الاثنين ٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

الأشياء لماذا تأتي متأخرة؟!

تأتي (س) وتذهب (س) من قال لها أن تأتي؟ لقد أدخلتها منذ عشرة أعوام في نصي الروائي، وأخرجتها من تفكيري وقلبي الذي ربما لامسته قليلا.

سأكتب قصتي "الأشياء تأتي متأخرة"، وربما تكون جهة ما نشرتها دون إذني، قبل أن أرسلها للنشر، ربما تكون قبضت المكافأة. لست أدري. وسأعطي القصة إلى "يعقوب" و "حسن"، هذا ليرسلها إلى سهام، والثاني لينشرها في الكرمل، ولا يرسلها الأول، ولا ينشرها الثاني، وربما لا تروق كتاباتي لمحمود درويش، وهذا شأنه الشخصي ولا اعتراض.

وسَأُصَدّرُ قصتي بمقطع للشاعرة (سافو): "كان ذلك مختلفا، صباي كان يومئذ في ريعانه وأنت". وبعد عشر سنوات تأتي (س). تقول لي: مررت من قرب مكتبك، فقلت أسلم عليك. رحبت بها، حدثتها حديثا فيه قدر من المودة. أعترف بأنني أنا الآن غيري قبل عشر سنوات، يوم أدخلت (س) في روايتي. كان يمكن، يومها، - أي قبل عشر سنوات- أن أحادثها في الأمر، أن أقترب منها أكثر. كان يمكن أن تحدث أشياء وأشياء، لكن (س) أرادت أن تثبت نفسها من خلال العمل، وربما يكون أصحاب العمل استغلوا براءتها، أقول: ربما، وكانت (س) تسألني أسئلة غير بريئة، أسئلة تركت ذهني يشت، ولم أكن هادئا مستقرا، لأتعامل مع الأشياء ببراءة. وستغادر (س)، ولا يبقى منها في الذاكرة ما يدفع إلى السؤال عنها. استحضرتها فقط حين أنجزت نصا روائيا.ولم أعد أتذكرها إلا حين أعيد قراءته، أو حين أراها، وقد نتبادل، حين نلتقي، التحية أو الحديث العابر، وقد أتعرف، منها، على بعض أخبارها، وقد أراها من بعيد، ولا أعرف عن أخبارها أي شيء. وربما ما عدت، منذ انتفاضة الأقصى، أراها. ومنذ ذلك الحين لم تعد (س) سوى شخصية نسوية من شخصيات رواياتي الكثيرات، الأنيقات الجميلات الطريفات المخبرات اللامعات اللاتي عرفت بعضهن معرفة عابرة، وبعضهن معرفة غير عابرة، معرفة تجاوزت حدود السطح والكلام العابر.

سأنشر قصصي التي لم تنشر في مجموعات على شبكة الانترنت، الشبكة العنكبوتية، وسأغدو مثل يوسف القعيد في السبعينات، حين لم يجد دار نشر في مصر تنشر له "الحرب في بر مصر" و"يحدث في مصر الآن"، وسيقرأ قصصي قراء كثيرون. وربما تكون (س) قرأت قصتي وقصصي، ربما تكون قرأت قصة "الأشياء تأتي متأخرة"، وربما تكون قرأتها أيضا على صفحات إحدى الجرائد. وستأتي (س).

أجلس في مكتبي وحيدا، وفجأة تدخل (س). تطرح السلام عليّ. تمد يدها، أمد يدي، تلتقي يدانا. هي الآن، ربما في الرابعة والثلاثين. امرأة غضة ممتلئة تقص شعرها قصة الأسد. ربما، فأنا غير خبير بقصات الشعر. سأقول إنها قصة الأسد. سأتذكر وأنا أراها امرأتين كنت عرفتهما جيدا، امرأة عربية، وأخرى ألمانية. كان ذلك منذ زمن. ومثل (سافو) أقول بثقة: كان ذلك مختلفا، صباي كان يومئذ في ريعانه وأنت. سأتذكر نفسي شابا، سأتذكرني قبل عشرين عاما أو يزيد، وثمة تفاصيل لا ضرورة لذكرها. ربما تفهم المرأتان: العربية والألمانية قصدي. ربما تتذكران بعض لقاءاتنا. وأنا لا أكذب.

سأقول لـ(س)،: لم أتوقع مجيئك. يا الله ماذا تفعلين الآن؟ سأسألها إن تزوجت، سأعرف أنها ما زالت عزباء، وسأعرف أنها امرأة عاملة. سأتذكر المرأتين وأنا أراها. سأقول: هل جاءت لتمثيل دور أي منهما، أم أنها جاءت لتحل محلهما؟ وأنا مثل (سافو)، وذلك كان مختلفا، ولو مدت يدها، قبل عشر سنوات، وبسطت لي الحبل، كما بسطته رابعة للشاعر الذي قال: بسطت رابعة الحبل لنا، فوصلنا الحبل منها ما اتسع، لو فعلت (س) هذا منذ عشر سنوات، لربما كان حبل الوصال اتصل وما انقطع. وستسألني (س) الأسئلة نفسها، ستعرف أنني ما زلت على ما أنا عليه، رجل وحيد مثل بطل رواية نجيب محفوظ "حضرة المحترم". ولا أحد يعرف من هي (س) إلا هي. أنا لا أفشي أسرارا. أنا أكتب دوالا. (س) يحرر دال، وإذا قرأت القصة وقالت: أنا هي، فستكون هي، لا أنا، من أفشى سر اللقاء. وتمد (س) يدها مودعة، ولا تعجب بعدم اكتراثي. ستقول (باي، باي) (بوي)، ولم أكن، الآن، دعوتها للقاء.. أنا أتساءل: الأشياء... لماذا تأتي متأخرة؟ لماذا تأتي حين لا نطلبها؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى