الخميس ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم رافع رشيد أبو رحمة

إجازة حرب

عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الأعمال بالنيات، وإن لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه "

لأن كل تجربة بعد الجسر مُرّة ولها طعم التراب، ولأن الوطن ما كان يوماً حقيبة ونحن ليسنا بمسافرين.. يعترينا الخوف كلما حاولنا أن نتزين بحلية على شكل تفسير من تفاسير حديث عمر رضي الله عنه. لنشكل ذاتنا وأرواحنا بتناسق فطري ولنكون على أهبة الإستعداد للقاء الأمكنة. فما تتركه قضايا الإيمان والإعتقاد من أثر _ حتى على شكل الطبيعة _ يُحيل هذه البسيطة إلى أطلس مخروطيّ الشكل، أو أنه يقلب معايير التحرير على الورق الأبيض فيجعل الهامش هو الكُلّ، لينزلق النص ما بين الفكرة الموؤدة وما بين ثنايا القلب المضرّج بفنون الغربة. فأنّى للفلسطيني الحالم أن يتلمس وجه الهجرة، ومتى تُعيره الكلمات تعريفاً مسلحاً ليفرض به سلطته الفعلية على أغراض هجرته، وكيف للقلب أن يخفق صعوداً وهبوطاً بتناغم صحيّ مع إقلاع رحلات الطيران (من _ إلى) طالما أن الإحداثيات كلها خارج حدود القلب ذاته.

يقتلنا التعب من انتظار اللاشيء، تصيبنا حكّة بلون الدم يتبعها ظمأ في اللغة وتشقق بلسان الحال، فنطلب من الشوق إجازة لنتساءل: أليس من حق المحارب في استراحة إسمها (الحدس) تمنحنا حق التجول بين شتل المرمية العشوائي والزعتر البري قبل أن نبدأ لقاء العشق مع التين والزيتون وورق الدوالي ؟ فمن هنا نكاد نَشمُّ رائحة البرتقال، ومن على تلك الهضبة يكون النص أكثر أدلجة بين أحزاب المعارضة، ومن ذلك النبع تتدفق علاقة الهيدروجين بالأوكسجين بشكل أكثر حميمية، فعلى بعد أمتار من جُلّق دم الشهداء يعلن ماهية الحياة، وتبادل إطلاق النار يؤجج النشوة ببث حيّ ومباشر دون الحاجة لأن ننتظر مجازفة (وليد العمري) لينقل لنا صورة ما نحس به أو ما نتمناه فعلاً

فالقلب يعي الواقع تماماً... القلب يحصي الأسرى والجرحى، يعرف وجوه الأعداء، يحتفظ بوثيقة الأنوروا كدليل على شخص الضحية، يعرف أسماء المدن المحتلة، يثق بالمعنى المستحدث للإرهاب، يحب أشكال المقاومة بمنأى عن أركان الوضوء، ويروي لأطفاله قصة (أُكلت يوم أُُكل الثور الأبيض) كل يوم قبل النوم، القلب يَنظر، يَزأر، يَغضب، يَبكي، يَضحك، يَتألم، يَنزف، يُعلن، يَخشى، يَرتبك، يَخجل، القلب تحمرّ وجنتاه حين يحلم بأن عَلم جامعة الدول العربية يرتفع صباحاً في المدارس الحكومية على لحن نشيد بلاد العُرب أوطاني.... تضع الحرب أوزارها لتعلن أن تغيراً جديداً في علم الأنواء قد أحدثته العولمة في تعاقب الهدوء والإعصار.. ولتعلن أيضاً إنتهاء الإجازة وضرورة العودة إلى ما قبل الحدس.

فما أكبر الفكرة...

ما أعظم الثورة...

ما أصغر الدولة...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى