الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

نظام الحكم العسكري الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ـ الحلقة السادسة

وجدت لجنة لانداو أن القضاة والمدعين وأناسا آخرين على ما يظن كالشرطة والعاملين بالمهن الطبية كانوا غير واعيين بشهادة الزور التي دأب مستجوبو جهاز الأمن العام على ارتكابها طيلة 16 عاما ( الفقرات من 2-43 إلى 2-46 ) وبالرغم من أن اللجنة تبدو في حالات أخرى مستعدة لان تقبل على الفور مزاعم جهاز الأمن فهي تؤكد بصفة خاصة على استبعاد ما أوحى به بعض عاملي جهاز الأمن من أن القضاة كانوا جزءا من اللعبة على الرغم من أنه لم يستدع أي قضاة للمثول أمامنا وأننا لم نسمع نفيا صريحا فإننا نجد أ، هذا الادعاء لا أساس له وغير مقبول بالمرة ( الفقرة 2- 45 )

النقاش الذي دار حول التقرير

كان تقرير لجنة لانداو موضوعا للدراسة خصوصا داخل الأوساط الإسرائيلية القانونية والأكاديمية وأوساط حقوق الإنسان فقد أصدرت كلية الحقوق بالجامعة العبرية في القدس كما أصدرت في وقت اقرب جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية " بيتسيليم " واللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل مطبوعات تركز على التقرير وعلى معاملة المعتقلين الفلسطينيين في الواقع العملي .

وفي كثير من الأحيان تعترف المواد المنشورة عن التقرير بصعوبة المهمة الموكلة للجنة إلا أن معظمها يحتوي على نقد لنتائجها واستنتاجاتها وتوصياتها ويتصل مثل هذا النقد في الأساس باستخدام اللجنة للمفهوم القانوني الخاص بالضرورة والأخطار الكامنة في السماح باستخدام الضغط على المشتبه فيهم حسبما تراه اللجنة مباحا .

ففيما يختص بمفهوم الضرورة أثيرت أسئلة حول استخدام معيار استحدث للتعامل مع تصرفات يرتكبها أفراد تواجههم مواقف غير عادية للتبرير مسبقا لتصرفات عملاء الدولة الذين تواجههم قضايا ملحة .

وعلاوة على ذلك أثيرت أسئلة من وجهين حول استخدام مفهوم الضرورة فقط لتبرير الضغط المعتدل فأولا إذا كان ضروريا من اجل منع ضرر اكبر كأن يكون مذبحة مثلا لانه ليست هناك على سبيل المثال طرق للحصول على معلومات حيوية إلا من المشتبه فيه، إذن لماذا لا يبرر أي نوع من المعاملة حتى ولو اشد أشكال التعذيب وحشية ؟ وعلى كل حال فحتى اللجنة نفسها ألمحت إلى أن استخدام التعذيب الفعلي ربما من الممكن تبريره ( اذا كان ) من اجل الكشف عن قنبلة على وشك الانفجار في مبنى يعج بالناس ( الفقرة 3 – 15 ) .

وثانيا إذا اتفق أن كان الضغط ضروريا فلماذا لا يمكن تبرير شهادة الزور تبعا لنفس الحجج ؟ لقد أوضحت اللجنة انه في هذه الحالة لا يستطيع المحقق أن يعول على دفاع الضرورة حيث أن شهادة الزور جريمة جنائية خطيرة وهي بلا جدال غير مشروعة ( الفقرة 4 – 22 ) ولكن إذا كانت الضرورة غير كافية لتبرير شهادة الزور فلماذا تكون كافية لتبرير جريمة الاعتداء .

وقد أشير كذلك إلى أن استخدام الضغط المعتدل لأغراض الاستجواب إذا ما طبق كما ينبغي ليس من شانه أن ينجح مع اشد المشبوهين تصلبا وخطورة والذين يحتمل أن يعرفوا من تقرير لجنة لانداو نفسه ومن الخبرات الجماعية للمعتقلين الآخرين ان المستجوبين مقيدون في درجة الضغط المسموح لهم باستخدامها ولذلك وتبعا لمنطق التقرير فلكي يكون الضغط فعالا يجب السماح به دون حدود والبديل هو الا يسمح بالضغط على الإطلاق .

وعند تقييم ميزان الأضرار وجه انتقاد إلى اللجنة لإخفاقها في أن تدخل في اعتبارها عددا من العوامل التي ترجح على استخدام حتى الضغط المعتدل وعلى سبيل المثال فان أي شكل من القهر – الذي يحكم بطبيعته لا يمكن إلا أن يمثل إذلالا للمشتبه فيه او ما هو أسوأ من ذلك – قد يحول شخصا بريئا قبض عليه على سبيل الخطأ ثم ضغط عليه إلى شخص لديه استعدادا لان يكون مجرما في المستقبل وفي هذا السياق فان اللجنة نفسها وجدت أن واحدا من بين كل اثنين من الذين استجوبهم جهاز الأمن العام لم يقدم مطلقا للمحاكمة وقد طرحت تساؤلات حول شعور مثل هؤلاء المعتقلين السابقين إزاء نظام الحكم الإسرائيلي كيف عساه أن يكون بعد التجربة التي عانوها في الاستجواب .

وعند تقييم ميزان الأضرار وجه أيضا انتقاد إلى اللجنة لإخفاقها في أن تراعي الحقيقة التي مفادها انه حتى قبل اندلاع الانتفاضة في كانون الأول/ديسمبر 1987 فان اعتقال الغالبية العظمى من الأشخاص الذين قبض عليهم لجرائم إرهابية واستجوبهم جهاز الأمن العام لم يكن من اجل حالات من طراز القنبلة الدقاقة والواقع أن اللجنة ذاتها لا تذكر حالة واحدة تنطوي على مثل هذا الموقف وقد اتضح من خبرة منظمة العفو الدولية ان معظم المحتجزين الفلسطينيين المقبوض عليهم بسبب أنشطة "إرهابية " اتهموا عندما قدموا إلى المحاكمة بجرائم من قبيل عضوية اتحادات غير مشروعة او القذف بالحجارة كما كان من بينهم سجناء رأي كالأشخاص الذين قبض عليهم فقط من اجل رفع العلم، ويصدق هذا بصفة خاصة على الفلسطينيين الذين يربو عددهم على 75 ألفا وهم المقبوض عليهم منذ بدء الانتفاضة في نفس الزمن تقريبا الذي صدر فيه تقرير لجنة لانداو وهكذا ففي سياق تفصيل القواعد الإرشادية الخاصة باستخدامك الضغط يبدو أن اللجنة أسندت درجة الخطورة إلى الأنشطة التي يواجهها جهاز الأمن العام، وهي خطورة يندر العثور على مثالها في ارض الواقع .

وقد دلل منتقدون آخرون على انه بانتهاك الحظر المطلق لالحاق الضرر بالسلامة البدنية للمحتجز يكون ثمة خطر حقيقي قد استحدث، ويتمثل في أن الضغط المعتدل من شانه أن يتصاعد بسهولة إلى ضغط مفرط ثم في نهاية الأمر إلى تعذيب مباشر ويبدو أن لجنة لانداو نفسها كانت واعية بهذا الخطر عندما لاحظت أن أي جهاز للأمن .. هو دائما عرضة لخطر نحو أساليب تمارس في أنظمة نشعر نحوها بالكراهية ( الفقرة 4 – 2 ) وقد ذهب البعض إلى أن ظاهرة مماثلة قد نشأت من تصريحات أدلى بها وزير الدفاع السابق اسحق رابين في كانون الثاني/يناير 1988، عندما أعلن أن استخدام الشدة والقوة والضرب سيكون وسيلة التعامل مع مثيري الشغب فقد شهدت الفترة التالية لتصريحه مباشرة عمليات ضرب تنكيلي على نطاق كبير وقد حاولت بيانات رسمية أعقبت ذلك أن تحصر استخدام القوة ولكن دون نجاح كبير مما يشهد على صعوبة احتواء القوة ما دامت قد أباحتها – فيما يبدو – أو تغاضت عنها أعلى السلطات .

ومما له صلة مباشرة بتقييم عدالة المحاكمات في الأراضي المحتلة مباعث القلق المتصلة بتأثير أساليب الاستجواب التي سمحت بها اللجنة على نظام العدالة الجنائية بصفة عامة ذلك أن إباحة استخدام الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة بغض النظر عن كيفية الإكراه عليها هو انتهاك للحقوق الأساسية للمدعى عليهم وبالإضافة إلى ذلك فان السماح باحتجاز المعتقلين في عزلة نامة عن العالم الخارجي لفترات طويلة يمنع القضاة من تقييم إمكانية الاعتماد على الاعترافات التي يدعى أنها انتزعت بالإكراه إلا بالموازنة بين ما يقوله المعتقلون وما يقوله المستجوبون كما أن الاعترافات غير الموثوق فيها يمكن أن تؤدي بسهولة إلى إدانة أناس أبرياء غير المشتبه فيهم الذين اعترفوا وذلك مثلا إذا لفق المحتجز اعترافا يورط آخرين وهكذا يفسد النظام القضائي برمته .

وفي هذا السياق وجدت لجنة لانداو أن القضاة والمدعين وأناسا آخرين على ما يظن كالشرطة والعاملين بالمهن الطبية كانوا غير واعيين بشهادة الزور التي دأب مستجوبو جهاز الأمن العام على ارتكابها طيلة 16 عاما ( الفقرات من 2-43 إلى 2-46 ) وبالرغم من أن اللجنة تبدو في حالات أخرى مستعدة لان تقبل على الفور مزاعم جهاز الأمن فهي تؤكد بصفة خاصة على استبعاد ما أوحى به بعض عاملي جهاز الأمن من أن القضاة كانوا جزءا من اللعبة على الرغم من أنه لم يستدع أي قضاة للمثول أمامنا وأننا لم نسمع نفيا صريحا فإننا نجد أ، هذا الادعاء لا أساس له وغير مقبول بالمرة ( الفقرة 2- 45 )

وأيا كان الأمر فان هذا الإخفاق في اكتشاف شهادة الزور التي دأب المستجوبون على الإدلاء بها على مدى فترة طويلة بدرجة غير عادية إنما يشكل فشلا للنظام القضائي يوجب القلق على الأقل من حيث قدرته على تقصي الحقيقة

ومهما كانت الأسباب فأن المحصلة النهائية لن تساعد على تنمية الثقة في عدالة النظام ولا سيما حينما تكون حقوق المدعى عليهم قد تعرضت لمزيد من التقليص بإضفاء الشرعية على الضغط المعتدل .

وأخيرا فان تقرير لجنة لانداو قد تعرض للنقد بسبب توصيته بأن تقوم هيئة حكومية يحتمل أن تتلقى نصائح هامة من جهاز الأمن العام براجعة القواعد الإرشادية السرية بشأن استخدام الضغط مع تخويلها سلطة تعديلها .

كما دافع البعض بأن مثل هذه السرية غير ضرورية حيث أن المعتقلين السابقين من المحتم أن يطلعوا الآخرين على أساليب الاستجواب المستخدمة كما يحدث في الواقع وعلى خلاف ذلك فان مثل هذه السرية قد تضع الموظفين الطبيين وغيرهم ممن يزورون أجنحة استجواب جهاز الأمن في وضع المشاركين في جريمة دون داع وقد طالب المنتقدون بأن تنشر القواعد الإرشادية لكي يتسنى فحصها على ضوء المعايير الدولية بشان معاملة المحتجزين ورصد وسائل تطبيقها كما ينبغي .

2 . الممارسة

تبعا لما يتصور من خطورة الجريمة الأمنية المزعومة قد يقوم بالاستجواب رجال الشرطة أو قوات جيش الدفاع الإسرائيلي أو جهاز الأمن العام في مواقع الاعتقال التي تديرها قوات الدفاع أو مصلحة السجون ويحقق جهاز الأمن العام في أشد الجرائم خطورة أحيانا على مدى فترة تستغرق أسابيع كثيرة وقد زعم أن بعض المعتقلين قد جرى تعذيبهم على أيدي متعاونين محتجزين في نفس الزنزانة وحينما يدلي باعتراف يقوم بتدوينه ضابط شرطة عادة باللغة العبرية وهي لغة ليست معروفة بصفة عامة للمعتقلين من الأراضي المحتلة .

وقد ترددت ادعاءات متكررة بقيام كل من هذه الأجهزة الحكومية بالتعذيب وسوء المعاملة وعلى مدى السنين جمعت منظمة العفو الدولية عشرات من الشهادات والإفادات الكتابية المشفوعة بيمين من مجموعة متنوعة من المعتقلين والمحامين وجماعات حقوق الإنسان المحلية تساندها في بعض الحالات تقارير طبية ونتائج تحقيقات رسمية فخلال الثمانينات على سبيل المثال قامت جماعة حقوق الإنسان الفلسطينية الحق بجمع ونشر العديد من الإفادات الكتابية المفصلة المشفوعة بيمين والتي تدعى حدوث التعذيب وفي آذار / مارس 1991 نشرت جماعة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيتسليم " تقريرا عن أساليب استجواب ومعاملة المحتجزين يستند إلى مقابلات مع 41 من الضحايا المزعومين وأعلنت قوات الدفاع ووكالات أخرى في أيار / مايو أنها بصدد بدء تحقيقات في تلك الادعاءات .

وتعتقد منظمة العفو الدولية أن الأدلة العديدة المتوفرة تشير إلى وجود نمط واضح من سوء المعاملة النفسية والبدنية التي تمارس على نحو منهجي مما يعد من قبيل التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية التي يجري إيقاعها بالمحتجزين في أثناء مدة الاستجواب .

وتتضمن الأساليب المستخدمة على نحو منهجي تغطية الرأس بشوال قذر يكون أحيانا مبتلا مما يعوق التنفس في أحيان كثيرة والحرمان من النوم والطعام أثناء الاحتجاز في الحبس الانعزالي ومما يستخدم بصورة نمطية أيضا التقييد لفترات طويلة في أصفاد بلاستيكية أو معدنية وفي أغلب الأحيان في أوضاع مؤلمة ( أسلوب يطلق عليه الشبح ) والحبس في زنزانات صغيرة جدا وشديدة الإظلام يطلق عليها المخازن أو التوابيت وكذلك في زنزانات صغيرة باردة تسمى الثلاجات كما يكثر استخدام عقوبات الضرب على جميع أجزاء الجسم تكون في كثير من الأحيان عنيفة وأحيانا تكون مركزة على مناطق حساسة مثل أعضاء التناسل وتتضمن أساليب أخرى الحرق بالسجائر والمنع من الذهاب إلى دورات المياه فترات طويلة والإهانات اللفظية والتهديدات من شتى الأنواع وأشكالا من المضايقة الجنسية خصوصا بالنسبة للنساء المعتقلات

وتتضمن الإفادة الكتابية التالية المشفوعة بيمين والتي قدمها في سجن غزة المركزي في 2 كانون الثاني / يناير 1990 خالد عبد الرحمن مطر وصفا للمعاناة التي ألفها المعتقلون الفلسطينيون فقد قبض عليه في 21 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 واستجوبه جهاز الأمن العام في جناح الاستجواب بالسجن في 4 و 19 كانون الأول / ديسمبر ويروي كيف تم استجوابه في 4 كانون الأول / ديسمبر فيقول :

أخذت في التو إلى غرفة الاستجواب وعندما رفضت الإجابة قيدوا يدي وجعلوني ارقد على الأرض على ظهري وبدأوا يضربونني على جميع أجزاء جسمي ووضعوا شوالا رطبا على رأسي ودفعوه بشدة فوقي فتحتي أنفي بحيث لم استطع التنفس وبينما كانوا يضربونني كانوا يغلقون فتحتي أنفي وكذلك يمسكون بأعضائي التناسلية وقد تكرر هذا حوالي ست مرات .

وبين كل مرة وأخرى كانوا يسألونني فقط عما إذا كنت سأتحدث عن علاقاتي كانوا يذكرون اسمه وادعوا أنني كنت مسؤولا عن ذلك الشخص داخل إطار الانتفاضة ولا أذكر كم من الزمن استمر هذا وقد حجزت في جناح الاستجواب 11 يوما وظننت أنني مكثت هناك خمسة أيام فقد فقدت تماما أي إحساس بالزمن وبين الجلسات كانوا يجعلونني اجلس على كرسي والشوال فوق رأسي ولا أعلم متى اعترفت بكل ما أرادوني أن أعترف به

خلال الأحد عشر يوما هذه وضعت في الثلاجة ولا أعرف بالضبط كم لبثت فيها لأن حالتي كانت على هذا النحو فقدت كل الإحساس في ثلاثة أصابع بيدي الإبهام السبابة الوسطى وقد لاحظت ذلك عندما نقلت من الاستجواب بعد 11 يوما لا أستطيع أن أرفع ثقل وأشعر بآلام بالصدر على الجانب الأيسر وقد أخبرت طبيبا بذلك فقال أنها سوف تختفي .

وخلال الأحد عشر يوما نمت مرتين في نفس الكرسي فيما بين جلسات الاستجواب وقد استجوبني جاك وأبو عيس وموسى وبالحالة التي كنت عليها لم أتبين تفاصيل ملامحهم وقد اعترفت بأني قمت بدور المنسق ولك لم أعترف بكوني زعيم الجبهة الشعبية في غزة كما أرادوا مني ذلك غير أنني اعترفت بأنني كنت مسؤولا عن مخيم شاتي وضاحية ناصر ولم أعترف بأي نشاط ينطوي على العنف

قدم محامي خالد عبد الرحمن مطر شكوى رسمية بشأن ادعاءاته بالتعذيب في كانون الثاني / يناير 190 وفي آذار / مارس 1991 ردت السلطات الإسرائيلية قائلة أنها مقتنعة بان استجوابه قد أجرى كما ينبغي وأشارت إلى أنه لم يشتك عندما أحضر أمام قاض لجلسات تمديد الاعتقال وقد رد محاميه في نيسان / أبريل 1991 طالبا تفاصيل التحقيق الذي أجرى على ما يبدو في ادعاءاته وقد اتهم خالد عبد الرحمن مطر بجرائم تتضمن عضوية تنظيم غير شرعي وشغل منصب به هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وما يزال في انتظار المحاكمة .

وقضية عابد العجرمي هي من النماذج التي تبين كيف يكون للاعتقال الانعزالي ومعاملة المعتقلين مغزى مباشر بالنسبة لما يستكمل من المحاكمات فهو ممرض بالمستشفى الأهلي في قطاع غزة قبض عليه في 26 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 ولم تخطر عائلته بالقبض عليه حتى 21 كانون الأول / ديسمبر وبالرغم من الطلبات المتكررة لم يسمح لمحاميه بأن يراه حتى 8 كانون الثاني / يناير 1990 وقد أبلغ عابد العجرمي محاميه أنه ضرب وأنه وقع على اعتراف باطل نتيجة لذلك وقال أنه ضرب عدة مرات حينما كان محتجزا في سجن غزة المركزي وقال أيضا أنه في إحدى المرات قفز المستجوبون على بطنه واعتصروا خصيتيه وأنه احتجز فترات طويلة في الثلاجة وفي النهاية أدلى باعتراف إلا أنه فيما ذكر ظل مقيدا إلى كرسي وفي حبس انعزالي لبضعة أيام أخرى .

وقد اتهم استنادا إلى اعترافه في المقام الأول وحسمت محاكمته بالتوصل إلى صفقة مع الادعاء قبل المحاكمة بحيث أسقطت بعض التهم بموجبها فقد اعترف بأنه مذنب بالنسبة لكونه عضوا قديما في منظمة فتح ولكونه قدم خدمة لتلك المنظمة لتوزيع منشورات الانتفاضة وفي آذار / مارس 1990 إدانته محكمة غزة العسكرية وحكمت عليه بالسجن لمدة 15 شهرا ولمدة 21 شهرا مع وقف التنفيذ بالإضافة إلى غرامة مقدارها 2000 شيكل ( حوالي 1000 دولار أمريكي ) ومع ذلك استأنف الادعاء الحكم ونظر في الاستئناف في أيار / مايو ولم يكن محاميه قد أبلغ بالموعد إلا انه تصادف وجوده بالمحكمة في ذلك اليوم وإزاء إصرار موكله وافق على أن يدافع عنه رغم أنه لم يكن قد أتيح له وقت للإعداد وقد زادت محكمة الاستئناف العسكرية الحكم الصادر على عابد العجرمي إلى السجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ بالنسبة لسنتين منها .

وفي نيسان / أبريل 1990 أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها إزاء ادعاءات تعذيب عابد العجرمي وعلمت بع ذلك أن محققا استجوب عابد العجرمي في تموز / يوليو أو آب / أغسطس 1990 في معسكر اعتقال كتسيعوت حيث ما يزال سجينا بشأن معاملته ويبدو أن عابد العجرمي أدلى ببيان تفصيلي عن معاملته إلا أن محاميه لم يتمكن من الحصول عليه من السلطات وقد أوضحت صحيفة الوقائع التي أرسلتها السلطات الإسرائيلية إلى منظمة العفو لدولية في أيلول / سبتمبر 1990 ما يلي :

إن نتائج تحقيق أجرى في ادعاءات عابد العجرمي بالنسبة لإساءة معاملته الاستجواب انتهت إلى أن استجوابه تم وفقا للإجراءات المقبولة وهكذا فان ادعاء العجرمي بأن اعترافه كان نتيجة سوء المعاملة لا أساس له ومما يجدر ذكره . أن العجرمي عندما مثل في المحكمة لتحديد اعتقاله وخلال مثوله مرة ثانية في محاكمته لم ينتهز هذه الفرصة ليشكو من أي سوء معاملة

ولم تقدم السلطات الإسرائيلية تفاصيل الإجراءات المقبولة التي استجوب عابد العجرمي وفقا لها ولا كيف انتهى التحقيق إلى الاستنتاج بأن ادعاءاته لا أساس لها كما لم تصف ملابسات جلسته الخاصة بتمديد الاعتقال خاصة وأن أحد من المحامين لم يتول مساعدته ولم يكن في موقف يجعله يثير موضوع اعترافه المنتزع بالإكراه حسبما يدعى ما دام كان قد قرر أن يعترف بأنه مذنب وثمة حالة أخرى هي حالة رياض شهابي وهو صاحب حانوت من القدس الشرقية قبض عليه في 17 تموز / يوليو 1990 في حانوته في المدينة القديمة وقد سيق إلى مخفر شرطة كشلة بالقدس حيث زعم أنهم صفعوه على وجهه وابلغوه عن معتقلين آخرين أدلوا بأقوال تدينه وقد أدلى باعتراف يقر فيه على ما يبدو بأنه شارك في يقر فيه على ما يبدو بأنه شارك في قذف الحجارة وفي اليوم التالي مثل أمام قاض وجرى تمديد اعتقاله لمدة 12 يوما ولم يكن ثمة محام ليساعده ثم ترك وحيدا حتى 21 تموز / يوليو عندما استجوب من جديد وعذب حسبما زعم ويبدو أن المستجوب الذي كان يعرفه باسم رامي أراد منه أن يعترف بجرائم أخرى كإلقاء زجاجات حارقة ويقول رياض شهابي أنه أنكر ارتكابه أية جريمة كهذه ونتيجة لذلك تعرض للعديد من عمليات الضرب العنيف بالهراوات على جميع أجزاء الجسم وبالذات على الرأس واليدين بينما كان معصوب العينين مقيدا إلى كرسي وقال إن عدة هراوات تحطمت على جسده وأنه في إحدى المرات ظل يضرب بعد أن وقع على الأرض وهو ما يزال مربوطا بالكرسي وقد بلغ من سوء حالته أن المستجوب أخذه إلى مستشفى هداسا في نفس اليوم للعلاج وأخلي سبيل رياض شهابي في النهاية بكفالة في 24 تموز / يوليو بعد قضاء بقيته مدة اعتقاله في مركز اعتقال المسكوبية بالقدس وطبقا لتقارير طبية فقد عانى رياض شهابي من شروخ في عظام كلا الذراعين تستلزم التجبير بالجبس فضلا عن إصابات أخرى وقد ورد أنه ما يزال يعالج من حالة نفسية سببتها على ما يبدو عمليات الضرب على الرأس .
وردا على مناشدات أرسلتها منظمة العفو بينما كان رياض شهابي قيد الاعتقال أرسلت السلطات الإسرائيلية صحيفة وقائع في نيسان / أبريل 1991 تقرر أنه اتهم مع ثلاثة آخرين في 22 تموز/ يوليو 1990 ب تأييد منظمة إرهابية والمشاركة في شغب أما بالنسبة لموضوع اعترافه فقد بينت السلطات ما يلي :

مما يستحق الملاحظة أن شهابي أدلى باعتراف باللغة العربية في 18 تموز / يوليو وفي اليوم التالي أدلى باعتراف آخر أكثر تفصيلا وقد كان اعتراف شهابي سابقا بعدة أيام على سوء المعاملة المزعوم في 21 تموز / يوليو 1990 وهذه الحقيقة تلقي مزيدا من الشك حول ما ادعاه بأنه أسيئت معاملته لإكراهه على الاعتراف .

ومع ذلك فقد قالت السلطات الإسرائيلية أن ضابط شرطة اتهم باعتداء نتج عنه ضرر جسماني بمقتضى المادة 380 من قانون العقوبات فيما يتصل بادعاءات رياض شهابي بأنه عذب في 21 تموز /يوليو وكانت كلتا المحاكمتين في انتظار البت فيهما وقت إعداد التقارير .

وفيات خلال الاستجواب

في عدد من الحالات منذ عام 1987، توفي معتقلون في الحبس أما كنتيجة مباشرة للتعذيب واما في ظروف لعب فيها التعذيب وسوء المعاملة دورا مساعدا وقد توفي اثنان من أحداث الضحايا في جناح استجواب جهاز الأمن العام بسجن غزة المركزي في عام 1989 .

توفي محمد المصري من جراء قرحة ثاقبة بالمعدة في 6 آذار/مارس بعد ثلاثة أيام من القبض عليه للاشتباه في انتمائه إلى منظمة غير قانونية وتقديم أسلحة إلى أشخاص متورطين – على ما يبدو – في مقتل فلسطينيين فيمن يشتبه في تعاونهم مع السلطات الإسرائيلية وطبقا لصحيفة وقائع أرسلتها السلطات الإسرائيلية إلى منظمة العفو الدولية في آذار/مارس 1991، فقد وجد مدير معهد الطب الشرعي الذي أجرى تشريحا للجثة أن وفاة محمد المصري نتجت عن مرض مزمن ولا يمكن إرجاعها إلى إصابة وقد قرر اختصاصي أجنبي في باثولوجيا الطب الشرعي فحص مادة التشريح أن الإجهاد الذي سببه الاستجواب بما فيه من عنف بدني ونقص الرعاية الصحية كان من العوامل المساعدة .

ونتيجة لتحقيق رسمي عوقب بالتأديب مستجوبو جهاز الأمن العام المتورطين بسبب عدم التنسيق مع موظفي مصلحة السجون ولان حالة محمد المصري الطبية أهملت وعوقب جندي يعمل مساعدا طبيا بالحبس الفعلي لمدة 10 أيام وتخفيض في الرتبة وتوبيخ شديد بسبب الإهمال والسلوك غير اللائق .

وفي 19 كانون الأول/ديسمبر توفي خالد شيخ علي في نفس السجن بعد 12 يوما من القبض عليه للاشتباه في انتمائه إلى منظمة غير قانونية وحيازة أسلحة وقبل ذلك بشهر كان جنديان قد قتلا في هجوم مسلح وطبقا لصحيفة وقائع أرسلتها السلطات الإسرائيلية إلى منظمة العفو الدولية في آذار/مارس 1991 فقد كشف علي خلال استجوابه عن مكان بعض الأسلحة التي كانت مخبأة في فناء داره وكان من بينها مدفعان رشاشان وقنبلة يدوية ومع ذلك وعلى الرغم من معلومات وردت من مصادر أخرى مفادها أن أسلحة إضافية منها السلاح المستخدم في جريمة القتل كانت في حوزة علي فقد رفض أن يزود المستجوبين بأية معلومات أخرى أو أن يسلم الأسلحة .

أجرى اختصاصي أجنبي ثان في باثولوجيا الطب الشرعي تشريحا للجثة مع مدير معهد الطب الشرعي فوجد أن خالد توفي من جراء نزيف داخلي نجم عن ضربات سددت إلى البطن وقد قدم عضوان في جهاز الأمن العام إلى المحاكمة فأدينا بالتسبب في الوفاة من جراء الإهمال بموجب المادة 304 من قانون العقوبات ومن ثم حكم عليهما بالسجن لمدة ستة اشهر واوقفا من عملهما في جهاز الأمن .

 وقد ذكرت السلطات الإسرائيلية ما يلي :

" طبقا لرأي قاضي المحكمة المحلية بالقدس فان هدف المستجوبين كان الحصول على معلومات حيوية تتعلق بمكان الأسلحة الباقية التي في حوزة علي من اجل الحيلولة دون القيام بمزيد من جرائم القتل كما ذهب القاضي إلى أن المستجوبين لم يكن في نيتهم ان يتسببوا في موت علي "

وتلاحظ منظمة العفو الدولية أن المادة 304 تنص على فرض عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات على أي شخص " يتسبب من غير قصد في وفاة شخص آخر نتيجة لعدم الحيطة او عن طريق فعل طائش او مستهتر لا يبلغ حد الإهمال التقصيري " وينطبق هذا النص أساسا على الحوادث التي تقع قضاءا وقدرا ويبدو غير متناسب مع أشخاص عذبوا شخصا ما إلى حد الموت حتى ولو لم يكن في نيتهم ان يتسببوا في وفاته .

الممارسة في ضوء تقرير لجنة لانداو

في خطاب أرسل إلى منظمة العفو الدولية في نيسان/أبريل 1991 عبر المستشار لانداو عن " احتجاجه الشخصي على بيان سلمته منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/يناير 1991 إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة إلى الأمم المتحدة في جنيف وقد قالت منظمة العفو الدولية في بيانها ان بعض الأساليب السابق وصفها على الاقل قد تكون متسقة مع القواعد الإرشادية السرية للجنة لانداو فقال المستشار لانداو ان بيان منظمة العفو الدولية المح إلى أن اللجنة صرحت بتعذيب الأشخاص الجاري استجوابهم وعلى سبيل التنفيذ أشار إلى عدة فقرات من تقرير اللجنة تؤكد على ان الضغط ينبغي ألا يبلغ مطلقا مستوى التعذيب او سوء المعاملة البدنية للمشتبه او الضرر الجسيم بشرفه مما يجرده من كرامته الإنسانية ( كما ورد في الفقرة 3-16 )

ويقول المستشار لانداو في خطابه انه ليس من شانه أن يخوض في مسألة صحة أو عدم صحة اعتداءات التعذيب البدني التي نقلتها منظمة العفو الدولية ولكنه يشير إلى ملاحظة اللجنة أن الشكاوي الزائفة والمبالغات الجسيمة للمشتبه فيهم شائعة كجزء من الحملة المنظمة التي تديرها المنظمات الإرهابية ضد جهاز الأمن العام .

وتلاحظ منظمة العفو الدولية أن المستشار لانداو والأعضاء الآخرين في اللجنة يركزون مرارا وتكرارا في تقريرهم على الضغط يجب ألا يبلغ مطلقا درجة التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة ومع ذلك وبالرغم من أن القواعد الإرشادية الفعلية سرية فقد أجازت لجنة لانداو بوضوح في الجزء العلني من تقريرها صفع وجه المشتبه فيه أو تهديده ( الفقرة 3-15 ) . إن مثل هذه الأساليب على اقل تقدير تشكل معاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية او مهينة وهي بحد ذاتها محظورة حظرا مطلقا في القانون الدولي أن الصفع على اقل تقدير معاملة مهينة وإذ كان مستمرا و عنيفا وإذ كانت الضربات تسدد حول الأذنين والعينين فمن الممكن أن يفضي ذلك إلى إصابة خطيرة والتهديد تبعا لطبيعته والملابسات التي يصدر فيها ( على سبيل المثال تهديد بالقتل يمكن تصديقه ) قد يشكل هو الآخر تعذيبا ومنظمة العفو الدولية تجد تناقضا في ان هذا النوع من المعاملة يقره نفس الأشخاص الذين من الواضح انهم لا يألون جهدا في التأكيد على أن الضغط يجب أن لا يبلغ مستوى تعذيب او إساءة معاملة المشتبه فيه أو الضرر الجسيم بشرفه مما يجرده من كرامته الإنسانية.

وفيما يختص بأساليب الاستجواب التي قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 1978 أنها تشكل معاملة لاإنسانية ومهينة ولكن ليس تعذيبا : تغطية الرؤوس والتوقيف أمام الحائط والحرمان من النوم والطعام واحتجاز الشخص في غرفة يعرضون فيها لضوضاء من الصفير العالي فان منظمة العفو الدولية تأسف لان لجنة لانداو لم تستبعدها على نحو مطلق باعتبارها غير جائزة على الرغم من أنها أكدت بالفعل ان جوهر وسيلة الضغط المسموح بها بموجب قواعدها الإرشادية الموجهة إلى جهاز الأمن العام اقل عنفا من مثل هذه الأساليب ( الفقرة 4 – 13 ) ومنظمة العفو الدولية تشعر بالقلق أيضا إزاء التشابه الملفت للنظر بين الأساليب الأربعة الأولى والأساليب التي يستخدمها جهاز الأمن العام مجتمعة في كثير من الأحيان .

وقد أعربت منظمة العفو الدولية عن خيبة أملها وقلقها إزاء قرار المحكمة الأوروبية في ذلك الوقت وخصوصا لان المحكمة على الرغم من رأيها المعلن انتهت إلى الاستنتاج التالي :

" إن الأساليب الخمسة كانت تمارس مجتمعة وبسبق إصرار ولساعات متصلة وقد سببت إن لم يكن ضررا جسمانيا فعليا فعلى الأقل معاناة بدنية ونفسية شديدة ... كما أفضت إلى اضطرابات نفسية حادة إبان الاستجواب .

أن منظمة العفو الدولية تؤكد من جديد أنها تعتبر أن أي أسلوب يسبب معاناة نفسية وبدنية شديدة مما يفضي إلى اضطرابات نفسية حادة إبان الاستجواب إنما يشكل تعذيبا أينما جرت ممارسته .

وختاما فان منظمة العفو الدولية تعتقد أن ممارسات الاستجواب القائمة والتي تبلغ درجة تعذيب او سوء المعاملة إما أنها متسقة على الأقل جزئيا مع القواعد الإرشادية السرية للجنة لانداو أو أنها تشكل دليلا على أن جهاز الأمن العام ظل منذ عام 1978 ينتهك مثل هذه القواعد الإرشادية على نطاق واسع علاوة على المعايير الدولية الخاصة بمعاملة المعتقلين وفي كلتا الحالتين ثم حاجة إلى تدابير عاجلة لتقويم الوضع وهذه تتضمن نشر القواعد الإرشادية السرية بشان الاستجواب لمقارنتها بالتحريم القانوني الدولي للتعذيب وسوء المعاملة ولكفالة إمكان التعرف على أي شخص ينتهك أحكامها ومعاقبته .

المعايير الدولية ذات الصلة

إن المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تحظر التعذيب وهي تعرفه كما يلي :

" ... أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان إما عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف او ... عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب او يحرض عليه او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص اخر يتصرف بصفته الرسمية "

ويفرق القانون الدولي بين التعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة المادة 1 (2) من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية او المهينة تقرر " ان التعذيب يمثل شكلا متفاقما ومتعمدا من أشكال المعاملة او العقوبة القاسية او المهينة او اللاإنسانية "

ولا بد من التنويه بأنه على الرغم من أن القانون الدولي يميز بين التعذيب او أشكال أخرى من سوء المعاملة فانه يحظرها جميعا حظرا مطلقا وغير مشروط فالمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تقرر بصورة قطعية : " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية او المهينة يقرر تحديدا في المادة 3 : " لا يجوز لأية دولة أن تسمح بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية او المهينة أو أن تتسامح فيه ولا يسمح باتخاذ الظروف الاستثنائية مثل حالة الحرب أو خطر الحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى ذريعة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة "

والتعذيب وغيره من أشكال القهر والوحشية محظورة أيضا بموجب المادتين 31، 32 من اتفاقية جنيف الرابعة فالمادة 31 تحظر " ممارسة أي إكراه بدني أو معنوي إزاء الأشخاص المحميين خصوصا بهدف الحصول على معلومات منهم أو من غيرهم وأي تدابير " من شانها ان تسبب معاناة بدنية " بما في ذلك من التعذيب و " أي أعمال وحشية أخرى " تحرمها المادة 32 ففي هذا السياق وعلى ضوء تبرير الضغط البدني المعتدل بأنه ضروري لتنفيذ القانون من الممكن الدفع بان الضرورة من شانها يقينا أن تتطلب استخدام الضغط البدني في حالة أسير حرب قد تنقذ معلوماته حياة إعداد كبيرة من الناس او حتى تحدد مسار معركة من المعارك ومع ذلك فان المعايير الدولية تحظر حظرا مطلقا أي شكل من أشكال تعذيب أو إساءة معاملة حتى أسرى الحرب في جميع الظروف ولم تطعن السلطات الإسرائيلية في مثل هذا الحظر .

وتقرر اتفاقية جنيف الثالثة المتصلة بمعاملة أسرى الحرب في المادة 17 ان أي أسير حرب غير ملزم إلا بالإدلاء باسمه ورتبته وتاريخ ميلاده ورقمه في الجيش او الفرقة او رقمه الشخصي او المسلسل وتمضي المادة 17 قائلة :

" لا يجوز ممارسة أي تعذيب بدني او معنوي او أي إكراه على أسرى الحرب لاستخلاص معلومات منهم من أي نوع ولا يجوز تهديد أسرى الحرب اللذين يرفضون الإجابة او سبهم او تعريضهم لأي إزعاج او إجحاف "

وتعترف اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 7 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية ( الذي يحرم التعذيب والمعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة ) تعترف بان الأحكام المناهضة للاعتقال الانعزالي من بين الضمانات الكفيلة بالتغلب على التعذيب او سوء المعاملة .

وقد أوصى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب في تقريره لعام 1989 بأنه " حيث أن عددا من الادعاءات الواردة أشارت إلى تعذيب كان يمارس خلال الاعتقال الانعزالي فينبغي حظر هذا النوع من الاعتقال واوصى بنوع خاص بالا يحال بين أي شخص يقبض عليه وبين الاتصال بمحام في موعد لا يتجاوز 24 ساعة بعد القبض عليه ويجب إبلاغ أقاربه على الفور بالقبض عليه وبمكان اعتقاله كما أوصى في تقريره لعام 1991 بصورة محددة بان يحظر حظرا مطلقا عصب أعين المعتقلين أو تغطية رؤوسهم خلال الاستجواب .

توصيات منظمة العفو الدولية

توصي منظمة العفو الدولية بان تتعهد الحكومة الإسرائيلية تعهدا علنيا واضحا على أعلى المستويات بالالتزام بالمعايير الدولية ذات الصلة التي تمنع منعا مطلقا وغير مشروط استخدام التعذيب وسائر ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة .

ومن اجل هذا يجب عليها أن تعلن جميع القواعد الإرشادية القائمة فيما يتصل باستخدام الضغط البدني والنفسي خلال الاستجواب وان تراجعها لتكفل تمشيها مع مثل هذه المعايير الدولية وينبغي إجراء تحقيقات فورية ومستقلة ومحايدة بشان أدلة الانتهاكات ولا بد من إتاحة النتائج بصورة كاملة للجمهور وتقديم أي موظف تثبت مسئوليته إلى العدالة .

ج – استخدام الاعترافات التي يزعم انتزاعها بالإكراه " – المحاكمات داخل المحاكمة

 جدارة الاعترافات بالقبول

إن الاعترافات التي يحصل عليها تحت وطأة التعذيب او غيره من ضروب المعاملة القاسية او اللاإنسانية او المهينة لا يجوز قبولها وهي بحكم طبيعتها نفسها لا يمكن الاعتماد عليها عادة وتنص المادة 12 من التشريع الخاص بالبينات والأدلة 1971 ( النسخة الحديثة ) على أن :

" لا يكون الدليل المتمثل في اعتراف المتهم بأنه ارتكب جريمة ما مقبولا إلا عندما يكون الادعاء قد قدم دليلا فيما يتصل بالملابسات التي أدلى بالاعتراف فيها وتقتنع المحكمة بأنه كان حرا وطوعيا وبمراجعة السوابق القضائية بما فيها قرارات المحكمة العليا أوجزت لجنة لانداو فلسفة القانون الإسرائيلي بالنسبة لموضوع قبول الاعترافات كما يلي ( الفقرة 19 – 3 ) :

" من الجائز القول بان السابقة القضائية في الوقت الراهن تسمح بقبول الاعتراف حتى إذا كان قد حصل عليه من المتهم عن طريق الضغط او عن طريق تضليله ما دام المستجوب لم يستخدم وسائل متطرفة تتناقض مع القيم الأساسية المقبولة أو وسائل مهينة "

 المحاكمات داخل المحاكمة

من الناحية النظرية فان الحماية من استخدام الاعترافات التي تنتزع بالإكراه متوفرة في المحاكم العسكرية بالأراضي المحتلة فإذا ما أكد المدعى عليه أن اعترافا حصل عليه بهذه الطريقة أمكن لمحامي المدعى عليه أن يطعن في الاعتراف فيما يسمى " محاكمة داخل المحاكمة " أو محاكمة مصغرة وفي هذا الإجراء الذي يعقد بصفة عامة في جلسة سرية على المدعي أن يثبت الطبيعة الطوعية للاعتراف ويستدعى المدعي الشهود الذين كان لهم دور في الحصول على الاعتراف ويقدم المدعى عليه بدوره الدليل على الانتهاكات المزعومة التي استخدمت لإكراهه على الاعتراف فإذا ما اخفق الادعاء في أن يثبت أن الاعتراف أدلى به طوعا فانه يصبح غير مقبول ولا بد للمحكمة أن تغفله في المحاكمة الكاملة التي تعقب ذلك .

وهذه الضمانة مع ذلك غير معمول بها على نحو فعال في الواقع العملي وليس لدى منظمة العفو الدولية علم بطعون حالفها التوفيق في الأراضي المحتلة ضد اعتراف ما باستخدام هذا الإجراء على الرغم من أنها أبلغت عن حالات ناجحة في إسرائيل ويؤكد المحامون أن القضاء في إجراء " المحاكمة داخل المحاكمة " كثيرا ما يقبلون قبولا تلقائيا شهادة شهود الادعاء ويرفضون شهادة شهود المدعى عليهم ويجدر بالذكر أن المدعى عليهم الذين احتجزوا في اعتقال انعزالي لفترات طويلة – أي في الواقع العملي جميع أولئك الذين هم رهن الاستجواب كما اتضح مما تقدم – ليس لديهم شهود يستدعونهم لصالحهم .

وهناك عوامل أخرى تردع المحامين عن طلب " محاكمات داخل المحاكمات " ذلك أن اللجوء إلى مثل هذا الإجراء يؤجل بالضرورة النظر في القضية ولذلك فالبنسبة للمدعى عليه المتهم بجريمة صغيرة نسبيا قد يعني اختيار " محاكمة داخل المحاكمة " انه سيبقى رهن الاعتقال في انتظار مثل هذا الإجراء لمدة أطول مما قد ينتظر أن يقضيه كعقوبة إذا ما اقر بأنه مذنب من البداية .

وعلاوة على ذلك يعتقد المدعى عليهم اعتقادا صحيحا أن أي محاولة فاشلة للطعن في مثل هذا الاعتراف ستؤدي إلى معاملة أسوأ خلال أية صفقة يتم التوصل إليها في النهاية مع الادعاء او خلال أية محاكمة كاملة تعقد في نهاية الأمر . وقد ورد أن القضاة وكذلك المعين كثيرا ما يذكرون المدعى عليهم ومحاميهم بان الإقرار بالذنب وكفاية المحكمة الوقت والجهد الذي يتطلبه إجراء " محاكمة داخل المحاكمة " سوف يعتبر عاملا مخففا في إصدار الحكم .

 قانون تامير

حتى في الحالات التي لا يكون فيها المدعى عليهم قد وقعوا على اعترافات فقد يقدمون للمحاكمة ويدانون استنادا إلى اعترافات مكتوبة لأطراف ثالثة أدلي بها خارج المحكمة وهذا يكون بغض النظر عما إذا كانت مثل هذه الأطراف قد قدمت إلى المحكمة لاستجوابها أو ما إذا كانت – عند إحضارها إلى المحكمة – تتمسك بأقوالها او تتراجع عنها وتسمح بهذا المادة 10 (أ) تقبل الأقوال المكتوبة التي يدلي بها شاهد خارج المحكمة كأدلة في إحدى المحاكمات حتى لو كانت الشهادة التي يدلي بها نفس الشاهد فيما بعد في المحكمة تختلف عن الأقوال المكتوبة السابقة .

بل حتى لو " أنكر الشاهد فحوى الأقوال أو ادعى انه لا يتذكر فحواها " شريطة أن يتم استجواب الشاهد في المحكمة ومع ذلك فان الفقرة (ب) تتيح للمحكمة قبول أية أقوال كهذه حتى إذا رفض الشخص الذي أدلى بها الإدلاء بالشهادة او كان غير قادر على ذلك شريطة أن تقتنع المحكمة بأنه تلقى تهديدات - على سبيل المثال – أو أن " وسائل أخرى غير لائقة قد استخدمت لاثناء أو منع الشخص الذي أدلى بالأقوال على الإدلاء بالشهادة كما تسمح له بقبول مثل هذه الأقوال إذا توفي الشخص الذي أدلى بها أو تعذر العثور عليه .

ويجوز للمحكمة أن تؤسس قراراتها على مثل هذه الأقوال ويجوز أن تفضل مثل هذه الأقوال على شهادة الشاهد إذا ما رأت من المناسب ان تفعل ذلك على ضوء ملابسات القضية طبقا للفقرة (ج) وتنص الفقرة (د) على أن المدعى عليه " ينبغي ألا يدان استنادا إلى أقوال قبلت بموجب هذا الجزء ما لم تؤازرها الوقائع الاستدلالية حسبما جاء في النص الإنجليزي الرسمي للقانون ويبدو أن هناك خلافا في الأوساط القانونية حول درجة مثل هذه المؤازرة فاللفظة العبرية هي "هيزوك " التي يعرفها فقهاء القانون بأنها اقل من " سيوع " ( التي يفسر معناها " المؤازرة الكاملة " ) ولكنها اكثر من " دفارما " ( ذرة أو بصيص من الدليل ) وفي الواقع العملي فان المحامين الذين يمثلون المدعى عليهم الذين إدانتهم محاكم عسكرية في إطار إجراءات قانونية تتضمن استخدام مثل هذه الأحكام يؤكدون أن درجة المؤازرة كانت في كثير من الأحيان في أدنى مستوياتها واحيانا غير موجودة .

وفي كثير من الأنظمة القانونية تعد مثل هذه الأقوال التي يدلي بها طرف ثالث – وهي في العادة اعترافات أخذت أثناء الاستجواب بينة سماعية – غير مقبول ضد أي شخص غير الشخص الذي يدلي بالاعتراف ومع ذلك فهي مقبولة في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة ويزيد مثل هذا النص بالضرورة من الشعور بالقلق إزاء استخدام الإكراه للحصول على الاعترافات في الأراضي المحتلة والتأثير على عدالة المحاكمات أمام المحاكم العسكرية .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى