الثلاثاء ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم فاروق مواسي

شعاعا ضوء

1 – يروق لي..... ولا يروق

* يروق لي المتعلم الذي لا يقنع بما يعرف، الطامح إلى الاستزادة غير المغترّ بنفسه، المدرك مَن سبقه في الميدان الذي يجري فيه، المنافس من غير حقد، المختزل تجربته لخدمة شعبه وقضيته أولاً وقبلاً.

* يروق لي من يناقش ويصغي للآخرين، ولا يكون وكدَه الأساس أن يفحم خصمه بحق أو بدون حق، رائدُه قول الإمام الشافعي:

(ما ناظرت أحدًا قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحدًا وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه).

* ولا يروق لي... ذلك الذي يركب مركبًا ليس له، فيدّعي الشعر وهو بعيد عنه، أو يدعي النحو وهو يلحن،أو يدعي الخطابة وهو يتفيهق، أو يدعي الكمال وهو آفة،أو يساير البهتان ويمالئه.

* لا يروق لي ذلك الذي لا يعطي الناس قيمتهم الحقيقية، فيجعل الزائف صحيحًا والصحيح زائفًا. وأحيانًا لا يكون ذلك ذنبه، لأن هذا مبلغه من العلم، وما أوتي منه إلا قليلاً.

يقول شكسبير في مسرحية (الملك لير) ما ترجمته:

"وإنها لمصيبة كبرى في هذا الزمان إذ نرى المجانين وقد تولوا قيادة العميان".

أما أنا فأقول:

... إذ نرى العميان وقد تولوا قيادة المجانين، وبذلك يتوافق مع قول بشار: ضل من كانت العميان تهديه.

2 – العصامي..... والعظامي

تروق لي هذه العصامية التي يتحلى بها بعضنا، وتتمثل ببناء الإنسان ذاته وتحمل المسؤولية من خلال معاناة وإدراك لإبعادها.

والعصامية مصدر صناعي من الاسم (عصام).

تقول الحكاية إنه كان في خدمة النعمان بن المنذر حاجب يدعى (عصام بن شهير)، وقد نبُه هذا من غير قديم، يعني أنه لم يعتمد في رياسته على حسب أو نسب، وتسمي العرب مَن مثله (الخارجي) يعني أنه خرج بنفسه من غير أولية كانت له–

نفس عصام سودت عصاما

وعلمته الكرَّ والإقداما

وصيرته ملكًا هماما

وعصام نفسه هو الذي ذكر في مثل آخر أورده النابغة الذبياني، فقال:

(ولكن ما وراءك يا عصام).

ولرب سائل يسأل: ومن هو العصامي الذي راق لك؟ فأجيب:

هو ذلك الذي درس العلوم فأفاد منها، وذلك الذي جمع المال حلالاً بعرقه وكد يمينه، فكان ماله طاهرًا طارفًا...... وذلك الذي بنى لنفسه شخصية جذابة سيّجها بالعمل الصالح والأمانة الطيبة. فلينظر الواحد منا حوله فسيجد بعض هؤلاء، وسيُلفي المشترك بينهم جميعًا - أنهم يحسنون قضاء الوقت، إذ يُزجونه بالمنفعة، لأن وقتهم من ذهب، ودقائقهم لن تضيع هدَرًا ولا هذرا.

أما "العظامية" فمصدر صناعي من الاسم (عظام)، والمقصود عظام الأجداد وتراثهم.

ولرب سائل يسأل: من هو العظامي الذي لا يروق لك؟

فأجيب: أنه – مثلا- ذلك الطالب الذي ينقل بحث غيره، وذلك الذي جمع المال حرامًا وبأية طريقة، وذلك الذي يقول لنا دائما (كان أبي) و (كانت عائلتي) ناسيا قول الشاعر:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

يغنيك محموده عن النسب

إن الفتى من يقول (هاءنذا)

ليس الفتى من يقول (كان أبي)

لا يروق لي إذن ذلك العظامي الذي بنى شخصيته متكِئًا على حسبه ونسبه، أو متكئًا على تليد المال الذي ورثه.

فالاتكالي على غيره هو العظامي، والذي يقعد، ليلعن الناس والقدر والحظ هو العظامي، فابدأ من جديد، وتذكر المثل:

"كن عصاميًا ولا تكن عظاميًا"!

وما أحرانا أن نتذكر المثل الآخر:

"نفس عصام سوّدت عصاما".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى