السبت ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم نوزاد جعدان جعدان

محمد تيمور شكسبير مصري

من منا لم يسمع بالعائلة التيمورية! .. فعائلة تيمور العريقة التي عزفت نشيدا طال لحنه بداية من الكاتبة عائشة التيمورية ومرورا بالكاتب أحمد تيمور ونهاية بولديه أسطورتي الأدب محمد ومحمود تيمور ولا ننسى هنا حفيدة محمد رشيدة تيمور التي أصدرت روايتها الأولى (ميفان) المضيفة.

أما حديثنا فسيكون عن أديب, شاعر, ناقد, ممثل مسرحي ورائد الحداثة المسرحية والأدبية برؤية معاصرة للأدب, نظر إلى الحياة بنظرة كئيبة وسوداوية تخفي وراءها أحزاناً ثقيلة على العكس من روحه المفعمة بالنشاط والمرح فانتهى بنهاية تراجيدية وهو في أوج عطائه..

العائلة التيمورية:

عندما جاء محمد الكاشف بن إسماعيل بن علي إلى مصر مع الحملة العثمانية في عام 1801 - الذي ينحدر من سلالة كردية من شمال العراق –في سبيل التحاقه بجيش الوالي محمد علي باشا الذي عينه برتبة كاشف ثم محافظا للمدينة المنورة 1837 فمديرا للشرقية إلى أن توفي عام 1848 ليتولى ابنه إسماعيل رشدي باشا في مناصب الدولة فكان مديرا لبعض المديريات ورئيسا لديوان الخديوي, نبغ أولاده في مجال الأدب: عائشة التيمورية وأحمد تيمور لينطلق بعدهم ولدا أحمد أعمدة للأدب والقصة محمد ومحمود تيمور..

محمد تيمور النشأة وعلاقته بأخيه محمود تيمور:

ولد محمد بن أحمد تيمور في القاهرة بإحدى أحياء مصر القديمة عام 1892 ونشأ في أسرة عريقة على خلفية أدبية واسعة وعلم وجاه, رحل إلى برلين لدراسة الطب لكن حبه وشغفه بالأدب جعلاه يهاجر إلى فرنسا ليطلع على الأدب الأوربي عموما والأدب الفرنسي خصوصا اللذان تركا الأثر الكبير في حياته وعلى قصصه وأعماله, ليعود إلى مصر بعد ثلاث سنوات عام 1914 فألف فرقة تمثيلية عائلية ووضع مسرحيات

ونهض بسوية المسرح المصري من خلال مقالاته النقدية واقتراحاته التي استخدمها بالتأثير الكبير للمسرح الفرنسي, علاقته القوية بأخيه الأصغر- الكاتب ورائد القصة المصرية محمود تيمور- وقربه منه كانت كقرب الجفن من العين حيث كان محمود يعتبر أخاه الأكبر مثله الأعلى وخير مرشد له من خلال التمسك بنصائحه وتوجيهاته وآرائه السديدة بما يملكه من ثقافة واسعة وبعد النظر وحكمة للرأي, حتى إن محمود تأثر به في كتاباته باتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية وألف مجموعته القصصية الأولى على غرارها..

محمد تيمور الأسطورة:

شكلت كتابات محمد القصصية والمسرحية والشعرية والفكرية منظومة إبداعية متكاملة في مجال تحديث الأدب والفكر العربي حتى أن بعض المؤلفين قسموا الحياة الأدبية إلى عصرين
هما عصر ما قبل تيمور وعصر ما بعد تيمور ,فكانت كتاباته هي البداية الحقيقية للأدب العصري الحديث وبرع أيضا في مجال القصة بوعي بناء فني ومضمون فكري وإرساء تقاليد القصة القصيرة باعتماده على موهبته الفذة وحسه الفني وثقافته الواسعة والسنين التي أمضاها في ربوع أوربا بالإضافة إلى التحامه مع قضايا مجتمعه المصري فلم تكن إبداعاته محاكاة شكلية لأنماط الأدب الغربي بل كانت وسيلة لتوظيفها بتجسيد بلورة المضامين التي تهم أبناء شعبه..

يبرز وعي محمد المبكر بتقنيات القصة القصيرة فوقتها لم يكن لفن القصة وحتى الرواية أية تقاليد سابقة في الأدب العربي وربما مواكبته لانجازات رواد القصة كإدجار ألان بو وتشيكوف ومعاصرته لارنست همنغواي التأثير الكبير لوضع القواعد الأساسية للقصة ,عمل كمترجم خاص لمحمد علي باشا.

ريادته في المسرح:

بدأت ريادة محمد في المسرح بمسرحية العصفور في القفص عام 1918 حتى مسرحية الهاوية 1921 بأسلوب تحديثي للأدب المصري وبفن المسرحية القومية الأصيلة فلم يكن يلجأ للاقتباس أو الرجوع للتاريخ والتراث كما كان يفعل غيره..

جمع بين قراءة التراث العالمي في فنون القصة والمسرحية وبين قراءة الحياة المعاصرة بكل قضاياها وصراعاتها وتفاعلاتها ولعل أهم قضية أو القضايا التي تعامل معه في مسرحياته مفهوم الأسرة والعلاقات الجنسية العاطفية التي يجب النظر إليها في ضوء علمي وموضوعي وعالجها بأسلوب رو منطقي عقلاني فريد حتى تسير في بحر هادئ لا تعكره أمواج الانحراف والتشتت,شغلت الطبقة المتوسطة معظم أعماله بوصفها العمود الفقري للمجتمع وجسرا للتواصل بين الطبقة العليا والدنيا..

لولا مقالات محمد النقدية عن الحياة المسرحية في عصره لما عرفنا الكثير عن نجومها وعروضها بكل ما تشمله معدات المسرح من تأليف ,إخراج , ديكور ملابس وإضاءة وربما لم يكن حينها يوجد ناقد مسرحي آخر سوى محمد تيمور..

رحيل قطار حياته إلى محطته الأخيرة:

برع محمد في القصة القصيرة والمسرحية بالإضافة إلى كتابة المقالة والتعليق والتحليل بوصفها أدوات تنير الدرب أمام القارئ وتحدث فكره ولعلنا لا ننسى انه كان شاعرا من الطراز الأول فقد نظم الشعر بطريقة وجدانية رقيقة وبسلاسة جميلة.

شعر محمد بدنو أجله وهو في ربيع العمر فقال:

هيئوا لي باطن الأرض قبرا ودعوني أنام تحت التراب
في ظلام القبور راحة نفسي ومن النور شقوتي وعذابي

وافته المنية في 24 من شباط عام 1921عن عمر يناهز التاسعة والعشرين تاركا وراءه إرثا فكريا ضخما وإنجازا أدبيا واسعا بفترة لا تتخطى الثماني سنوات من 1913 وحتى 1921. فكم خسر العالم عبقريا فذا وأديبا رفيع المستوى وهو بعد لم يكمل عقده الثالث.

نشرت مؤلفاته بعد مماته في ثلاثة مجلدات وميض الروح (ديوان شعره وكتاباته الأدبية وبعض القصص والخواطر) حياتنا التمثيلية (تاريخ التمثيل, نقد الممثلين, رواية الهاوية) المسرح المصري (عبد الستار أفندي, العصفور في القفص وأوبريت "العشرة الطيبة" التي لحنها سيد درويش) والأقاصيص المصرية (ما تراه العيون - مجموعة قصصية).

كرمته الحكومة المصرية وتخليدا لذكراه أصدرت جائزة محمد تيمور للإبداع المسرحي العربي, وأخيرا أتمنى أن أكون في هذه الكلمات قد سلطت الضوء على عبقري ومسرحي مغوار يجهله الكثيرون كالفارس الجالس في الظل ولعل هذه السطور لا تفيه جزءاً من حقه لشخص كان شعاره الأدب والثقافة والنهوض بالمجتمع.

مصادر وهوامش:

  1. نبيل راغب مصر - الأديب محمد تيمور رائدا للتحديث
  2. مير بصري- أعلام الكرد ليماسول - قبرص
  3. د. محمد مهدي علام - المجمعيون في خمسين عاما مجمع اللغة العربية القاهرة
  4. 2 شباط 2006 www. alwatan. com-
  5. الأهرام الأسبوعية
    30 ديسمبر 1999 إلى 5 كانون ثاني 2000
    العدد رقم 462
  6. محمد جمال – حقيقي ابن الوز عوام - جريدة الأهرام العدد 419
  7. www. Yebeyrouth.com/pages/index1101. htm
  8. د. حسين علي محمد - محمود تيمور رائد الأقصوصة العربية – بيان الثقافة العدد 88.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى