السبت ١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم زياد يوسف صيدم

شيطان فاطمة

خرج لتوه من مركز البريد القريب منه بعد أن دفع فاتورة الكهرباء والماء وإذ بها تبكى بنبرات صوتها المرتبك الفاضح لأرقها ومعاناتها فهوأقرب بالنحيب منه إلى البكاء...كانت هناك واقفة على مقربة من المبنى على طرف الطريق. تضع يدها على عينيها وقد أمسكت بطرف منديلها الملون كفستانها المزركش الذي أحاط بجسدها الأسمر الداكن الملتف باكتناز وطول مميز لإفريقيات جلبهن الهروب من الفقر والصراعات التى لا تنتهي في أقطار العالم الثالث ورمت بهم أحلام مستحيلة في عالم لا يرحم ولكنه أقل قهرا وأكثر أمنا من هناك حيث أقسمت الشعوب أن تبقى رهينة للبطش والتخلف والثارات على حساب تقدمها وازدهارها؟ والاستكانة لجلادين وسماسرة يقولوا بأنهم وجدوهم فجأة يحكمون؟؟!!!...

كان بكائها مسموعا فما كان من صاحبنا بطبعه المعتاد من الوداعة والتسامح وحب مساعدة الآخرين حيث يحس الغربة وآلامها وقسوتها فهي الشعور القوى بالشراكة التى توحد المشاعر في قلبه النابض بشوق وحنين للعودة للديار آملا في تغيير للمفاهيم الباطلة الخاطئة حيث تكاد أن تصبح تراثا أوموروثا كاذبا يحل مكان قيم الخير والحب والجمال.... وهى ما تزال تغطى وجهها خجلا من الموقف وقف أمامها وسألها ما بك يا فتاة هل من مساعدة؟ رفعت رأسها قائلة ماذا تريد منى! أجاب أنت تبكى وانأ أحاول تقديم المساعدة إن أمكن فكما يبدولي أنك غريبة عن هنا في هذا البلد مثلى تماما فالتفتت إليه بعينيها الصغيرتان نسبيا وخدود وجنتيها الناعمة المنتفخة ودقة أنفها واكتناز شفتيها التى تحيط بفم صغير وبغرة منكوشة لشعرها الخشن الأسود من مقدمة منديلها ولونها الأسمر الداكن كقطع الليل حين يغيب القمر...لقد سرقوا منى حقيبتي وليس معي ثمن عودتي للمنزل فابتسم وقال هل استطيع دفعها لك وهل يلزمك أكثر فأجابت لا وشكرته وهمت بالتحرك ولكنها سألته أين محطة المتروفقد فقدت تركيزها فأشار بإصبع يده ها هي هناك قريبة وأنا ذاهب أيضا إليها فهي محطتي الوحيدة اليومية.... وكانت ترخى سمعها إلى آخر جملة تفوه بها وفى طريقهما إلى المتروعرف بان اسمها فاطمة من الصومال وعلمت بأن اسمه بلال يسكن مجاورا للمحطة نزلا معا وذهب كل واحد في اتجاه معاكس وبإشارة من يدها ودعته ولم يرد عليها لأنه لم ينتبه ولم يتوقف كثيرا عند هذا المشهد العادي فلم يعرها أي اهتمام وقد نسى الموقف للحظة مع زحام المنتظرين وزحام أفكاره ومشاغله اليومية وهى ما تزال ترقبه على الجهة المقابلة بعينيها حتى غاب.......

لم يمر أسبوع على فاطمة حتى كانت بانتظاره على مخرج محطة المتروالأرضي وقد اتكأت على شجرة مقابلة بانتظاره ويعلم الله كم من الوقت وهى على هذا الحال حتى خرج بلال مسرعا ومن خلفه يسمع صوتا ينادى باسمه فيلتفت وإذا هي فاطمة تحمل كيسا تفوح منه رائحة طعام شهى.. فقبل أن يتلفظ بأي حرف والذهول والتعجب في عينيه قالت تفضل هذا من دار أختي صنعناه سويا اليوم وتذكرتك لتشاركنا أكله فأجابها يا فاطمة ولماذا هذا الجهد فانا عملت أقل من الواجب تجاهك..أجابت أنت ساعدتني وكنت رحيما معي فابتسم وقال إذا لنأكله سويا ما رأيك فبيتي هنا قريبا فأجابت اقتراح سليم فعرج على بقالة أسفل العمارة واشترى زجاجة كولا وقليلا من الخبز وبعض من الجبن بالبكتيريا الحلوة الذي يفضله وصعدا إلى البيت فتح باب الشقة واتجهت فاطمة فورا إلى طاولة السفرة في نهاية الصالة ووضعت ما بيدها وقالت لنفتح ورق السيل وفان معا..انظر هل تعرف ما هذا؟؟...فضحك من قلبه وأجابها بصوت مرتفع وفرحة في عينيه لا توصف هذه قطع السامبوسك المقلي برائحة لحم وبصل وفلفل حار شهي فقلت نعم وهومن صنعي وأختي اليوم فانا اسكن معها وقد أعلمتها بالأمر فقررت عمل ذلك خصيصا ومكافئة لك..كان السمبوسك شهيا فقد تذكره منذ سنوات خلت وتذكر الأهل والأسرة وخاصة والدته رحمها الله وعلى طاولة السفرة كان حديثها لا ينقطع أعيش مع أختي المتزوجة من بلدياتنا ومعها 3 أطفال والرابع على الطريق اعمل مربية في حضانة أطفال والحمد لله...كان وجهها نضرا هذه المرة فقد تغير إلى وضع مطمئن ناعم بسواده الداكن الجميل وبنعومته الظاهرة فلا بثور ولا تعاريج ودون شحوب كالمرة الأولى كانت تلبس فستان مزركشا وقد وضعت منديلا على رأسها تتناسق ألوانه مع فستانها...وعندما انتهيا من الغذاء شكرها على أطعم وجبة منذ زمن طويل بالنسبة له فهي أعادته إلى ذكرياته الجميلة هناك نحوالوطن والأهل والديار....ثم بدأت في غسل الصحون وترتيب المكان بينما هوانشغل في عمل القهوة وأشعل سيجارته وبانتهائها كان واقفا وهم أن يستأذن منها لأنه يجب إن يغادر إلى حيث مصالحه ففهمت ذلك من حركاته وقبل أن يطلب منها ذلك كانت واقفة تلقى عليه نظرات الاحترام الكامل له ولموقفه الشهم والمؤدب المتكرر تجاهها..!!

وهى على بوابة العمارة رمته بنظرات فيها نوع من الغرابة لم يستطع تمييزها فقد كانت مزيج وخليط من عدة أمور لم يجهد نفسه أبدا في تحليلها لاحقا.....ولكن كلمتها الأخيرة له بقولها إلى اللقاء أوقفته متفكرا في قصدها هذا.!! فالأجدر بها أن تقول مع السلامة ولكنه لم يعر كلمتها أي اهتمام ورد قائلا مع السلامة يا فاطمة وسلمى لي كثيرا على أختك وزوجها والأطفال جميعا.
وافترقا بعد عدة خطوات فقد ذهب هوإلى قضاء مواعيده المسبقة قريبا في المنطقة مشيا على الأقدام وذهبت هي باتجاه العودة إلى منزل أختها......

مر وقت ليس بالقليل وبينما هوعائد متأخرا في الليل إلى مسكنه سمع خطوات تتسارع إليه من خلفه وصوتا ينادى بلال...بلال التفت مذعورا وإذ بها فاطمة!! ماذا تفعلين هنا في وقت متأخر؟؟وقد غادر آخر متروإلى منطقة سكناك أجابت منذ 3 ساعات وأنا انتظرك فلم تكن في البيت فتألم وتأسف لها على الرغم من عدم معرفته بقدومها ولكنه أدب الحديث وسماحة معاملاته مع الغير فقال لها وما العمل الآن فضحكت قائلة أنا قدمت لأبيت عندك الليلة فقد تشاجرت مع زوج أختي في غيابها اليوم وهى ما تزال بعملها ولم تكن المرة الأولى!! وبدا على صوتها نبرات حزن وآسى عميقين فهي ما تزال تخفى أسرار ثقافات وعادات غريبة ومؤلمة بالرغم من كون الصومال دولة عربية مسلمة؟؟!!!!!كما شرحتها له لاحقا........

اصطحبها من يدها حيث أحس بجسمها يرتجف بردا من خلال برودة يدها نتيجة لساعات الانتظار فقد اقتربت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل وقبل أن يدخلا الشقة وحدهما هذه المرة كان الشيطان قد تسلل من بينهما خلسة ليسبقهما إلى غرفة نومه!!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى