جميلة..

 تصور، كان لنا صديق له قميص أفضل مما كنا نرتدي فجاءنا مصور لأخد صورة فردية لاستكمال وثائق ولوج قسم الشهادة الابتدائية، فما كان لنا إلا أن نتناوب على أخد صورة فريدة بنفس القميص..

 "وأخيرا حضر الاسفنج.. أين الشاي؟"

 هرول الناذل حاملا إبريق الشاي وذهب مسرعا.. فالمقهى غاصة بالزبناء

أخد عزيز في تحضير الشاي بالطريقة السوسية

 همس حميد في أذن عزيز "هل بسملت وصليت على النبي المختار أثناء التحضير"

 طبعا

التهم السعيد وعزيز وعبد الوهاب وكذا حميد إناء مملوء عن أخره من الاسفنج، وارتشفوا الشاي...

بدأ العد العكسي لبث الحوار مع زعيم حزب الله.

قرر حميد والتهامي الالتحاق بمنزلهما لسماع اللقاء بتركيز دون ضجيج المقهى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى