الجمعة ٧ أيار (مايو) ٢٠٠٤

تصبحون على نصيحه

د. طلال شهوان / فلسطين

من المعروف أن أحد النتائج الهامه للتقدم التكنولوجي هو إفراز أنماط إستهلاكيه جديده يكون لها إسقاطاتها المؤثره على القيم الإجتماعيه والثقافيه والسياسيه والإقتصاديه للمجتمع. وقد نختلف في تقييم مثل هذا التأثير تبعا لما نؤمن به من معتقدات ولكن هذا لا يخرجنا من دائرة التأثير مهما أجهدنا أنفسنا في التقوقع أو أمعنا في إيجاد مسالك للهروب من القصف المعلوماتي الهائل الذي نعيشه في هذه الحقبة من الزمن. إن القفزات التقنيه والمعلوماتيه المتزايدة باضطراد في أيامنا هذه يرافقها بزوغ نمط حياتي يتناسب مع حقائقها التي تزرعها في حياتنا إن لم يكن باختيارنا المحض فهو رغم أنفنا. ومصطلح ’العولمه’ الذي أصبح رائجا في هذا العصر ليس سوى عنوانا مختصرا للمد الثقافي الغربي الذي يحاول أن يكسر حاجز ’الخصوصيه الثقافيه’ للمجتمعات الأخرى فارضا نفسه كثقافه عظمى كانت حصيلة مباشره للتفوق التقني الكاسح.

لقد أعقب إنهيار الإتحاد السوفياتي -الذي كان بوجوده يضفي نوعا من التوازن على ميزان القوى العالمي- بزوغ فكر غربي يتحفنا منظروه بفرضية تقول بأن البشريه قد دخلت حقبة جديده بعد الثوره المعلوماتيه وأن أدوات هذه الحقبه يجب أن تبنى على قاعدة القيم الإنسانيه التي أفرزنها الحضارة الغربيه خصوصا في الفتره التي تلت الحرب العالميه الثانيه ، تلك الحرب التي طوت حقبة الصراع القومي والعرقي والذي كان بدوره من إفراز التنافس على الموارد الذي خلقته الثوره الصناعيه ، تماما كما كان التنافس على الأراضي الزراعيه هو المحرك للصراعات التوسعيه التي كان الإنتماء الديني والمذهبي ستارها -كل هذا من وجهة نظرهم طبعا-.

وقد إنقسم متبنوا هذا الطرح إلى قسمين، الأول منهما ينادي بضرورة إتخاذ ’الحوار الحضاري’ كوسيلة للوصول إلى هذا الهدف معتبرا أن اللجوء للقوه قد يؤتي بنتائج عكسيه. أما التيار الثاني، فقد تبنى طريقا أكثر تطرفا تستبيح لنفسها ’التسلط الثقافي’ الذي ينطلق من منطق استعماري خرف يرفض جذريا فكرة التلاقح الحضاري ويسوغ لنفسه إلغاء الآخر إن لم يدخل في الطابور المخصص. ويبدو أن هذا التيار -إضافة إلى عوامل أخرى إقتصاديه ودينيه وسياسيه- قد شكل متكأ فكريا للهجمة الإستعمارية الحاليه التي يقول لسان حالها بأن ’سير المباراه يحدده من يمتلك الصافره’.

إنه لمن السذاجة المفرطه الإعتقاد ولو للحظه بأن أمريكا وحلفاءها من الأوربيين وغيرهم يريدون لهذه المنطقه نهجا ديموقراطيا حقيقيا يرتقي بواقعها الموحل ، فالمطلوب يتلخص ثقافيا بالتسليم بما أصبح يعرف بالقيم العالميه التي أفرزت النمط الحياتي الغربي المعاصر، واقتصاديا بفتح الثروات العربيه على النهب المباشر والإبقاء على دور ’المستهلك الممتن’ الحالي، وسياسيا بتبني نهج ’منفتح’ بشكل لا يخدم حرية المواطن وويضمن مشاركته في صنع القرار بقدر ما يكرس هيمنة القوى المتنفذه حتى تصبح المتاجرة بأقدس ما يقدس مجرد وجهة نظر. لنا الحق كل الحق في أن نرفض هذا المشروع ولكن ليس لنا أي حق في التقاعس عن إيجاد البديل لوضعنا الحالي المخزي الذي ساقنا إلى ما نعيشه من هوان. وإذا أراد العرب أن يبقوا عربا فلا مندوحة من التأسيس لإقتصاد تكاملي قوي ونظام سياسي يكرس الشفافيه ويفتح المجال أمام مشاركة واسعة لمختلف القوى الفاعلة على الساحة العربيه وإعادة النظر فيما تقادم من قيم تجاوزتها عجلة الزمان وإنشاء مراكز أبحاث علميه ودراسات استراتجيه. كفى هذه الأمة البحث عن مبررات لتخلفها، فالأمر مع ارتباطه بعوامل خارجيه لم تقلع يوما عن نهجها التآمري البغيض، إلا أنه كذلك معتمد بدرجة أقوى على ضعف الإرادة الذاتيه أو تعارض المصالح لمن يمسكون بالخيوط عندنا. وإلى أن يأتي اليوم الذي تتوحد فيه البوصله، تصبحون على نصيحه ...

د. طلال شهوان / فلسطين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى