السبت ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم أسامة جودة

انتحار أبو الهول

طرقا قوية متلاحقة على باب شقته، استيقظ على أثرها فزعا لملم نفسه سريعا وهرول إلى الباب وكان يتوقع أن يسمع خبرا سيئا كنكسة جديدة أو زلزال أو على أقل تقدير مصيبة صغيرة من المصائب التي يلقاها كل يوم، وحين فتحه رآه أمامه إنه محصل الهواء!!

جاءه بخمسة فواتير لعدادات الهواء المركبة على خياشيمه وزوجه وأبناءه الثلاث، أخرج الرجل نقوده وحاول دفع الفواتير لكنها لم تكفى لدفع كل الفواتير فدفع لأولاده الثلاثة وترك فاتورتي نفسه وزوجه لحين ميسرة, حينئذ حذره المحصل من عاقبة عدم الدفع أو التأخر عنه وذكره بأن المهلة قصيرة وبعدها سينقطع الهواء وتنقطع معها أنفاسه، دب الرعب في قلب الرجل وقرر أن يحشد قواه ليتمكن من دفع الفواتير في أقرب فرصة ممكنة ولو حتى بالاستدانة، لم يستسلم إذن لرعبه.

دخل الحمام ليغسل وجهه بالماء لعله ينتعش ويفيق من غيبوبته وكالعادة لم يجد المياه رغم أنه من أصحاب ( مواتير ) رفع المياه والخزانات فأخرج زجاجة مياه معدنية من الثلاجة وغسل وجهه فانتعش .

يتذكر الآن الفترة الطويلة التي ركز فيها الإعلام الحكومي على موضوع تلوث الهواء وأمراض الصدر ثم ما تلاه من تهليل للإعلان عن اختراع أحد علماء الحزب الحاكم لمجموعة( فلاتر) يمكن تركيبها على أنف الإنسان لتنقى الهواء الذي يتنفسه ثم إقدام الحكومة على الإعلان عن توفيرها لتلك (الفلاتر) بالمجان لكل أفراد الشعب صغيرهم وكبيرهم مزودة بعداد لحساب كمية الهواء النقية المستنشقة وذلك حرصا من الحكومة الميمونة على صحة شعبها الوليد , تبدلت الآن ملامحه وتغير لون وجهه وكأن سحابة مظلمة أظلته عندما تذكر ما تحمله الشجعان من أهل هذا البلد الذين هبوا ليعلنوا رفضهم لما يحدث ولكن كأنهم ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة ثم فجأة ابتسم ثم ضحك فقهقه عندما استرجع ذكرى نتيجة الاستفتاء الشعبي على تنفيذ المشروع والتي خرجت بموافقة تسعة وتسعون بالمائة من الناخبين على تنفيذه، هذا رغم المقاطعة الشعبية للاستفتاء !!

 عاودته الأحزان لتجثم على صدره من جديد حتى كاد يختنق فقصد الشرفة المطلة على النيل ليملأ صدره بهواء منعش ويملأ عينه بمنظر مبهج لكن أين هو النيل؟! أين ذهب ؟!

  يفرك عينيه وكأنه قام من نومه توا، لكنه ما يزال لا يراه ابتسم عندما تذكر حديثهم في الفترة الأخيرة عن تلوث مياه النيل وانتشار أمرا ض الكبد وعن المظهر الغير حضاري للمخلفات التي تلقى في النيل ثم الإشاعات التي ترددت عن تغطية النيل لاستغلال أراضيه.

  " إيه دول ..... أبالسة " قالها وهو يوصد باب الشرفة بغضب.

فتح حاسبه المحمول وبدأ يتصفح المواقع العالمية للأخبار على الشبك العنكبوتية كعادته كل صباح لعله يجد ما يسره وينسيه بثه وحزنه لكنه وللأسف صدم بالخبر التالي والذي تصدر عناوين الأخبار في كافة المواقع:

( الحكومة المصرية توافق على مشروع خصخصة الهرم الأكبر وتحويله لمول تجارى عالمي )

انفجر في الضحك من يومها لم يسكت إلا عندما علم بانتحار" أبو الهول" والذي قيل في قصة انتحاره أنه عندما علم بالخبر نهض واقفا من مكانه وأزاح التراب من على ساعديه ثم نزع عن وجهه قناع الملك وانطلق يجرى أشعث الشعر تطق عينه شرارا وهو يلطم خديه ويولول ويصيح وحين اجتمع حوله أمة من الناس مد " أبو الهول" يده إلى فمه وأخرج شفرة موس من تحت لسانه ثم قطع وريده فمات ومن يومها وهو يبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى