الجمعة ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

وعداوة الشعراء بئس المقتنى

في محكمة أدبية أجرتها صحيفة الحياة اللندنية منذ شهر تقريباً .. كان المتهم فيها شاعر العربية بلامنازع المتنبي العبقري ذا السيفيات ، وقد جرت تلك المحاكمة إما لتبرئة المتنبي من التهم الموجهة إليه وإما لمحاسبته عليها ، ومضى كثيرون من الشعراء الذين استكتبتهم (الحياة) في غيّهم ليلصقوا بشاعر الأمة تهماً ما أنزل الله بها من سلطان ، كأن حكموا عليه بأنه أجير ، انتهازي ، متسول ، متضخم الأنا ، متناقض ، عدمي ، منافق للسلطة ، إلى آخر ماهنالك من تهم .. وقد كان هدف (الحياة) من وراء هذه المحاكمة ، محاكمة التراث بما يمثله مبدعوه ، ولهذا كانت المتنبي الشخصية المتهمة فيه ..

ولكن إن هان على (الحياة) أن تجري تلك المحاكمة ليقول في المتنبي من لم يصل إلى مصاف القول ، فإن صحفاً عربية لم يكن ليهون عليها هذا الاستخفاف بالذي أسمعت كلماته من به صمم ، وكان على رأس تلك الصحف صحيفة الراية القطرية التي لم تكتف بالإشارة وبالنقد إلى هؤلاء الذين تطاولوا على المتنبي ، وإنما سعت لاسترداد ماسلبته (الحياة) منه ، فأفردت في الأمس صفحتين أعادت فيهما للمتنبي اعتباره بعد التهم التي ألصقت به ، مذكرة بالاحتفالات والمهرجانات التي أقيمت في العام 1935 في ذكرى الألفية للشاعر أبي الطيب المتنبي ، وناشرة المقالات التي احتفت به آنذاك ولاتزال تحتفي به ، لتكون موضوعاتها كلمات حق في شعر المتنبي وجزالة أسلوبه وقوة صوره الشعرية ومدرسته التي لاتزال تقدم المزيد المزيد من الحكم والأمثال والخبرات ، وقد كانت تلك المقالات بأقلام أدباء عمالقة منهم الطيب صالح الروائي السوداني الكبير ، وعباس محمود العقاد ، وشكيب أرسلان ، وميشال بك معلوف والذين كتبوا في الذكرى الألفية للمتنبي ، وخليل نعيمي الروائي السوري المقيم في باريس ، ورجاء الطالبي الكاتبة المغربية ، والدكتور منصف الوهايبي الشاعر التونسي ..الذين كتبوا في ردهم على صحيفة الحياة ..

وإذا رجعنا بالتاريخ إلى الوراء نجد أن حساد المتنبي وأعداءه كانوا يتربصون به ويحيطونه من كل الجوانب للإفساد عليه والإيقاع بمنزلته عند سيف الدولة الحمداني ، وماذاك إلا لأنه كان ذا مجد وقوة شعرية ولغة رصينة .... واليوم ومن خلال هذه المحاكمة الهزلية للشاعر نجد أن الأعداء والحساد لايزالون يتربصون به ، ولكن أين هؤلاء من حجم المتنبي وعظمته وفصاحة لسانه ، وإن كانوا قد أرادوا الغمز من قناته للإساءة إلى التراث وإلى أعلامه ، فإنهم بذلك لايشيرون إلى ضعف المتنبي وإنما إلى ضعف نفوسهم وضعف نقدهم وسذاجته ، وعدم اعتمادهم الموضوعية والإنصاف والنقد البناء ..

وإذا كان لابد من الرد على هؤلاء الشعراء الثلاثين الذين حشدتهم الحياة اللندنية في صفحاتها ، فيكفيهم بيت واحد من أبيات المتنبي ، وهو كفيل بالإطاحة بكل ماجاؤوا به في محاكمتهم ، ففيه قال :

إني أنا الذهب المعروف مخبره

يزيد في السبك للدينار دينارا .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى