الثلاثاء ٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم موسى نجيب موسى

قلب الطاهرة

أحبت ولم تدنس ليس لأنها طاهرة فقط، ولكن لأن قلبها نزف كثيراً في سنوات عذاباتها المتوالية... عيناها تنضحان بحزن دفين وفمها لا يستطيع أن ينطق سوى بالحرف المفرح وتقصى جانباً في زاويتيه الرائعتين الحرف الجارح ... طمع فيها الكثيرون، ظنوا أنها فريسة سهلة للمتعة ولو اقتصرت على المتعة البصرية على حد أكثر تقدير، لكنها كانت حائطاً جرانيتياً منيعاً لكل محاولات من حولها .. إلاّ هو .. إلاّ هو الذي فتح ذراعيه عن آخرهما وجعلها تستلقي بلا إرادة فوق صدره الحنون علها تشفى يوماً من شقائها الممتد منذ أن تركها من أحبته ورحل. لكن كان يوخزها في صدره الناعم شوكتان بارزتان بشدة، كانت كل شوكة تعرف طريقها جيداً إلى وجهها الرقيق ونبتت شوكة ثالثة في صدره سوف يكتمل نموها بعد أن تضع زوجته مولودها الثاني بعد أيام قليلة.

تحاول أن تمد يدها لكي تنتزع الأشواك من صدره ليس خوفاً عليه بل خوفاً على وجهها الجميل من التشويه، لكن عقيدتهما الدينية وحرصها الشديد على اتباع أعراف وتقاليد قريتها يقفون لها بالمرصاد عل الله يتدخل يوماً ما ويحل الأمر... شوكة رابعة انغرست في بنصر يدها اليمنى سوف تنتقل مساء الأحد 12 / 9 / 2002 ميلادية إلى بنصر يدها اليسرى عندما يكمل القس طقوس إكليل زفافها على من لا تحبه ويضع رأسها مع رأسه في تاج مقيد للابد. زاد نمو الأشواك كثيراً في صدره وانغرست في جميع أنحاء جسدها حتى أنزفته كثيراً.

احتضن قلب الطاهرة بوداعة لا تخدش كبرياء وكرامة زوجته ولا تؤثر على مستقبل ابنته أو مستقبل ابنه الذي يراه على البعد بذرة في طور التكوين النهائي تنتظر الرعاية حتى يكتمل نموها بسلام.

طلب من البقال الذي يقع أسفل منزله كرتونة مهملة ثم أخذ بقلم يكاد ينقضي حبره يرسم مقبرتها الفخمة وبمقص يعلوه الكثير من الصدأ صمم بناءه الكرتوني... بعد أن انتهى من إعداد المقبرة تناول قلبها الطاهر برفق وأودعه داخلها وأقام ضريحها داخل ميدان فسيح هو نقطة التقاء الأذنين بالبطنين في قلبه الرهيف.

غرة مارس من كل عام كان يقام المولد السنوي للست الطاهرة وكان يفد على قلبه النقي العشاق من كل صوب وحدب ومعهم ذبائحهم وقرابينهم وأمتعتهم القليلة حتى يتبركوا من ضريح الست الطاهرة.

في غفلة رأى صديقه يقبض بشدة على علبة سجائره ويلقيها أسفل ضريح الطاهرة وهو يعلن بأنه تبرأ تماماً من دنس التبغ اللعين الذي تشبع به دمه وأن الله تاب عليه منه لكنه بعد قليل رآه هو بعينه، نفس الصديق يجلس على مقهى قريب أقامه صاحبه على ناصية قلبه الواهن يدخن النرجيلة بشراهة عجيبة.
كل عام بعد أن ينفض المولد وكالعادة يخرج منه بلا حمص يعكف طوال العام على تجميع بقايا الزوار وتنظيف الضريح وكسح الدماء المتخثرة من جراء ذبائح الزوار التي لا يستطيع بكل ما تعمله من أرقام أن يحصي عددها، زد على ذلك دماء أولئك العشاق الذين يرون أن طهارتهم من هوس العشق المقدس لن يتم إلا بالانتحار على جدران ضريح الطاهرة علها تغفر لهم، تغفر عشقهم وجنونهم بمحبوباتهم اللائى خن بعضهن بعضهم بالزواج من آخر أو خان بعضهم بعضهن بالمضاجعة مع أخريات أقل منهن جمالاً وعشقاً.

في آخر مولد أقامه للست الطاهرة داخل قلبه الذي وهن بفعل الدخان اللعين الذي نخر صدره ومنقوع (البراطيش) الذي كان يحتسيه بشراهة غريبة في الآونة الأخيرة لم يعد قلبه قادراً على الصمود أكثر من ذلك فانفجر بشدة حتى استحال إلى أشلاء متناثرة في كل جزء من جسده ولم يسلم من هذا الانفجار الشديد سوى قلب الطاهرة الذي رآه بجناحين نوريين في موكب بهي ملائكي يطير صوب السماء حتى استقر أسفل قدمي العلي القدير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى