الثلاثاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٤
بقلم عادل سالم

إنهم يسرقون الأغاني العربية!

لم يكتف يهود إسرائيل بالسيطرة على فلسطين والتنكيل بمواطنيها الأبرياء من الشعب الفلسطيني وزج عشرات الآلاف منهم بالسجون، بل قاموا وبتخطيط منظم بسرقة جزء من ثقافتنا وفننا وأغانينا، حتى أن بعض المأكولات الشعبية مثل الفلافل سرقوها من العرب واعتبروها أكلة إسرائيلية وتقدم للسواح واعتبارها من تاريخ اليهود وتراثهم. الثياب العربية المطرزة باعتبارها ثياباً إسرائيلية، وللتدليل على مدى فن التطريز الذي وصلت اليه أيادي اليهود في الماضي. وإذا كان حكام إسرائيل ومسؤولوها يقفون بشكل منظم وراء كل عمليات التنكيل والاستيلاء على الأرض، فإن هناك قضايا أخرى يشارك الشعب فيها بالسرقة دون الحاجة لقرارات حكومية.

الأغاني العربية تتعرض الى سرقة في وضح النهار تحت مبررات التأثر بالأغاني والألحان الشرقية. إذ يقوم عدد واسع من المطربين الإسرائيليين بأخذ لحن أية أغنية عربية تعجبهم فيعملون على ترجمة كلماتها للعبرية ليغنيها أحدهم مع إدخال تعديل بسيط على اللحن لتعتبر بذلك كأغنية عبرية من تاريخ الشعب اليهودي .

المأساة أن المغني العبري يعترف أنه أخذ اللحن عن أغنية عربية كذا وكذا، ولكنه أبداً لم يفكر في أن يأخذ إذن المغني العربي الأصلي لأنه لا محاسب ولا رقيب. كما يقوم بعض المغنيين الإسرائيليين بوضع كلمات عبرية جديدة يأخذونها عن التوراة لتتلاءم مع لحن الأغنية العربية المسروقة لتصبح أغنية عبرية دينية.

إن أكثر المطربين العرب تعرضاً لسرقة أغانيه هو الفنان الراحل فريد الطرش، لأن اليهود يركزون على الأغاني الخفيفة والقصيرة، مثل أغنية نورا نورا.

من المطربين اليهود الذي يسرقون الأغاني العربية على سبيل المثال لا الحصر "يوسي شوعا" والمطرب "داهي دهان" والمطرب "يوهاف يتسحاق" والمطربة "ايلان حداش". كما يوجد عدة مطربين للأغاني الدينية العربية منهم "دافيد درعي" وهو من أصل مغربي، وقد اشتهر بأغنيته الدينية "اليوم اليوم" وهي من كلمات "تامي ليفي"، أما الموسيقى فقد أخذت عن إحدى الأغاني العربية، وأجرى عليها الموسيقي "ميخي حي" التعديلات المطلوبة.

إن المطربين الذين يسرقون الأغاني العربية هم من اليهود الذين نسميهم بالشرقيين، والذين يتأثرون باللحن الشرقي، ولا ضير في ذلك، ولكن لماذا يسرقون اللحن دون إذن أصحابه؟! إذا كان الجواب لأنه لا علاقة للدول العربية بإسرائيل فهو جواب غير صحيح، لأن معظم الأغاني المسروقة هي أغان عربية مصرية، ومصر كما هو معروف تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. إلا أن الهدف الأساسي لليهود هو تجيير الثقافة والفن العربي لخدمة إسرائيل حتى تصبح إسرائيل ذات ثقافة وفن منذ الأزل.

ولكن بدلاً من أن نلوم المطربين اليهود الذين يسرقون أغانينا علناً وليس سراً، وهم لا يخفون أن الأغنية الفلانية مثلاً أخذت عن لحن أغنية المطرب الفلاني. لماذا لا نلوم أجهزة الثقافة والفن المصرية التي يجب أن تعمل للحفاظ على فنها وتراثها العربي وأن تحتج الى إسرائيل لهذه السرقة المكشوفة. أليس في وسع المسؤولين عن الأغاني في مصر أن يطلبوا عبر حكومتهم وقف هذه السرقات لدى الطرف الآخر، وإلزام المطربين الإسرائيليين على الأقل بأخذ موافقة صاحب الأغنية قبل أن يفكروا باستخدامها.

نعم يمكننا أن نعمل الكثير، ولكن إذا كنا كعرب قد أعطينا إسرائيل حق سلب فلسطين كأرض، والتنكيل بها كشعب. وإذا كنا أيضاً نتوسل لرفع الضيم الأمريكي عنا كما فعل معمر القذافي بإرساله الحجاج الليبيين الى القدس. فهل يا ترى والحال كهذه سوف نهب للدفاع عن مجرد أغان عربية نستطيع أن نؤلف ونلحن منها المئات كل يوم؟!! الذي يغيظني فعلاً ويقلقني ، ليس موقف المسؤولين عن المؤسسات الفنية العربية. ولكن المطربون العرب أنفسهم الذين تسرق أغانيهم وبعضهم حي يرزق . فهم لم ينشروا احتجاجاً واحداً ضد هذه السرقات. والذي يبدو أنهم مسرورون لأن أغانيهم أعجبت مطربين إسرائيليين، واهتزت لها القدود الإسرائيلية.

بقي أن أشير لكم أن الإذاعة الإسرائيلية تبث كل يوم اثنين الساعة التاسعة وأربعين دقيقة برنامجاً للأغاني العبرية يقدمه الإسرائيلي من أصل عربي "شفيق سلمان"، وفيه يقدم الكثير من الأغاني العبرية المسروقة عن العربية. والمهم في الموضوع أنه يقدمها بناء لطلب المستمعين العرب الذي يرسلون للإذاعة يطلبونها، وإن قسماً كبيراً من المراسلين هم من المصريين الذين برسائلهم هذه يشجعون اليهود بسرقة الأغاني العربية. لم يقف الأمر عند هذا الحد، فالكثير من المستمعين العرب وخصوصاً المستمعات يرسلن الى الإذاعة يطلبون صوراً للمطربين الإسرائيليين لأنهم معجبون بهم وبأصواتهم.

كل هذا يتم قبل أن يعم السلام بين الشعبين. ترى ماذا سيحل بالفن العربي إذا عم السلام الحقيقي بين إسرائيل والدول العربية؟!

سؤال لا نملك الإجابة عليه لأننا سنترك الإجابة للزمن القادم؟!

أغسطس 1993


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى