الأحد ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم فاروق مواسي

حرية الكاتب إلى أي مدى؟

قبل أن نسأل السؤال عن حرية الكاتب فمن الأولى أن نتساءل عن حرية الإنسان – عامة – وإلى أي مدى نفسح للفرد أن يصول ويجول فيه أو فيها.

يكتسب السؤال أهمية إزاء الدعوات الملحة تارة باسم الديموقراطية، وأخرى باسم حرية الاجتهاد، أو باسم حرية التعبير.....وبالطبع ثمة حدود في كل دعوة لا ينكرها مُنكر، وخاصة فيما يتعلق بالمحظورات "التابوهات" – الدين والجنس والسياسة.

ولو لم تكن هذه الحدود والقيود لرأينا بعض من يسير في الشارع عاريًا، أو نمرّ مرًا عابرًا على الإساءة للرسول أو القرآن أو الإنجيل، ولسلّمت السلطة أو المعارضة بمن يهاجمها إلى درجة إلغائها والتحريض عليها.

لا مُشاحّة أن حرية الفرد تنتهي عند حرية الآخر. ومع ذلك فكثيرًا ما نرى أن المجتمع يقبل الرأي المغاير الذي يُطرح باتزان وبمسؤولية، وذلك إذا عُرض بأسلوب أو منطق فيه أخذ وعطاء، مد وجزر، دون تقويض لأسسه أو هدم جذري لعقيدته.

ولما كانت الكتابة تعبيرًا عن ذات المبدع في حياته وفي صراعه اليومي وفي طموحه نحو الأفضل والأرقى، وذلك بصورة فنية، فإن الأديب مدعو لأن يعبر عن ذاته وبأسلوبه الخاص به وبشخصيته. والأدب - كما يُفترض - هو إيحاء، ونصف إضاءة، وتصوير غير مباشر، وفيه رسالة نقرأها بين السطور أو ما وراءها.

فليقل المبدع ما شاء بدون مباشرة، وأعني بذلك دون أن نستطيع تبين إساءة ما واضحة. وحتى لو كان النص رمزيًا فمن الضروري أن يكون موظّفًا بصورة لائقة ؛ فهل يُعقل - مثلاً - أن تكون
( الأليغوريا = القصة الرمزية ) التي كتبها سلمان رشدي في آياته الشيطانية مقبولة باسم حرية التعبير ما دمنا نجد شخصيات إسلامية معروفة - وقد جعلها شخصيات روائية غير مبررة فنيًا، ولا يُشتمّ منها غير الإساءة لمشاعر مجموعة من الناس.

ومن جهة أخرى – وحتى لا يساء فهمي - لا يجوز لنا أن نحكم على نجيب محفوظ في أولاد حارتنا أو نصر حامد أبو زيد أو فرج فودة بما حُكموا به، فهؤلاء وكثيرون غيرهم كتبوا وأثاروا نقاشات ليست بالضرورة تصب في مجرى الإساءة أو الكفر، فمن يملك الحق أن يقرر الرأي الصائب أو الاجتهاد المبتوت فيه؟

ربما نجد من له رأي آخر مناقض ومقوّض للسائد، كالثائر المتمرد في السياسة، أو الإباحي في الدعوة للجنس، أو الملحد في عقيدته.... وبعض هؤلاء معروفون في التاريخ، وقد نحترم هذا أو نعجب بجرأة ذاك......

لكن الفن ضرب مميز، وسبيله ليس سبيل القضايا الاجتماعية، إذ أن له بعض الحدود، فهو ليس منطلِقًًا إلى ما لا نهاية.

وعليه فإنني أرى أن الفنان/ الأديب يجب أن يضع لنفسه رقابة داخلية تتمدد وتتقلص تبعًا لقدراته ومؤهلاته المتاحة.

صحيح أن الكتابة أو الإبداع له / ـا رسالة، وهي تكتسب شهرتها بقدر ما لديها من رفض وثورة، ولكن ذلك في تقديري يجب أن يكون مدروسًا:

لمن أكتب؟ ومتى أكتب؟ وكيف أكتب؟ ولماذا أكتب وقبل ذلك: هل أكتب؟

قد يذهب البعض إلى أن هذه الأسئلة كلها أو بعضها لا أهمية لها للمتعبد في محراب الإبداع، ولكن مهما يكن فإن الرقابة الداخلية تظل بوصلة له، شأنه شأن السفينة التي تمخر وتختار طريقها في بحر متلاطم الأمواج، فلا بد لقائد الدفة من خطة ومن حدود ومن رؤية منضبطة - حتى ولو كان في رحلة ماتعة.

المبدع إذن ينال حريته ضمن مجال أو أفق يضعه لنفسه.و حتى لو كان هذا الأفق غير منظور فإن ثمة تخيلاً لحدوده أو أبعاده. وإلا فإنه يشتط، ويشذ..... وعندها سيكون هامشيًا أو خارجًا عن أولئك الذين نذر نفسه لخدمتهم، ورأى أنه يقول ويكتب ويبدع لهم.

وأود أن أختم رأيي برفض كل عقاب أو تعذيب أو تآمر على أي مبدع، بسبب أنه مس بقدسية - أية قدسية، فحتى لو كانت كلمات هذا أو ذاك كفرًا صراحًا أو دعوة مضادة أو ذات نزعة فوضوية فإن في العزوف عنها من قبل الرافضين لها ما يكفي للطعن في جدواها، فمن يصدق خطرها الفعلي في أجواء لعبة كرة القدم والمضاربات المالية والمجمعات التجارة والتنافسات المتباينة، والصراعات السياسية والمخترات والمشيخات و..؟

يقول أندريه موروا: "الحرية والمسؤولية توءمان، لو انفصل أحدهما عن الآخر مات كلاهما".

من هنا فإني أرى أن حريتي تكون برقابة داخلية تتحلى بالمسؤولية، وتنظر إلى التغيير في السائد، مدًا وجزرًا. أقول ذلك بإيحاء وبنصف إضاءة، لأنني لست سياسيًا أو داعية دينيًا لأرفع شعارات، فأنا أكتب أدبًا أو أنشئ فنًا، وفي كليهما ثمة حدود أعايشها وكأنها جزء من ذاتي، حتى لأوهم نفسي أنني حر في كتابتي وبدون قيود.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى