الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم سعاد جبر

القصة القصيرة ـ الميلاد والتساؤلات

ولدت القصة في كونها الجميل ولكن لا أحد يمكن له تحديد كنه جغرافية الرحم الذي نبتت فيه وانطلقت في ربوعه ورودها الأولى
وذلك لالتصاقها بمادة الحكي المنبعثة من أعماق الإنسانية في هيئة سفارة التواصل اللغوي بين الناس.

والمستقرئ لأصول نشأتها يلحظ ظاهرة تأثر الحضارات وانفتاحها على بعضها البعض وتلونها بأطياف بعضها البعض في رحلة الحضارات وما حملت في أحشائها من أنشطة إنسانية شتى ومنها عوالم القصة والأساطير التي حفلت بها المخيلة الحالمة في تراثها الأدبي

ويبرز في رحلة البحاثة الموضوعي في هذا الصدد على وجه الخصوص اثر التراث الأدبي العربي العريق في المجال القصصي في وضع بصماته اللامعة ولمساته في الشخصيات والأحداث في رحلة القصة الحضارية إذ سكبت مادة الأصل العربية في قوالب متجددة في قصص الأمم الأخرى لكن بقيت في عبقها نكهة عطر القصة العربية في أصالتها وأطياف أجوائها

لذا لا مجال لإغفال اثر التراث الأدبي العربي في إثارة ظاهرة الاستلهام عند كتاب القصة الغربية لذا جاء السبك القصصي عندهم يعبر في أعماقه عن جذور القصة العربية والمحاكاة لها والاستلهام الممتد لشخصياتها لذا " يثير موضوع ((القصة في الأدب العربي)) قضية فاعلية هذه القصة ودورها في تطور فن القص، ليس على مستوى الأدب العربي، فحسب، وانما على مستوى الأدب العالمي أيضا. ويعط‏ي بعض الباحثين القصة العربية، على هذا المستوى، دورا أساسيا، فيرى المستشرق ميكائيل ((أن أوروبا مدينة بقصصها للعرب)). ويرى المستشرق ((البارون كارادفو))، في بحثه المطول في الحكايات العربية((انه لم يسبق الأدب العربي أي أدب آخر في نوع الأقاصيص ومن الأمثلة التي يقدمها الباحثون، في هذا الصدد، ما ينقله موسى سليمان إلى ما يقتبسه عن جب قوله: ((ولم يقف إعجاب الأوروبيين بألف ليلة وليلة عند هذا الحد، بل قام رجال التربية فيهم يعملون على جمع الحكايات الطريفة في حوادثها، الشيقة في مفاجأتها،المليئة بألوان الشرق، تلك الحكايات الخصبة الخيال التي توافق روح الأحداث، فطبعوها على عدة طبعات جميلة ووضعوها بين أيدي أحداثهم وطلاب
مدارسهم

وإذ ندرك تأثير هذه القصص في الأجيال الجديدة نستطيع تقدير دورها في تطور فن القص الأوروبي الذي عرف، في مرحلة تالية،. ولم يقتصر التأثير على ((ألف ليلة وليلة))، وانما تعداه إلى كتب أخرى، مثل ((كليلة ودمنة)) التي تركت آثرا واضحا في الأدب
الغربي. فهناك آثار لاتينية كثيرة وتراجم إنكليزية متعددة، كما يقول جب ((استمدت من هذا الكتاب، فاستفاد منها كتاب الغرب وشعراؤه وقصصيوه، وفي مقدمتهم: ماسنجر الإنكليزي ولافونتين الفرنسي.

وقد أشار مؤرخو الأدب الأسباني إلى إمكان تأثير فن المقامات العربية في مولد فن جديد، في الادب الأسباني، المعروف باسم القصة البيكارسية. وهو تعبير تصعب ترجمته بدقة، وان كان اقرب ما يقابله بالعربية‏هو قصص
الشطار ، والنماذج في هذا المجال متعددة وليس المجال هنا حصرها؛و إنما ذكرت لغاية الاستشهاد فقط وهذه النماذج تعكس عمق الأثر الذي تركته التراث الأدبي العربي في القصة الغربية في جميع أبعادها وسبك أحداثها وسمات شخصياتها

وذلك يعود لأصالة القصة العربية في رحلتها الحضارية الطويلة إذ عكست أصالة القيم العربية ودفئ العاطفة وكان في معييتها استصحاب جذور التاريخ في معية شخصياتها الآخاذه والمنبعثه من وحي المخيلة العاشقة لأصالة الماضي وفروسيته الآلقة ورسالة تبليغ القيم وترسيبها في التحام جميل في السبك القصصي
والنماذج في ذلك متعددة ومتلاحمة في إبراز أصالة القيمة وعزة الماضي وترفيه النفس وبث العبرة التربوية

وفي محطات استقراء ميلاد القصة الحديثة عبر رحلة التتبع التاريخي يلحظ الباحث تشكل ذلك الجنين الجديد وخروجه للوجود في الأجواء الأوروبية عينا وقلبا فكان مرتعه وارتقاءه المشبع في الوجود الصحفي وزواياه الممتدة فأمتد قلم ذلك المولود الطائر الجديد القديم ليرتقي في أجنحته ويكون له صولات وجولات في الأجواء العربية فأكتسب أصالة النكهة وارتقي في سلالم الإبداع الأدبي والانطلاق المتسارع في جماليات العرض وجوهر فكرة الرسالة فكان أن انطلق من رحم تلك الأجواء صورة أصيلة للقصة العربية القصيرة في انطلاقة تنافس فيها القصة الأم في ميلادها الغربي وتمدد أغصانها في الأجواء بثبات ورسوخ وتطلع ذكي فطن في مسيرة الإبداع الأدبي وما زالت تمضي في ذلك الدرب نحو نبل الغايات الساكنة في رسالة الأدب ونبل الأفكار


مشاركة منتدى

  • أنتهز الفرصة لأشكر أولا القائمين على هذا الموقع وبالأخص الأديب عادل سالم
    وثانيا لأشكر المبدعة سعاد جبر ولأقول لها المزيد والمزيد من هذه الدراسات فكل ما تقومين به من أبحاث هو مميز وينم عن عمق ومتابعة حقيقة وجادة ومفيدة .. وأحتفظ بكتابتك في أرشيفي
    د.أسد محمد

    • بدءا ازجي باقة ورد معبقة بالياسمين للقائمين علىالموقع وبالأخص الأديب المبدع عادل سالم ، على جهوده الأعلامية والثقافية في بث رسالة الوطن وثقافة الحرية

      وكل تحايا الورد المتناثر دراً ندياً في عبير التواصل لك استاذي الفاضل د. اسد محمد

      وكل ماس الشكر والتقدير لك على طيب ثنائك العطر والق اطرائك اللطيف

      وتشرفت مشاركتي المتواضعة بردك المشرق في سماءات الإبداع

      واعتز جدا بقلمك العذب الجياش المنساب جمالا في ذكاء الفكرة وموكب التصوير الرائق وتدفق العاطفة ، التي يتحسس القارئ عذوبتها وهديرها البحري في نصوصك الأبداعية فضلا عن تفرد قلمك القصصي في مجال شيفرات التوجيه ونكهة المسارات والق لغة التعبيرفي انشطاراتها الأبداعية المتوهجة اشراقا في النص ، والتي تنكسر خطوطها الضوئية عند منعطفات حادة في البنية النصية المشفرة في النص .

      وعوالم السياحة في حرفك المبدع لاتنتهي

      فلك مني كل تحايا التقدير ودام ابداعك نضرا مشرقا على بساتين الأبداع السندسية في مداد لاينتهي

      اختك / سعاد جبر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى