الخميس ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٤
بقلم ناصر ثابت

خريفُ الشعراء

(1)

نحن في عصرٍ غريبٍ
فقد الشعرُ أحاسيسَ كثيرة
فقد الشعرُ تسابيحَ الجمالِ
وحكاياتِ الخيالِ
فقد الصدقَ
وألحانَ الكلماتِ الراقية
وارتعاشاتِ اللآلي
نحنُ في عصرٍ غريبٍ
فقد الشعرُ ضياءَ العشقِِ وإصرارَ الجبالِ

(2)

يا قلوبَ الشعراءْ
أخرجي من ثوبِ أبي زيد الهلالي
أسمعينا.. سورة الكفرِ بأشباه الرجالِ
أسمعينا
سورةَ الكفرِ بأتباعِ الدياناتِ الجديدة
بسلاطينِ الضلالِ
يا قلوبَ الشعراء
هكذا يشتركُ الشعرُ (قليلاً) في النضالِ

(3)

أطبق العقمُ علينا
لم يعدْ للشعر معنى
لم يعد للفكرة (بعد اليوم) عيونٌ عسلية
أو شفاهٌ قرمزية
لم يعد للزهرِ معنى
لم يعد للعطرِ معنى
لم يعد للشعرِ روحٌ أو قضية

(4)

جاء عصر الأغبياءِ
يطلبُ الشاعر حبراً
واهتماماً
فيُلاقى بجفاءِ
يطلب الشاعرُ إصغاءَ الجماهير.. فيرمى بالحذاءِ

(5)

جاءَ عصرُ الأغبياءِ
يرقصُ الناسُ سُكارى.. خلفَ معتوهٍ يغني
خلفَ قردٍ..
قتلَ الفنَّ بحقدٍ
وتسلى.. بانسجام الجُهَلاءِ

(6)

هذه الأمة ماتتْ
حين داستْ
فوق رأس الشعراءِ
فوقَ أصواتِ القوافي
فوق أقراط النساءِ

(7)

لم يعدْ للعطرِ معنى
لم يعد للكلمات الليلكية
أي ذكر أو وجودِ
فحكاياتُ الدوالي
رحلت منذ عقودِ
وتواشيحُ نبيذِ العاشقين
أصبحتْ شيئاً سخيفاً
دُفنتْ بين الثنايا
وتلاشتْ
في ذرى الماضي البعيدِ

(8)

لم يعدْ للشعرِ معنى
صارَ كلُ المارقين
يتسلونَ بخبثٍ في ديارِ الشعراءِ
صارَ كلُ الفاشلين
في عِدادِ الأدباءِ

(9)

آه يا أمتَنا الموبوءةَ بالذوق الوضيعِ
كنتِ أماً .. لطيورٍ غردتْ لحنَ الربيعِ
لأحباءَ تلاقوا
تحتَ دفءِ الكلماتِ
وعلى ضوءِ الشموعِ
صرتِ أماً لأناسٍ
يتسلون بأفكارِ الخنوعِ
ويحبون تفاعيلَ الركوعِ

(10)

أصبحَ الشاعرُ كلباً
لاهثاً خلفَ البغايا والسرابِ
باحثا عن صُحفٍ تمنحُه.. بعضَ ما تعطي قحابٌ للقحابِ
باحثاً عن دار نشرٍ
ترتضي أن تأخذ منه الشعرَ بلا أدنى حسابِ
أصبح الشاعر كلباً
لاهثا خلفَ الذبابِ

(11)

في فضاءٍ
لم تعدْ فيه قلوبٌ تتوانى في الغرامْ
في فضاءٍ
موغلٍ في كلِّ شكلٍ
من تفاهات الكلامْ
ظن بعض الناسِ أن الشعرَ عطسٌ وزكامْ

(12)

يعرف الشعرُ أطاييبَ الأماني
يعرف الشعرُ الكلماتِ الراقية
فتُصلي.. حينما يختارُها في لجةِ الأبياتِ أو عِطرِ المعاني
يأخذُ اللفظةَ من قبرِ القواميس إلى عذب المعاني
ثم يسقيها رقةَ القلبِ فتغدو مثلَ بستانٍ جميلٍ
هكذا يصبح شعراً يملأ الأرضَ بآلاف الجنانِ

(13)

نحن في عصر غريبٍ
يكتبُ الناسُ ملايينَ القصائد
بعضها يمدحُ حكامَ التكايا والعقائدْ
بعضها يلعقُ أقدامَ ملاعينِ الجرائدْ
بعضُها نعلنُ فيه
أننا أهلُ التمادي
في التدني والمكائدْ

يكتبُُ الناس كثيراً
غير أن الشعرَ عصفورٌ طليقٌ
لم يزل يشدو بعيدا.. عن مجانينِ القصائدْ

20-آذار2004


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى