السبت ٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم زكرياء أبو مارية

المستقبل العمودي.. والمدندنون ببنائه

كانت مواطنة صالحة ونزيهة، ظلت تصر أن لا تدلي بصوتها في انتخابات اختيار الرجل المناسب إلا لمن انتظرت حتى آخر لحظة أن يقنعها باستحقاقه لحمل مسؤولية خدمة المدينة بأمانة وغيرة.

لم تضع ضمن شروط اختيارها ما وضعه غيرها من مساومات تطرح في المزاد السري أصواتهم، ليستقر في الأخير اختيارها عليه دون سواه، وظنت وهي تدلي بصوتها لصالحه أنها وضعت فعلا يدها على المرشح المناسب، متأثرة ببرنامجه الذي اختصره في بند وحيد مفاده أن من سيصوت لصالحه فإنما سيصوت بذلك لصالح مستقبل عمودي متين سيسهر بنفسه على بنائه لسكان المدينة لبنة لبنة.

كان شرطها الذي أخبرت مرشحها أنه المقابل الوحيد لصوتها بعد أن أدلت به أخيرا لصالحه هو أن يفي بوعده، واكتفى هو هذه المرة بأن دندن لها ببعض عبارات الرضا، مومئا برأسه أنه سيفعل، لتمر شهور على ذلك لم تر خلالها تغييرا على أصعدة كثيرة اللهم إلا من سيئ إلى أسوء، ودفعها يوما تكرر تسبب إحدى الحفر المزمنة بحيها في إحداث جملة من الحوادث الخطيرة دون تدخل لترميم الأسباب لا الأعطاب إلى تقريرها أن تفاتحه من جديد في موضوع المستقبل العمودي الذي وعد به، وما كان منه فور أن حدثته عن ضرورة ترميم طرقات أزقة المدينة إلا أن أفحمها بقوله أن ما أعلن لها عنه في وعده لم يكن من قبيل ما تطالبه به، وحاجّها بكون ترميم الطرقات هو مشروع أفقي لا عمودي.

كان منطقه المراوغ بمثابة قرار حاسم لاحت في خلفيته نيته السيئة، مما دفعها أن تتفادى الإلحاح في نفس الموضوع، ولكنها لم تستسلم من منطلق أن ورم المدينة كان في نظرها من النوع الخبيث الذي لا يني يستمر على نفس وتيرة تضخمه المتسارعة والمخيفة، متوالدا من بعضه إلى أن يضحى بحجم يصعب معه إحكام السيطرة عليه قصد استئصاله أو حتى مجرد الحد من توسعه وانتشاره، مما ألهمها أن تبحث في جوانب أخرى عدى الطرقات لعل اقتراحها الإصلاحي فيها يلقى ترحيبه ويوافق برنامجه، ولم يلبث بالفعل أن شد انتباهها تكرر مشكل احتباس المجاري، فسارعت إلى زيارته قصد إثارة ذلك معه.

أعجبها أنه بقي على وعده بأن يبقى باب مكتبه مشرعا أمام كل صاحب اقتراح للسير بالمدينة قدما، إلا أن باب مراوغاته كان أوسع، إذ ما لبث أن شرح لها كيف أن مشروع إصلاح المجاري لا يدخل ضمن لائحة ما وعد به، وظنت أن مبرر تهربه هذه المرة سيكون أقوى حجة كون ما طرحته هو حتى ليس مشروعا له تواجد فوق سطح الأرض ليصلح أن يكون مشروعا عموديا، فإذا به يفحمها أكثر بقوله بدل ذلك أنها لو كانت حدثته عن مشروع تحت-أرضي يتطابق مع وعده من قبيل توفير المياه الصالحة للشرب مثلا عبر حفر آبار تفي بهذه الغاية لكان شرع من فوره في تنفيذه، لولا أن المدينة تجاوزت نصف هذه المحنة قبل فترته الانتخابية بكثير بفضل التوصيلات المائية المستقدمة من "الضاية" المسماة تعارفا بـ"البراج"، ليبقى النصف الآخر للمحنة المتعلق بصلاحية هذه المياه للشرب قائما، وتأسف لها كون ذلك كان بعيدا عن اختصاصاته لأن مكتبا خارج نطاق تحكمه كان يتولى ذلك.

ما كاد ينتهي من تبريراته السخيفة والواهية حتى عادت هي لتستغل منطقه هو نفسه ضده، وفاتحته في موضوع قصر البحر الذي تضافرت على قاعدته الصخرية ملوحة المياه وتلوثها حتى نخرت الجزء الأكبر منه ليصبح القصر آيلا للانهيار إن عاجلا أو آجلا، وذكرته أن المدينة قد تخسر بذلك معلمة تاريخية غالية إذا لم تتم المسارعة إلى إسعافها من التلف والإهمال المتواصلان بعدُ في حقها، وبدر عنه هو كجواب فوري مبرره المراوغ مرة أخرى كون قصر البحر إنما هو جزء من الماضي كما يشهد بذلك الجميع، مما لا يجعل وعده لها ببناء مستقبل عمودي ينطبق عليه.

استشاطت غضبا وتساءلت عن نوع هذا المستقبل العمودي الذي لا يني يقول في الجموع أنه سيشرع في بنائه ولم يَلُحْ تحققه بعدُ على أي صعيد، ثم انتظرت أن يكون رده من نفس الطبقة العالية لسؤالها، وفاجأها أن ثغره تفتح عن ابتسامته الخبيثة المعتادة عكس ما كانت تنتظره، ثم مال بشفتيه على أذنها يخبرها بانتشاء عن التجزئة السكنية التي كان يتهيأ لطرحها في سوق العقار بأثمنة مناسبة، وبمميزات عمودية سباقة في المدينة: أربعة طوابق ومصعد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى