السبت ١ أيار (مايو) ٢٠٠٤
بقلم زكية خيرهم

سأعذبهم كما عذبوني

أخذوا كل ذرة حب في حياتي، كسروا سعفة الأمل، أضرموا في جسدي النار، أحرقوا كل شيء جميل في روحي. فصرت رمادا تحملني العاصفة بكل قوة أشيع في الريح وأقتلع وأقضم من أجده في طريقي. لا أشعر بنفسي معهم ... كلهم كذابون منافقون. قلبي تتسارع دقاته. كم يبدو متعبا يائسا مهزوما. جسدي يبدوا بعيدا عني لا أحس به بالرغم من يقظتي. عيناي مفتوحتان لكنني لا أرى. الظلام يغمر حياتي كليا. كلهم كذابون منافقون. لا يريدون مني إلا الحصول على إقامتهم في البلد. يضحكون علي بكلمات معسولة، لكنهم يكرهونني. لست بالنسبة لهم سوى شر... رخيصة تبيع جسدها بكل سهولة وتتبع الرجال كما يتبع الكلب الجائع رائحة الأكل. عبثوا بي وهزؤوا بقلبي. لم أعد أشعر بجسدي. لم أعد أشعر بالحب. جسمي ممدود وروحي منهكة، وعيناي مفتوحتان تؤلماني. جفت دموعي ... ماتت أحاسيسي ...
أعرف أنك تسخرين مني ... تهزئين ...تنظرين إلي بعين العطف حينا وبعين الدهشة حينا وبعين الخوف مني أحيانا أخرى ...
- لا تحقدين عليهم كله بسبب غلط أحدهم.
 كلهم أساؤوا إلي وكلهم أذنبوا وسيدفعون الثمن غاليا. هل تسمعين؟ سيدفعون الثمن غاليا. لن أرحمهم. سأعذبهم كما عذبوني وأذيقهم طعم الموت وهم يمشون على الثرى.
 أكل هذا الحقد في قلبك اتجاههم!
 لقد كانوا كهبوب ريح قوية ... يدفعونني بقوة ... لم أملك سوى أن استجيب لهم، بحثا عن دفء لقلبي البارد المتجمد. رغبة في نظرة مجنونة، لكنها تجتاحني. أعرف أنه لا يجدر بي فعل ذلك، لكنني فعلته متلذذة بكل شيء، متألمة من كل شيء، يتنازعون علي كما يرغبون وأطيعهم من دون اعتراض. مات جسدي وتبعثرت أشلاءه ...
أنا لست حقودة، أنا مجرد إنسانة تبحث عن الحب والإستقرار ... لكي تعطي بسخاء. أنا لست إلا نبتة عطشى إلى الماء لكي تزهر وتنعش الناظرين. الريح تزأر في وجهي، تهز لباسي ... تعبث بي، وبحر الدموع حجب بصيرتي. كم كنت أبكي وفمي مبتسما، وكم كنت أخلٌد للصمت وأقول في نفسي ليتكم تروا دمعي حينها ... وليتني لم أشهد التجربة.

(ألكسندر) خطف ابنتي واختفى بها في مقدونيا. و(سوفوكليس) كان يكذب علي، يكرمني بعواطفه الكاذبة وبمجرد حصوله على الجواز النرويجي رجع إلى كريت من غير أن يودعني أو يشكرني كما اعتاد ذلك كذبا. (علي) كان يضربني ويمنعني من التبرج في لبسي. (كامبالا) كان يسرق نقودي ويرسلها إلى أهله في الموزمبيق. و(تو) كان يعيرني بالفيتناميات اللواتي في نظره يختلفن عن النرويجيات بتضحياتهن ووفائهن للزوج والعائلة.
رغم كل هذه التجارب ما زالت الدنيا بخير و فيها رجال يعرفون الإخلاص والوفاء.
تدافعين عليهم يا هداية. من المؤكد أن حياتك ناجحة مع أحدهم.
أنا لست متزوجة.
أعرف ذلك. لكن من المؤكد لك صديق.
لا أبدا.
تمزحين!
أنا لا أمزح. لا زلت عذراء.
ضحكت ضحكة كالبكاء، ضحكة مجلجلة كالرعد محملة بوابل من الدموع. ثم أردفت بنبرة حزينة:
في هذه الحال وفرت عليك كل المشاكل والجحيم الذي مررت به.
تطاير الشرر من عينيها وأضافت:
سأنتقم منهم جميعا. لن أتعرف على أحد إلا وأتركه مجنونا ... مهووسا أو ضائعا. سترين يا هداية سانتقم لكل مظلومة في العالم.. لكل من أُلقِيَت في قمامة المجتمع عارية، يئن في مفاصلها الشجن. سأنتقم لها لكي لا تعد تبحث عن ينابيع جافة وعن أوكار طيور كاسرة تنتظر استلقاءها على الأرض كي تنهش لحمها.

رجعت من عملها ورغم التعب الذي يحل في جسدها هرولت إلى الحمام تستحم .... تقف أمام المرآة ... تنظر بتحسر مرثية جسدها الذي لم يعرف يوما يدا طاهرة تلمسه بحب حقيقي وطاهر. أيادي لا تعرف إلا تدنيس الجسد وتشويه الروح ... أيادي تترك بصمات تعذب الضمير أو تزيله مطلقا. تنظر إلى المرآة ... تحذق إلى وجهها الذي بدأ يتشقق من جراء الغدر ونكران الجميل ... تتأسف على ماضيها معهم ... تتمنى لو ترجع بها الأيام إلى بداية الإنطلاقة لكي تعدل عن تجاربها المرة ... تقطر دموعا ساخنة ... تحرق وجنتيها. هل يرجع الزمان بي ليزيل عني هذا الجرح في قلبي وروحي ....؟ تنفجر بكاءا .... يا ليتني ما كنت امرأة لأنهم لم يحبون في إلا جسدي. ليتهم عرفوا روحي وطيبتي .... ليت أحدهم أحبني كإنسان .... ليته كان ملاكا يحرسني .... بلبلا يغرد كل صباح ... رجلا يشعرني بالأمان . ما كانوا رجالا بل ذكورا. فالخنزير ذكرا والحمار ذكرا وهيهات بين الذكورة والرجولة...!! قطعوا حكاياتي ... تركوا بقعا حمراء على جدار حياتي وخرجوا. لكن هذه المرة، أنا من سيخرج لهم ... أنا من سأرميهم بالنار وأنقش روحهم بالرصاص ....سأبتر جوانحهم وأجعلها مكانس... أرادوا نهشي كالطيور الكاسرة ... لكنني سأسقطهم من أعلى فضاء خبثهم كالطيور ... سأجعل أفواههم مفتوحة كأنها ستغني لكنها ستنوح .....

منذ ذلك اليوم أصبحت إحدى طقوسها التي لا تحيد عنها، بعد رجوعها من وظيفتها في المستشفى كل مساء. تتزين وتتبرج ثم تذهب إلى الديسكو ترقص ... تصب البيرة على ملابسها وتجرع جرعة واحدة فقط متظاهرة بالسكر موهمة ضحيتها. فتجره إلى شقتها لتقضي معه الليلة في جنات ليلتها الجحيم. تسبح على صدره إلى حيث تشاء، قلبها حزين ... جائع ... عطشان ... وفي طيات وجهها تسيل دموع الغدر وفي صوتها موج مكسور وفي روحها صدى لكلمة تنبعث من القلب حرمت من سماعها وفي ذاكرتها جعبة ذكريات أليمة والقلم بين أصابعها سيفا يرسم الموت في أعماق البحر الذي تسبح فيه. عند طلوع الفجر تتسلل باكرا إلى وظيفتها، تاركة ضحيتها يغط في سبات عميق لذيذ. عندما يستيقظ ... يذهب إلى الحمام ...يجد جملة مكتوبة بأحمر الشفاه على المرآة ... يقف مشدوها أمام الجملة .... تتدلى روحه عارية من الأوراق ....يكبر الصراخ في شفتيه الذابلة ...يبدو كمن يصارع الموت ...... تخرج أغصان الألم ممزقة قلبه ... ينظر إلى الجملة التي اغتالت جسده في الحلم ... يقرأها بتلعثم ...

Welcome to the world of Aids

أما هي فكانت تتصوره واقفا أمام مرآتها ورجلاه مغلولتان على سجادة حمامها الوثيرة. تتأمل الصاعقة التي نزلت على رأسه المبتور، يندب رجولته ... حريته ... صعلكته ... التي أدت به إلى مسلخة جزار لا يعرف إلا الذبح.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى