الجمعة ٢٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم أسماء صالح الزهراني

فائض اللغة وفوضاها

كشعوب منغلقة تخاف الجديد أو لا تعرف كيف تتعامل مع المستجد الآتي من البعيد أو من الغرب، يقع كثير منا ضحية المسميات لأي شكل من أشكال التغيير أو التطوير وليس المفاهيم التي تحملها هذه المسميات. ولعل من أكثر نماذج هذه الظاهرة شيوعا هي إشكالية المصطلح وتوظيفه أوالتعاطي معه فهما وتحليلا. وقد ذكر الزميل عبد الله ناصر العتيبي في مقاله له في صحيفة الحياة الديموقراطية وسماها من باب خوفه أن يسبب المصطلح بذاته نوعا من الحساسية بغض النظر عن معناه، وقال ( مبدأ الاختيار). كما قرأت قبل فتره أثناء بحثي في مصطلحات الأدب السردي عن الواقعية بصفتها مدرسة أدبية وكان من ضمن ما وجدت من تعريفاتها ضمن سياقات علمية وبحثية أكاديمية أنها منهج عقدي ملحد وباطل وذلك اعتمادا على أحد سياقاتها التاريخية ، بينما قد تؤخذ في عرف نقد الأعمال الأدبية على محمل آخر وبعيد تماما.

إن الاعتماد على تجريد المسميات ، والتعامل معها مجردة من مستوى التداول ، يدخلنا في إشكالية صراع لا ينتهي يمكن تفاديه بمزيد من التوضيح والشفافية لهذه المسميات والمصطلحات، ويمكن ان يكون التعامل معها وهي في مستوى التداول حلا لهذه المعضلة ، ففي مستوى التداول تتعرض المصطلحات للتمحيص وللفحص الدقيق لكافة دلالاتها المختلفة والمتداخلة والتي لا يمكن فصل بعضها عن بعض ، وبذلك تسلم من امكانية توظيفها في غير محلها ، كأسلحة وأدوات لتعميق الفرقة بين الفئات ، أو لقهر فئات بعينها وتحجيمها ، سواء كان استخداما بريئا أو غير بريء ، واعيا أو لا واعيا . وليست الديموقراطية والواقعية ما دعياني لكتابة هذه المقالة، بل أن هناك مفاهيم أخرى يتم تداولها على نطاقات دينية وإجتماعية ويدور حولها كثير من اللغط والتجاذب مثل مصطلحات الليبرالية والأصولية والحداثة وقس ذلك على كثير غيرها أثناء تعاطينا مع مسميات في غير معانيها، ما يؤدي بنا إلى تزايد حدة الخلاف وعدم فهم الطرف الآخر الذي قد يكون قريبا جدا ، دون داع وبشكل غير واقعي تماما.

بتّ أشعر أننا في ظروف المرحلة الراهنة المعقدة ، ولكي نرتقي بفكرنا في سبيل قيام حضارة حقيقية وتمكين في الأرض ، وبالتالي خير الدار الآخرة، أننا بحاجة لتقريب كثير من الرؤى ووجهات النظر والأفكار والتركيز على معاني كل ما يواجهنا من مصطلحات وبالتالي محاولة اختيار معان دقيقة لما نحن بصدده، وعدم استخدام ما يهيج أي فئات في المجتمع لمجرد فوضى لغوية يمكن التحكم فيها . وفي الحقيقة أرى أن كثير من رؤانا هي أقرب للموائمة والتقارب منها إلى الاختلافات العميقة، حيث أن التلاعب بالمصطلحات، والتي تثير حساسية أي أطراف أخرى هي أكبر أسباب تزايد حجم الهوة بيننا كمجتمع واحد لم يكن يعرف حتى وقت قريب فرقة كالتي نعايش ، هذا إسلاموي وهذا ليبرالي ، هذا متطرف وهذا تغريبي ، إن تزاحم المصطلحات في مرحلتنا الراهنة ، على لسان المثقف والعامي ، يشكل ظاهرة غريبة ، لا أدري هل تعود إلى فائض لغة أم إلى فوضى ، أم إليهما معا .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى