الاثنين ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم أحمد مظهر سعدو

الرحلــــــــة ثانيــــــــــــــة

بعد حولين اثنين كان النهب الآخر للطريق نفسه.. وعلى هدي يقترب من الأول كثيراً.. لكنه هذه المرة جـاء بنجم جديد ليس أقل تألقاً ممـا سلـف.. بـل يحاكـي ويماهي ويزيد.. قطعنا المسافات.. والمسافات حبلى بالبواقي من الأيام.. وحملنا علـى كاهلنا آهـات وأنـات , وتلاطـم أمواج.. وانكسارات.. وانتصارات.. فتموز كان قد أفل عائداً ومعه آب هذه المرة الذي يكاد ينتهي إلى رجعة آتية.. ورغم ضيق المكان الأول.. فقد كان الجو هادئاً تنحني أمامه كل المنغصات.

في العود لذنا , ومع اللين والنور والعمدان بقينا. ولم تكن فرحة الرند واللين الصغرى بأقل من حمد الله والإرث لنا.

كمالم تكن هذه الرحلة والرحلة دائمة , امتشاقاً للجبال فحسب , ولا قطعا للسهول والهضاب , أو عدوها عدواً.. بل كان قد أسدل نصر ((نصر الله)) علينا قبـل ذلـك سؤدده , وجللنا الغمام بأكاليل الغار التي انبثقت من أرض الجنوب ودماء الأبطال , حيث مدرسة البطولة والعطاء.. هناك حيث انشقت الأرض فخرج منها ذلك المارد الواقعي ليرسم بالشهادة والدم طريقاً لا رجعة فيه ولا رجعة عنه.. تكللنا جمعياً بحديث الانتصار.. حديث الافتخار.. عن ذاك المغوار الذي امتشق ((الكاتيوشا)) درباً للاعتزاز وأي اعتزاز.. تمازج الإسلام مع العروبة.. لحظة صنع المعجزات.. كل هذا وذاك أرخى سدوله على الكوكبة المتجددة.

وإذا كان للفضيلة مطرحاً.. فإن توضعها في القلب وفي جوانية القلب منه.. وكم لذت إلى نفسي بين الفينة والأخرى أحدثها عن أم الفضل وأفضالها.. تاركاً دمعة تحرق المقلة وتدمي القلب.. في مناجاة كانت على الداوم قنديل أم هاشم لعربي عروبي آثر الوطن والوطنية عن الحالات الشخصية.. فانبثق من ذلك نبع الصفا العربي الصافي.. آه ما أحلـى الأمسيات تلـك.. وما أجمل نسمات أربعينها العليلة التي تبحر في ملكوت الله الواسع , على مدى الأفق البعيـد.. و "عين باني" , و"نبـع التينة".. ثـم "بزي" و "غار الأربعين" وإطلالة مساءات جميلة من فوق الصخرة الكبيرة , إطلالة علـى وطـن مسجى يحلـم بالعشق.. كل العشق.. بأطيافه وألوان قوس قزح فيه. المتلاشية عبر السموات العلا والمساءات ببدرها الساطع.. ونجومها التي تبرق وتبرق بلؤلؤها الباهر.. ونجوم الأرض فيها والعيون الجميلة والطفولة السعيدة, والابتسامات الخجولة , والناصر والخالد فيها بمفاجأته الحلوة.. جعل للأمكنة رونقاً من جديد.. ما برحت أريحاه تمسك بتلابيبه غير تاركة للجمال والأنسنة فيه إلا هو.. و لا جرم أنها قد تغلغلت في الجوانح منه , وفي العشق الأبدي في لقياه.

أين منا الشاعر الذي انزوى ليقول فيها ما قال ابن زيدون في ولادة.. فريحانا ليس كمثلها شيء.. هي الجمال بحده الأعلى , وهي الانبثاق في لحظة تجليه.. وهي هي من خفق القلب لها منذ أن نبض على وجه البسيطة.

ولأن صنوهـا في فلسطين فقـد ازداد الخفقان لها و لها مـع اكتسـاب المعرفة بتلك, وهـذه , حتى لكأن الأمة قد تجلت بهما.

ومع انفضاض الرحلة وموعد الشاطىء معها وانضمام الأحباب الجدد لها وبها. كان اللقاء ينسحب كما تنسحب خصلات شعر الشمس وقت المغيب.. لكنه هنا مغيب القمر لحظة بدره.. وانسحاب خيوط العطاء وقت عز العطاء.. وأفول نجم الثريـا إبان رحيل الليـل.. ومعه وبه تغيب لحظات الوطن والأمة والعشق والوداد والنصر والخلود والعود وللعود ألوذ وبهن جمعياً وبهم يشتد الهيام لموعد آخر ورحلة لابد آتية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى