الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم محمد المهدي السقال

خـلـف الـصـمـت

متثاقلا يخترق المساء فضاء الغرفة الموحشة ، ينسحب آخر بصيص من الضوء المنعكس على الجدار ،

فأراني أتعقب انسلاله من عيني مستعجلا ترْكي وحيداً في متاهة الليل ،

أبدأ في عدِّ ما تبقَّى للحظة قلبي من الجنب الأيمن إلى الأيسر ، كم أكابد انتظار العملية المضنية ،

أجاهد عصر الألم في صمت ، بينما تواصل " أمينة " حملي من الأسفل لاكتمال نصف الدائرة ، المحطة الوسطى استلقاءُُ على الظهر ، قبل أن تحشر يديها من تحتي ثانية ، كي يستقيم تحول وجهي إلى الجدار ،

تدثرني ، ثم تودعني بكلمة تصبح على خير، وهي تعلم أني أمضي الليل إلا أقله ، صاحيا أكتم أنينا لا يفضحه إلا إغفاء يذهب بوعيي إلى حين ،

تتركني لهواجس عزلتي متفردا مع أنيني المحاصر بالرهبة في البوح ، فريسة شك في استمرار احتمالها آهاتي المتقطعة بين مثلث هذه الزاوية الباردة ، ألقيت نظرة عجلى على الساعة الحائطية ،

 بدأ النهار يقصر .

لم أشعر بوجودها واقفة بالباب ،

تبيَّنْت أنها ساهمت في انحسار الضوء المتبقِّي ،

أجبتُها بالإثبات ، لاتجاه حركة رأسي إشارة معلومة لديها ، تكتفي بالردّ عليها بالصمت كعادتها في الأيام الأخيرة ،

 ساعة الدواء .

ونظرت إلى ما تبعثر من علب فوق المائدة ، لم تعد " أمينة " تجد عناءً في اعتماد الترتيب الموصوف منذ شهرين ،

أتابعها وهي تصفف تنظيم التناول ، فأشعر بتلصصها على ابتسامتي المتعبة ، لم أعد أقرأ في عينيها ذلك الارتياح الأول ، أحاول أن أقدر حجم مقاساتها معي ، بعد ظهور هذه البثور بأنحاء جسمي ،

ألح الطبيب على تقليبي في الفراش كل خمس ساعات .

 و إلاَّ ، فإن المتبقي من كساء للعظم الهش ، سرعان ما سيأخذ في التعفن .

تسلل بصيص من ضوء ينجر من خلف ظلها المتهادي ، كسر الصمت الملفوف في غلالة الغروب رنين جرس المنبه بالقرب من جنبي الأيسر ، هذه المرة بكرت أيضا في اللحاق بي ، وسوس لي الشيطان أنها تستعجل التخلص من محنة المرهم الذي تبقى رائحته عالقة بيديها لساعات ،

 كيف الحال اليوم ؟

و تتحرك بداخلي رغبة الشكوى لها من مرارة الإحساس بالانهزام، لكنني أستدرك ميلي إلى جعلها أبعد عن هذا السديم الذي أسبح فيه بغير جناحين ،

يكفيها ما هي فيه من عنت مع تشنج الأطفال ، لم تعد الإمكانيات كافية لتلبية المطالب المتزايدة ، ولولا ما قالت إنها تستقدمه من بيت أهلها ، لكان الحال توقف ، صرت عبئا آخر ، غير أنها ظلت تمني نفسها بالآتي ،

بعد وصولي بأيام ، حدثتني بما يروج في الحي ، يشاع أن ضحايا سنوات الرصاص ، سيتوصلون قريبا بتعويضات ملية مهمة عن أضرار الاعتقالات التعسفية ، سقطت عشر سنوات كالجمر في بركة آسنة ، و ماذا يعوض العمر الذي ضاع بين أيدي الجلادين الأموات منهم و الأحياء ؟

تعرف أنني أتهيب من لحظة القلب إلى جنبي الأيمن ، تراود الفراغ بين جسدي واللحاف ، لا أحس ، ثم يبدأ الشعور بالألم مع أول لمس لأسفل الظهر ،

 أمامك خمس ساعات لراحة .

تنسحب بتوأدة ، فيسري بأعماقي وقع خطوها والوجه للجدار ، هل غمغمت بشيء ؟

كثيرة هي الأشياء التي يمكن أن تحدث نفسها بها ، من جرَّب مواجهة الجدار عاجزا عن أدنى حركة ، يعرف أن بياضه يستحيل في عينيه إلى هوة عميقة سوداء .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى