الجمعة ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

فوبيـا المازوشي

إسماعيل واري ـ المغرب

خلع الليل رداءه، وأوجس منه خيفة، قال له لا تخف، أما زلت تريد أن تلتصق بتلابيب أمك كلما جن المساء، رَجْعٌ عليك صعب أن تعيد كل ما خبا في متاهات ذاكرتك. وأنت تحاول أن ترتب أشياءك، زمن طويل يمر، وهي تسْرَدُ داخله، لكنك تسترجعها في أقل من ومضة البرق.
آه، كلا، خلته آمنا ولو لم يجد حضنا يرنو إليه- يساءل المساء- دخل فيه، وسواده منه، حلكة، تربد خلة نفسه، يعود ويدلف من الباب، سامقا، يشعل نور البيت، لكن لا يجد سوى الصمت، وَدَّ لو يحاكيه ويحاوره. ذهب الزمان، بكل لحظة سعيدة وافرة بالآمال والأحلام، قد كبر، وفر منه كل من كان من حوله. أصبح وحيدا كأجداث نخل في صحراء.

يجلس، يدخن ما تبقى من تبغ في غليونه، يمسك بيده ألبوم ذكرياته، وأخرى تسند رأسه، يقلب الصور، وهي تقلب فيه أوجاعا، لعل الزمن خال أنه نسى، يحاول لمس ما بقي في قعر نفسه أو ما فاض منها.

يرتب بعض الكلمات التي ما فتئ يعيدها، من تكرار نفسه، هكذا يجد بعض الأنس، أو قل بعض ما يسد به دقائق صمته ليعبر عن رغبة دفينة تلح عليه، كلما غفا إلى وحدته. صعب هذا المراس، أن تشعل وميض نفسك الذي خبا، أو أن تسترجع حرارته. قالها مرارا: ما يفيد العيش، وأنت تقلب مواجعك.
وحدة قاتلة، تجعلك تلقي بكل آهاتك بعيدا عن أحزانها. أن تحس بأن اليوم الذي انسلخ منك، نفسه هو غدا، تسترجعه بكل مواعيده الفارغة، وصخبه الفاتر، ولا تهل عليك أية نبسة، يمكن أن تعيد لك ما فقدته. يقلب ذاته عله يجد ما يعوض به بعض اللقيا التي يحن إليها كل يوم. دائما يحاول أن يحلم، ولو في اليقظة.

ما أقبح العمر في أرذله، يقول هكذا، لتنغيص ذاته. مازويشة، غريبة من فرادتها، يعدلها بأشبع الأوصاف التي انتهى من عدها، وأزلمها على عمره.
قل ما شئت، من أن تنعتني به. فكل ما تصفني به يحط من قدري، ويجعلني أتماهى عن من جفوني.

لا يجد ما يملي به فراغه، وهو في عقده الستيني، ماذا بقي له أن يفعله، تساؤلات قابلة للذوبان، والصياغة في شتى لبوسها، والتي تنطبق عليه.
ما يحز في نفسه، هو أنه لا يجد من يتفقده، غريب في مظهره وحلمه، لا يشبهه أي شيء، كما أن أي شيء لا ينطال عليه، بقي له ملاذ وحيد، الخلود إلى النوم الأبدي. ربما يحيا ليعيد حياته المنشطرة، أو يصبح في كفن يشتاق إليه للخلاص.

إسماعيل واري ـ المغرب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى