الخميس ١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم سمية البوغافرية

غوغل عربي الأصل!!...

لا أدري كيف وجدت نفسي بين مرحي الرحى... ممزق بين صديقين جثما بثقلهما على صدري كثقل الدهر وتشابكت بهما حياتي كالقدر... وأنا بينهما صامد صامت.. أختنق، أعب الهواء، أبتلع لهاثي، زفراتي، أنيني، آهاتي فأزفرها ابتسامة مريضة تحل عليهما بردا وسلاما.. يترجمانها رضا وضعفا وغفلة وقلة وعي مني فيواصلان إنارة طريقي بضوئهما الأسود الحارق...

كل سطر تخطه قدماي منذ أن عرفتهما تسجلان فشلي ونكبتي وحسرتي ... وكلما حاولت أن أنسلخ عن شخصيهما أجدني وسطهما أمدد رقبتي ليذبحاها بأسلحتهما. ثمة نجاح حققته... نجحت في تفادي الجمع بينهما... السيف الواحد يكفي... لا أفتخر بنفسي وأعتبر هذا انتصارا، ففي الحقيقة بقدر ما هما يختلفان في كل شيء يصعب الجمع بينهما على مائدة واحدة أو في مجلس واحد...

اليوم، عضضت بنواجدي على الطلاق البائن بينونة كبرى وتسلحت بكل أملكه من دهاء وهببت لإغارة أحدهما على الآخر... سأتركهما يتعاركان كل واحد بوسيلته وسلاحه فأنجو بجلدي إلى حين انتهاء المعركة... وإن كان لا أرى سبيلا لانتهائها إذا نشبت... فهذا كله سؤال وذاك كله جواب... ومتى انتهى السؤال؟؟ ومتى انتهى الجواب؟؟...وإذا تعانق فيضان السؤال وفيضان الجواب على مائدتهما... فتسونامي لا محالة قادم...

رغم أن سلاحه ليس أقل فتكا بأعصابي لكن لا حيلة لي ولا مفر لي من اللجوء إلى صديقي لغز... صديقي المسالم الصامت الحكيم الذي ينثر الأسئلة العويصة التي تعقد خلايا المخ دون أن تنطق شفتاه بكلمة واحدة... دفنت رأسي في الأرض وألقيت في وجهه بعد التحية مباشرة:
ـ صديقي مستنزف استنزف عقلي وجيبي، حيث دلفت التحق بي، وما من ركن في مقاهي مدينتنا اندسست فيه إلا وشمم رائحتي، وما من مطعم ولجته إلا وكان بجانبي، وما من موضوع جرى على لساني إلا وامتصه من فمي وعجنه وعلكه كما يحلو له وأبدا لي عبقريته الفطرية التي لم يفض مجلسنا يوما إلا وذكرني بها كأن العبقرية تفرض ولا تصبغ.. وإذا أبديت رأيي في أمر فتك به وأشار علي بحكمته.. من سكر اسكر معه، ومن صلى صل معه، وإذا تلألأت لك المصلحة سخن يديك بالتصفيق حتى وإن كان الخطاب نهيقا، واجر مع تيار الرياح حتى لا تجرفك... واليوم الذي يريحني فيه من هذيانه يشبكني بالقلم والورق لأكتب له رسائله الغرامية ورسائل التملق لأسياده.. ويمضي مفتخرا يكشف لي عن قدرته الخارقة في استمالة الرؤوس العالقة في السماء، وحنكته الخرافية في التحليل والتأويل وكسر شوكة العباقرة، ومهارته البالغة في اصطياد الحواءات كأن حواء اليوم غزال يستدرج بالحيل والغزل إلى الشباك.. فأتذرع بأي شيء كي أمضي لأنجو بسلامة عقلي تاركا له المقهى والقهوة والصرف...

ببرودة الطبيب الحكيم المتمكن من أدواته ومفعول دوائه صب في أذني اللتين نصبتهما جيدا لاحتواء الوصفة:
 الحل سهل للغاية وفي متناول يديك
 لا تنصحني بالهروب.. له بوصلة بيولوجية تلتقط مكاني. فحيث آويت داهمني. وإذا استحال عليه العثور علي في النهار تلقف أثري في الليل فبات معي وأيقظ مضجعي وفتك بما تبقى من رأسمالي.. وإذا أبديت ضجري اشتعل لسانه بما لا يخطر على بال ليثبت لي أنه موسوعة فأتوسع وأفسح له المكان بما ازدحم
 الهروب لا يحل المشكلة أبدا
 وهل يترك للحديث أو المواجهة واجهة؟...
 أعلم هؤلاء الأصناف المتطفلين الذين يمتطون الهواء ويقتاتون من الطيبة والغفلة فهم بحيث ليس هم لا في العير ولا في النفير ابتدعوا طريق ادعاء الموسوعة العلمية للظهور.. هم إفرازات العولمة والفضائيات المتعرية والثقافات المهترئة.. فحيث مال الهواء مالوا.. وحيث بدت لهم الفريسة كشروا وانقضوا... وحيث تلألأت لهم المصلحة هبوا..لا تقلق.. جرعتان كفيلتان بأن تزيح من طريقك صديقك مستنزف.. فإن لم تنفع الجرعة الأولى فجرب الجرعة الثانية بعد يومين أو ثلاثة...
 كل شيء إلا السم والقتل يا صديقي...
 دوائي سم يذيب المنتهزين الانتهازيين ويزيحهم من الطريق ولا يقتل ولا يجرم
 شوشت بالي.. هيا أفت علي فإني أرغب أن أتخلص منه اليوم قبل الغد..
 ارم عليه القرض أو اقرض له مبلغا من النقود فإن اعترض طريقك ثانية فتعالى وادفني حيا...

أحكمت القبض على الدواء ومضيت أجري وحذائي في يدي...

ما كدت أستوي على مقعدي في المقهى حتى دلف ناحيتي صديقي مستنزف كما عادته دائما... فهو يستحيل أن يسبقني إلى المقهى أو تسبق يده لتلمس يد النادل الممدودة... سحب إليه الكرسي ومضى يلعن زمن السطو والقرصنة وطمس الحقائق... حدجته بنظرة شرسة فرفع صوته ليسمع من حوله من الرواد قائلا:
 لقد تناطحت الليلة مع غوغل وكدت أن أصرعه لولا أن اعترف لي بأنه عربي الأصل..
 غوغل عربي الأصل؟؟؟؟ اللهم طولك يا روح...
 علينا أن نعجل باسترجاعه واحتكار ثروته المعلوماتية واستثمارها لصالح وطننا الكبير... أنت بروح قوميتك وشاعريتك قد تحقق المراد من أول خطاب وترد إلينا بضاعتنا ومعها فوائد سنوات الاستغلال.. فتتصدر قائمة الأثرياء والمشهورين وأنت لم تبرح زاويتك... قل لي كم ستدفع إذا زودتك بالقرائن والأدلة التي ستعزز بها وثيقة المطالبة باسترداد غوغلنا الطيب الوديع...؟؟؟
 ــــــــــــــــــــــ
 غوغل هو الاسم المدلل للغول فقد تحضر وعدل على أسلوب الفتك بالبشر والحيوان بأسلوب العلم وتحري الحقائق..إلا أنه رغم الرفاه والبحبحة التي ينعم فيها يختنق في يدهم وفي اللباس الذي خلعوه عليه لطمس هويته العربية.. أصيل والله غوغلنا الحبيب... ولكن لا تغرنك عبقريته فقد اكتشفت الليلة حقيقته بعدما كدت أن أصرعه.. فما هو غير السي شهريار... زوجته غوغلة ـ الاسم المدلل لغولتنا الحبيبة ـ هي التي تزوده بأطنان من المعلومات. تغذيه في كل ليلة بقناطر من الأخبار فيضحك على بعضها ويبكي لغيرها. وقد بكى وضحك لما نقلته إليه بأن المرأة الموظفة في إحدى أصقاع عالم اليوم حتى يجوز لها الخلوة بها عليها أن ترضع زميلها في العمل. فقال للغوغلة بأنه سيرتكب كل الحماقات ليستقيل من منصبه ويترأس الوظيفة العمومية كي يشطف كل الأثداء وطالبها بأن تساعده بحنكتها ودهائها قائلا مجاملا إياها: "وراء كل رجل عظيم امرأة". فاشتعلت غوغلة غضبا وغيرة وصفعته برد أسقطه أرضا:" وراء كل امرأة عظيمة ظل رجل". وأقسمت من لحظتها بأن تسخر كل دهائها وكيدها لتشغله بالأخبار ما صح منها وما كذب حتى يضمحل عوده فتكشف عن حقيقتها وحقيقة شهريار المتقاعس عن كل شيء إلا الصراخ والشهوة الجنسية كأنها تصب في جوفه أطنانا من "الفياجرا" وليس أطنانا من الأخبار...

رمقت النادل فقمت أقلب في جيوبي، وكانت فاتورة اليوم ثقيلة ثقل الحدوتة على نفسي، فوشوشت في أذن صديقي مستنزف بأني أفلست ولمحت للنادل بأن يناوله الفاتورة ليدفع بدلي. فهمهم صديقي وتلعثم وتبدد اكتشافه على لسانه وقام يقلب في جيوبه ورجلاه تتأخران في خطوات جبارة إلى أن انسحب كلية من المقهى وتبخر..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى