الأحد ٨ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم موسى نجيب موسى

لحــم البنــات

 لحم البنات مر.

هكذا قالت له بعد أن اقترب منها أكثر وأكثر وأراد أن يتذوق لحمها الشهي.

قاطعها بشدة:-

 ليس كل البنات.

 على الأقل أنا.

سبح في زرقة عينيها حتى وصل إلى شاطئ النن، تمدد تحت أشجار رمشها الظليلة بعدها سحب روحه وافترشها أسفل قدميه، حدد القبلة عن طريق موقع الشمس في فضاء وجودها، حاول أن يصلي في ملكوتها المفتوح لكنها نهرته بشدة وحاولت طرده من حدقة عينيها التي كادت أن تنغلق عليه وتدهسه.

 ألست من البنات؟

قفزت فوق بساط الريح الذي لفظه منذ قليل ومر أمامها لتوه وأمرته أن يتجه بها نحو الشمس حتى تبني لنفسها عشاً من الجحيم تعيش فيه بقية حياتها المبعثرة في قلوب كثيرين... أطاعها البساط دون نقاش واتجه بها نحو رغبتها الأخيرة.

 لم أجرب طعم الحب الحقيقي ولهذا فإن لحمي مر تذكر أنه أحب كثيراً، وذاق لحوم بنات كثيرات فلم يكن – حتى للبنات اللائى لم يحببهن قط – لحماً مراً بل كان حلوا وأكثر من ذلك أيضاً.

 الحب يذل البنت!!

هكذا قالت له بعد أن حاول استمالتها بأخر قصيدة كان قد كتبها في زرقة عينيها الرائعة ونقاء صفحة خدها الرائقة.

 ليس كل البنات.

 على الأقل أنتِِ.

هرولت داخل غابة عينيه الكثيفة حتى فاجأها الوحش الكامن فيهما فلم تستطع أن تكمل هرولتها ولم تعرف لقدمها طريقاً للعودة فتوقفت ولم تحرك ساكناً.

 ألست من البنات؟

أنت مثل كل البنات. إن البنات يولدن بإرث ثقيل يزداد هذا الإرث ثقلاً يوماً بعد يوم حتى تصل البنت إلى تفتح زهرتيها اللتين يزدان بهما صدرها وتتفتح عينيها على الآخرين بلا قيود داخلية فتصاب بالشرخ الذي يشطرها إلى نصفين.

 مرت عليك تجربتين حب هي محصلة حياتك العاطفية.

الشمس انهارت خلف الأفق فأنهار معها عش الجحيم الذي حاولت بناؤه داخل الشمس منذ قليل وتناثرت أشلاؤهما فوق مياه البحر الممتد أمامهما بلا نهاية.

 لم أجرب طعم الحب الحقيقي ولهذا فإن لحمي مر.

"رائد" اسم لن تنسيه طيلة عمرك فعلى الرغم من أنه يمت لك بقرابة وثيقة الصلة ويصغرك بعام إلا أنك أحببته كثيراً منذ أن توضأت عيناك بنور وجهه الصبوح، وملأت أذنيك كلمات أمك عن الاتفاق الذي جرى بين أبيك وعمك بخصوص زفافكما "رائد لـ مريم ومريم لـ رائد" نبتت مشاعرك الخضراء في أرض قلبك البكر وكلما كبر معك الحلم والمشاعر واقتربت الحقيقة.

 رائد تركك وحيدة لأنه أحب زميلته في كلية الطب.

لم يكن المهندس "محب" يمتلك من حطام الدنيا شيئاً سوى منزلاً ريفياً بسيطاً... مبنياً بالطوب اللبن ويقع على شاطئ الترعة التي تشق البلد من ناحية الغرب، وكان يمتلك أيضاً (حبة) مشاعر متوهجة لك وحفنة نقود لا تفي بالغرض ولا ترضي أبيك،أما قلبك فقد ركع ساجداً في محرابه وأخذ يتعبد في هيكله عله يتحرك يوماً ويجني لك السعادة من حقول الفقراء الذين لم ينس يوماً أنه واحداً منهم.

 كيف عرفت كل هذا؟!!

البنت كتاب مفتوح لمن يريد أن يقرأ سطوره عليه فقط الاقتراب منها و يغترف من بحر أنوثتها حتى يشبع حلمها الخالي من أي اهتمام ذكرى.

 أقول لك الكثير أم يكفي هذا؟

كلما رأت في يده خاتم الزواج ورنت في أذنيها كلمات ابنته عندما نادت عليه ذات مرة أمامها (بابا – بابا) تحسست ذلك النتوء البارز الذي نبت في خدها الأيمن عندما قبلت زوجته في إحدى المناسبات التي جمعتهما صدفة، بعدها تهرول إلى الجبانات القريبة جداً من منزلهم وتبكي.

 لم يعد لحم البنات مراً بل أكثر مراراً.

أسدل الليل ستائره وعم الظلام الكون ولم يكن هناك في العالم كله أي بقعة مضيئة سوى تلك البقعة التي تضمهما معاً... يضيئها ذلك البريق اللامع الذي يشع من عينيهما... احتضنته بشدة.. احتضنها بشدة... ذاب جسداهما معاً وراحا في قبلة طويلة حتى فج نور الصباح... وانفضح الأمر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى