الأحد ١٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم أحمد نور الدين

فرصة عمل

النهار دائما يطلع من جديد. غير ابه بشيئ. انسامه تتخلل خصاص نافذة مغلقة على حجرة بالية عطنة. وها هو لا يزال يغط في النوم يشخر عميقا. غطائه منحسر عن جل جسده. شعره مشعث الى ابعد الحدود وعيناه تزنرهما هالتان سوادوان. فجأة يفتح عينيه بصعوبة ثم يدير بصره الواهن بفعل النوم في ارجاء الحجرة فيلمح على الترابيزة ابريق الشاي وعدة أطباق تحوي طعام الافطار. فأدرك ان باسمة قد اتت بالافطار كعادتها ولا شك أنها حاولت أن توقظه فلم يستجب لها فخرجت مغتاظة حانقة. هذه الفتاة المسكينة تعلق عليه املا! سيجمع من المال ما يمكنه من الزواج بها وإسكانها في شقة صغيرة وسينجبان أطفالا ويشكلان أسرة سعيدة! كم تبدو الاحلام بسيطة وسهلة لكن الواقع عدو كل حالم. لم يتبقى معه من المال الان ما يكفيه لقاء طعام وشراب. وقد وقع فريسة لليأس والقنوط بعد ان جاب المناطق طولا وعرضا بحثا عن فرصة عمل لكن دون طائل. واكبر نعمة يشكرها هي ان الغرفة التي يقطنها ملك لخالته وليست مأجرة. طبعا ليس بمقدوره ان يدفع ثمن ايجار او غيره. فتح عينيه جيدا ثم نهض مغالبا إغراء النوم. نظر إلى عينيه في المرآة المشققة فوق المغسلة فراعه السواد الذي يزنرهما. اغتسل بالماء البارد ورشه على وجهه وشعره وعنقه كيما يصرع نازع النوم. وهو لا يزال واقف بالمغسلة ومضت في ذهنه فكرة. أدار رأسه فجأة صوب الباب فألفاه موصدا ثم عاد ينظر في المرآة وقد تجلى في وجهه تعبير مميز تمتمت شفتاه بكلمات مبهمة ثم قال بصوت عال:

 لمَ لا..!

عاد يتمتم قليلا ثم تفكر مليا في صمت. لم يبق له إلا طريق واحد. كان قد تحاماه جاهدا لردح من الزمن لكن يبدو ان لا بديل له سواه. هتف يقول بغيظ:

 نعم لم لا؟! هل اموت جوعا أفضل!

هو صديق له قديم كان قد التقاه منذ شهور وعرض عليه أن يشاركه العمل فرفض شاكرا. قال له صديقه انها مهنة كمنجم الذهب ويسهل تعليمها إذا نوى صاحب الشأن نيته! لكنه تمنع ورفض معتلا بأن التزيين النسائي لا يليق بالرجال الى جانب انه محرم على الرجل ان يمس شعور النساء وأعناقهن. كان وقتها يعلق املا كبيرا على ان يظفر بعمل مرض في احدى الورش او المحال. وشجعته باسمة على موقفه ورحبت به. لكن ها هو ذا امضى شهورا طويلة دون ان يجد عملا مناسبا. فما العمل اذن؟! عاد يقول وهو يجلس في الكنبة المتهرئة البالية التي كانت ترابيزة الافطار تجثم أمامها:

 سأذهب إليه غدا بل اليوم نعم هذا هو.. انا في امس الحاجة الى المال الان.. لكن ماذا لو رفضت باسمة.. أوف سحقا لها اساسا ما اضطررت الى الارتباط بها لولا ان احرجتني أمها ولولا ذلك لكنت مرميا في الشارع!

اخذ نفسا عميقا وتفكر لبعض الوقت في هدوء وإمعان. المسألة واضحة لا مجال للبس فيها. هما طريقان لا ثالث لهما. وليس عليه إلا الاختيار!

محل صديقه يقع في شارع مزدحم في احدى الاحياء الشعبية. شعر بوضوح أفكاره وبصفاء في ذهنه. باسمة.. خالته.. المال.. والعمل الذي سيؤمنه له!.. بمنتهى البساطة!.

مد يده ليبدأ بالطعام. ترامى الى سمعه وقع خطوات.. انها باسمة. قرر في لمح البصر ان يقول لها كلاما.. ارتدت يده عن الطعام ونهض عن الكنبة على حين ارتفع وقع الخطوات.. تأهب للكلام.. نظر صوب الباب في ترقب.. ارتفع وقع الخطوات أكثر..

زاد تأهبه.. ظل متأهبا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى