الاثنين ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

ورحل مع النجوم

حمزة البوزيدي

أشاح بوجهه لجهة الغرب، لعله يدرك الشمس قبل اختفائها، رآها من بعيد وقد غاص بعضها في قمة الجبل هناك... تملى فيها... وفي أشعتها الهاربة، من ظلام أخذ يكتنف مدينته الصغيرة.

جال بخاطره كل شيء ومرت أمامه سنوات عمره وكأنها إعلا ن لفيلم تراجيدي مشرف على نهاية فترة عرضه...كانت تلك عادته منذ مدة....عشق مشاهدة غروب الشمس ولحظات مطاردة الظلام للنور...كانت قد غاصت تماما ولم يبقى منها الا بقايا من أشعة محتضرة ، أطلق ساقيه للريح وبدأ يهرول وكأن شيئا ما يطارده....

أضواء المدينة تقترب شيئا فشيئا ... هو يعبر حقول قد بدأ التصحر في التهامها...
المدينة لا زالت كما هي ضوضاء وضجيج يتعالى، وسيارات وشاحنات، وجثث أدمية تتحرك بسرعة نحو وجهة غير معلومة.. لا أحد يلتفت ولا شخص يسأل .....جال بعينيه وكأنه يرى هذا الشارع لأول مرة... سلم على المتناثرين هنا وهناك....مرق الى داخل الزقاق....

 أين كنت ؟

 لا شيء تغير يا أبي ، كما العادة...

 ألن يصبح لك عقل يوما ، والله إنك أقرب الى الجنون منه الى الرجولة...لقد سئمت...

ضاع كلام الأب في الهواء وهو يصعد السلم منصتا فقط لآهاته التي تتصاعد حارة من كل عرق نابض فيه....

دخل غرفته ويمم النافذة ليدمن من جديد...

يتأمل النجوم، المتلألئ منها والخافت، ويمرق إلى ما وراء السواد الذي يلتحف الكون به. فتشطح به التأملات،رأى ذاته تصارع القلم ذات زمان.. لتخط أولى حروفها وتنثر أحاسيسها هنا وهناك، تذكر كيف كان الأمل عنوان صفحته التي سرعان ما طويت على كمد وحزن طويلين، رآها وهي تتذوق الموسيقى لأول مرة، تحاول أن تفك لغز الإنسانية وتصل إلى مغزى الحياة، تكتب طلاسمها بسواد ملطخ للبياض النقي....

هاهو الآن يعيد الكرة من جديد، حاول فك لغز أكبر وأعقد بعدما فشل في فك الأول: لغز الموت البطيء الذي يبطن الحياة في لحظة من لحظاته.
مع آذان الفجر خط حروفه الأخيرة:

سنبقى الى الأبد

عناوين أخرى

لأزمنة ضائعة

وحروفا غير مشكلة

للمأساة القادمة

ذوات كفورة

لم ترض بقدرها

وانتحار إحساس

على حافة الضعف الأبدي

هب من سباته ليرحل مع النجوم التي اختفت تباعا مع انبلاج الصبح.

حمزة البوزيدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى