الاثنين ٢٦ آذار (مارس) ٢٠٠٧

حدثني يا أحمد

بقلم : بشير التنجال

...مساكين انتم أيها الأطفال...عيونكم الحيرى تحرث وجهي ..تبحث بين تضاريسه عن مرافئ للدفء..للحب..

لماذا تنظرون إلي هكذا؟هل أنا غريب عنكم ؟ !هل نزلت توا من كوكب آخر ؟ ! لماذا تنظرون إلي هكذا
إذا ؟؟هل أنا السبب في ضياعكم ؟ !في تمزقكم ؟ ! في انحدار مستواكم؟ ! أقسم بحبي لكم...هل أنا الذي وضعت برامج دراستكم ؟هل أنا الذي سننت القوانين والتراتيب ؟؟ هل أنا الذي اخترت مواضيع الامتحان ؟هل أنا الذي حددت نسبة نجاحكم ؟هل قصرت في حقكم ؟ إذن لماذا انتم صامتون ؟ لماذا تنظرون إلي هكذا؟ !..أنا...لست إلا نتيجة وأنتم كذلك...السبب ؟ ...تريدون معرفة السبب ؟ إذن موضوع بحثنا اليوم سيكون حول الأسباب والمسببات..انه موضوع مثير..أليس كذلك يا أحمد..ما لك شاحب ؟ ألم تأكل شيئا منذ البارحة ؟ أبوك رحل منذ مدة بحثا عن بسمة يرسمها على شفتيك وعلى شفاه إخوتك ووالدتك..فلا هو عاد ولا البسمة رفرفت في سماء بيتكم المتداعي الصغير..كن رجلا يا أحمد !أنت تعرف السبب ؟ وكذلك أبناء القرية ..يتحدثون عن تلك الليلة ؟ أية ليلة يا أحمد ؟آه ليلة رحيل والدك ؟ ما حدث بالضبط ؟..حدثني يا أحمد..لا يهم الدرس ..المهم أن نعرف السبب أولا...تشنجت يا أحمد..انطفأت براءة الأطفال في عينيك ..تحولت إلى صورة أخرى ربما مخيفة وكريهة لدى الآخرين..امتد الجسر بينيا يا أحمد..غردت في الفضاء عصفورة، حطت على شجرة الصفصاف المتثائبة أمام الفصل..التف رفاقك حولنا..التحمت أيادينا ..قلوبنا ..ثمة عصافير تلاحق نسرا في الفضاء: »لا بد أن تأكل العصافير الصقور»

ماذا عساك أن تفعل يا احمد ..وأنت صغير ووحيد أمام صلف العمدة وأذنابه..ستداس كالدجاجة تحت أقدامهم ...اغتصبوا الارض التي سقاها أبوك بعرقه ودموعه ..سنوات الخصب و الجدب هي تلك الأرض.. ..سنوات العمر كله يا أحمد..لماذا فعلوا ذلك ؟ لماذا ؟ فهمت ..فهمت يا أحمد..ماذا أصبحت الأرض بعد ذلك؟ بورا !!..ماذا إذا ؟انتصبت فيها شركة أجنبية..أبوك وأبناء القرية ماذا سيفعلون بعد اليوم ؟ سيعملون أجراء لدى تلك الشركة....سيعملون اثنتي عشرة ساعة في اليوم..أربعة عشر ساعة..وتبتلعهم البطالة إن رفضوا..لماذا استسلم أبناء القرية لوعود العمدة ؟ الحراس ؟ ما دخلهم انقضوا على أهل القرية ..جعلوهم يقبلون الأمر الواقع ..والذين صمدوا إلى آخر لحظة ..ماذا فعلوا بهم.زجوا بهم في زنزانات مظلمة ..مزقوا جلودهم بالسياط ..وأبوك ؟تورمت..بعد ساعات انتظار ..جاء الطبيب فحص أباك ..ثم انتحى بأمك ..همس في أذنيها ..امتقع لون وجهها جحظت عيناها..هلعت ..ظلت للحظات واجمة .. ثمة غراب ينوح فوق شجرة الصفصاف ..احتضنتك يا احمد..دفنت وجهك في صدرها عرفت أن شيئا ما حدث لأبيك..بعد أيام ترك أبوك المستشفى بساق واحدة ثم ارتحل في ليلة عاصفة مطيرة دون أن تشعروا به يا أحمد.. .

البشير التنجال
تونس

بقلم : بشير التنجال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى