الاثنين ٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
قصص قصيرة جداً
بقلم سليمان عبدالعظيم

الهواة وقصص أخرى

الهواة

بدا هادئاً جداً أمام الحاضرين الصامتين. مستلقياً على ظهره في طمأنينة. ملابسه كانت متسخة بفوضى الحدث، وتعامل الآخرين. خلعوا عنه قميصه برقة، وسحبوا بنطاله بهدوء، وألقوا قماشاً أبيض. واستداروا وتركوه برهة، يستجمعون الذكريات، ويفكرون فيما هم مقبلون عليه. جميعهم كانوا من الهواة في التعامل مع المستلقين الصامتين. بدا الخوف في أعينهم واضحاً. لم تنهمر عبراتهم، ولم يصدر عنهم أى أنين. كان الخوف يحيط بهم ويبرز من عيونهم. يذكرهم بما سوف يفعلونه بعد قليل. في اللحظة التي سمعوا فيها خبطاً رقيقاً على الباب، كان الماء الدافئ بين أيديهم. لم يشاهدوا من الذي أحضره، ولم يستشعروا خطوات الداخل إلى حدود المكان المخيف. اصطدمت نظراتهم ببعضهم البعض في استغاثة وضعف. بينما كانت العيون الجافة تشتهي الدموع. رفع أحدهم الغطاء الأبيض الملوث بالدماء، وبدأ ينثر الماء رقيقاً على الجلد البارد، بينما بدأ آخر في قص القماش. فجأة انهمرت الدموع من مآقيهم على خديه دافئة، وبدا كأنه هو الذي يبكي على هؤلاء الهواة.

جسدٌ ونفسٌ

المسافة بين جسده ونفسه كثيراً ما كانت تؤرقه، فكلاهما يطمح إلى أن ينفرد بالآخر، ويفرض هيمنته عليه. تحرضه نفسه على جسده، ويستقل جسده كثيراً عن نفسه، ويفعل ما يريد. بالنسبة له لم تكن الأخلاق سواء لجسده أو لنفسه على قائمة أولوياته. بل إن حديث الأخلاق كان يضايقه ويصيبه بالسقم، ويدفع بكل من جسده ونفسه إلى التمرد عليه، وكأنه شيئٌ ثالث خارج ملموسية جسده، وخارج معنوية نفسه. ورغم محاولاته الدائمة لإيجاد صيغة للتناغم مع كليهما، فلم يفلح في التعايش مع أي منهما. أصبحوا ثلاثة في واحد، أو أصبح هو مجرد مراقب لحركة جسده وانطلاقات نفسه. ما جعله في أحيان كثيرة يصاب بالتعب والغم منهما، أن كليهما مارقان عليه، لا يقدران وجوده، ولا يعملان حساباً لمراقبته لهما. فجسده ينشط دائماً نحو غير المألوف والمعتاد بالنسبة له، بينما تنطلق نفسه في تهويمات عبثية لا أخلاقية تفوق ممارساته الفاجرة. لم يكن أمامه من بد إلا أن يدعهما يفعلان ما يريدان، مستمتعاً بلذاتهما، وفجورهما الذي فاق فجوره حجماً وآفاقاً.


هي من هناك!!

 من أين أنتِ؟
 من هناك.
 وأنا أيضاً.
 وكيف يبدو سكان هناك؟
 مثل أي سكان آخرين.
 ونحن أيضاً، مثلكم، مثل أي سكان آخرين.
 لكنكِ لم تحددين أين هذا الهناك.
 غريبة!!
 وما الغرابة في ذلك!!
 ألم تقل منذ برهة أنكَ من هناك؟
 نعم، ولكنني كنت أجاريكي في لعبة الكلام، وتشويق الحديث، لكنني حقاً لست من هناك.
 إذاً فمن أى مكان أنتَ؟
 ربما كنت قريباً جداً منكِ، أقرب مما تتصورين، وأقرب مما تتخيلين.
 ربما!!
 ولماذا تعتقدين أنني قريباً منكِ؟
 أنت الذي قلت، ولست أنا؟
 لكنكِ قلت ربما؟
 وهل تحمل ربما، شيئاً غريباً، هل تثيرك ربما، وتدفعك للتفكير؟
 كلا، لكنني إلى الآن لم أعرف من أي مكان أنتِ؟
 ألم أقل لكَ من هناك؟ هل نعاود الكرة مرةً أخرى؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى