الأربعاء ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٤
بقلم مهند عدنان صلاحات

حين يأتي عيد العشاق لن أذكرك

لا تستغربي بأني أكتب كلماتي هذا اليوم وشهر شباط الماضي قد هرب دون أن يقول لي شيئا أقوله لك....

ولا تستغربي كتابتي هذه الكلمات قبل أن يأتي موعد المدعو عيد العشاق الذي يرتكب في ذات اللحظة ملايين الجرائم بحق قصة عشقنا....

أنا لست بحاجة ليوم يذكرني فيك, كما ليس الجلاد بحاجة لميعاد ليمنع الماء والكهرباء عن زنزانة ذلك الفدائي الذي اعتقلوه على إثر محاولة لم يكن لها موعد ولا ذكرى تاريخية كعيد العشاق لتنفيذ عمليته البطولية ....

المهم أنني أذكرك, وهذا يعد سببا كافيا لان أكتب لك في كل لحظة دون حاجة لعيد عشاق .... وسبب كافي لأقدم المدعو عيد العشاق لمحكمة التاريخ بتهمة حجز الحرية للعشاق وتحديد رحلة عشقهم... والاستنابة عنهم في تحديد موقف يقفون فيه في شهر شباط.

إنه يحاول إيقاف السنة والثواني والأيام في هذا الرابع عشر من شباط المجنون....
إني اكره عيد العشاق لأني في لحظات أتخيل نفسي فيه قطا يحتفل في هذا اليوم وهذا الشهر فقط .... وأنساك بقية السنة كمخبر يبحث عن جريمة أخرى يرتكبها بحق براءة الأشياء البسيطة....

أحس في كل لحظة أني اقترفك بكل عنفواني الصباحي والمسائي.... أقترفك عمدا بدون ميعاد أو استئذان...

أدمنتك كقهوتي التي ليس لها موعد محدد....
أحدد الأشياء في ركن وزاوية من وقت , ففيروز التي تصاحب الصباح دوما أحددها بالفجر وطلوع الشمس , أحيانا تعلن تمردها في الشتاء فترتبط مع ظهور قطرات المطر ....

أدمنك مثل القلم الذي يصاحبني في جيبي أينما أذهب حتى دون أن يكون أداة للكتابة... ربما يكون لي فيه مأرب أخرى...

أشير به على شروق الشمس .... وأستثير خصمي بالنقاش فيه ... وأخاطبه حين أكون وحيدا .... أملي عليه صباحاتي وانفعالاتي المجنونة حين لا أجد من ينفعل معي في ذاتية الأشياء التي لا يراها البعض معقولة وتستحق الانفعال .... وهل شيء يستحق الانفعال أكثر من أن أرى هذا الوطن على شاشة تلفاز !!!
وأوهم بعض الأحيان المحاضر أني أتابع ما يقول وأني اكتب ما قاله من إملاءات يمليها دوما وقلمي وقتها ليس إلا أداة أحاول رسم عيناك على الورق في وقت حدده المحاضر لاستمع له وأكتب إملاءاته.....

لا أريد أن تكوني محاضرة أو حصة مدرسية أحبك فيها في شهر شباط ....
فشباط القطط اكرهه والرابع عشر منه أراه موعدا لإنجاب القطة فقط .......
إن حبي ليس بحاجة لشباط كي أقّبلك وكي أقبلك حبيبة.... وامسك يدك.... وأطير معك في الحلم .....

لست بحاجة لشباط لاقول لك أحبك..... فالحب مثل القمح نحتاجه في كل لحظة لنتم به وجبتنا الغذائية التي نحيا بها .... وماء الأيام الذي يملأ العطش ... سوى عطشي الحرية فلا يرويهم كل أبار ماء الحياة التي شربها الناس والتي بقيت في جوف الأرض ... والتي تملأ أباريق الفخار....
والحب كالواجب اليومي لطفل يعده كي لا يلقى عقاب مدرّسه .... وإني أعشقك في ذات اللحظة كي لا ألقى عقاب الأيام على لحظة مرت دون أن تكونين فيها شريكة أفكاري وأحلامي التي أمارسها في النوم واليقظة....

إن إدمان البعض لعيد العشاق كي يهدي لمن يحبه وردة حمراء جعل منهم كمن يقدم التحية العسكرية للجندي المجهول في ذكرى الهزيمة ......
وأنا اكره الهزيمة.... واكره أن تلك الأيام المحسوبة في تاريخ , فاصل زمني , أو فاصل عشقي كي أحبك بلا كلمات وأقلام .....

حين تصبحين واجبي اليومي المسلط كالضوء الباهر في عشق الأشياء الراعفة التي اعجز أحيانا عن وصفها لكثرة ما بها من خواطر وحروف ذائبة.... أحس أني ابحث في عينيك في كل الشهور كالبحر الثمل من حرية الأسماك التي منحتها هذه الطبيعة الحرية كي تتجول في داخله ......
هكذا أحس حبي في داخلي سمكة لا تمهلني أي لحظة كي تستأذن لتسير بداخلي وتسبح .....

لا تؤمن بنظام الجماعات البيئية ...... ولا تثق بقدرة حماة الطبيعة من حمايتها من بقعة زيت نفطية تطفو كسحابة مليئة بالظلام فوق الماء خلفتها ناقلة نفط أمريكية تسرق من العراق ثمن ما أسمته حرية الشعب من الدكتاتور والإمبراطور والديناصور .......
ولا تصدق أن بإمكاننا أن نكون أحرارا إلا ببقع الزيت المتسرب من نفطنا وهو بطريقه إلى أمريكا التي تعرف كل شيء إلا الحب والإنسان .... ويأتي الرابع من حزيران وارى أمريكا تحتفل معكم فيه .... كيف استطيع السماح لك وللعشاق الاحتفال مع دبابة ... مع جندي يغتصب الحضارة فوق نهر الفرات ؟؟؟؟؟

لا شيء في هذا الكون سيمنع شعرك ونسماتك من أن يطير في ريح نيسان حين يأتي ريح الربيع العابق بنسمات تمتد من اليمين إلى البحرين... تعبر القارات تحمل نسمات من زهرة نرجس في فلسطين.... تهدأ حين تصل بحر الإسكندرية تلقي التحية ..... تركض وتحمل رملا من صحراء ليبيا وتلقيها فوق شجرة زيتون في تونس .... تركض حتى الجزائر لتقوم بمعاملة جواز سفر على الحدود مرورا بالمغرب لتصل الصحراء الغربية.... تسلم الأمانة لثوار البوليساريو .....

رحلة حبي لن تحمل اثنان وعشرين جواز سفر حتى تستطيع أن تجوب هذا الوطن العربي الكبير المقسم ....

ستدخل مصرا كجيوش الفاتحين وتشعل منارة الإسكندرية لترين نورها دون أن يسألها مسؤول مؤسسة الموانئ عن علم الدولة الذي تحمله السفينة التي تنتظريها.... تعبر الخليج العربي وتسير نحو بلاد فارس ... تبحث عن الزعيم الوطني الإيراني مصدق، الذي أمم النفط وسعى لتحرير بلاده من اسر الهيمنة الأميركية.

تحمل قلما صحفيا تدخل السودان ... تفتش عمن قتل الأطفال في دافور وتحيل القضية لمحكمة الإنسانية....
شعرك سيطير إلى فلسطين يحمل حجرا مع أطفالها ويقف به أمام دبابة في غزة ... يشعر أنه في الخامسة عشرة من عمره....

يسير باتجاه نابلس وجنين وبيت لحم كي يعلموها صنع القنبلة اليدوية ....
سنسقط عيد العشاق مرة أخرة .. ونسقط عيد الاستقلال فبلادي ليست بحاجة ليوم لتعلن فيه حريتها...

حريتنا ........
سوف تدخل بابل تهديدها آلهة بابل جناحين للملائكة تطير بها فوق العالم ...
مرة كاتبة صحفية ... مرة محققة بوليسية ... مرة عاشقة أندلسية .... مرة كاتبة جزائرية ... مرة طالبة جامعية مصرية ... مرة فلاحة فلسطينية ... مرة تتقمص كل الأدوار....

لا تحتاج لميعاد حتى تتقمص الدور فهي تكره مثلي حزيران الهزيمة وشباط القطط وعيد العشاق المتهم في قفص الاتهام......
فهي ربما تغدو في عيد العشاق نيسان كي يأتي الربيع وتمتلأ الدنيا ورودا حمراء....
سأقتل هذا العيد كي أستطيع أن اسمي كل أيامي معك أعياد ....
سأغتال المحتفلين فيه بكاتم صوت في لندن ....

وأملا في ذاك اليوم كل الصحف إعلانات نعي بالعام القديم كي أملي الحزن الأممي المتقد في صدري على المحتفلين .....
سأسرق كل كلمات الحب من الأسواق كي لا يرددها العشاق الصغار على موائد نسائهم الصغار......
سأغتال الإنذار والساعة الثانية عشرة التي تدق في منتصف الليل معلنة مجيء الرابع عشر من شباط....

أشي بكل من يحاول الاحتفال بهذا العيد للسلطات المختصة باختطاف الأفراح في الدول العربية...

فهذا العيد يبدو ذو نبرة ليبرالية بالنسبة لي فإن أجهزة الإعلام تحتاج إلى موضوعات جديدة تجذب بها القارئ، وكثرة الأعياد تعني للشركات والتجار فرصا أكثر للبيع، ولهذا فإن عيد العشاق، ليس مناسبة للمحبين فحسب بل عيد للإعلام والتجارة أيضا يحمل كل معاني الليبرالية التي أكرهها....ا
حتفالهم
وسأبلغ سلطات الأمن في طهران التي أقفلت السنة الماضية كل المقاهي العامة ومحلات الزهور لتمنع الاحتفال بهذا العيد بتهمة الإساءة للإسلام....
سأعلن تضامني لاول مرة في التاريخ مع جهاز أمني يقتل فرحة الناس ليس تضامنا في قتل الفرح .....

إنما لان هذا العيد يسجن الفرح ويحصره بيوم واحد ..... وأنا أريد أن يستمر في صدورنا حتى وهم يقتلون العصافير في الجليل ......

وهم يغتالون الفنانين في لندن .....

وهم يعلنون منع نشر رواية قتل سقوط الإمام في مصر .....

وهم يمنعون الكاتب من كتابه كلماته من الخليج إلى المحيط ....

وهم يقتلون المحيط كي لا يصبح حدا لهذا الوطن الكبير .....

فهل أنت على استعداد للاحتفال معي في كل الذكريات التي تكون عيد عشقنا .....
_في لحظة عرفتك فيها ......
وفي لحظة أحببتك فيها ......
وفي لحظة مررت كالفراشة في بالي .......
وفي لحظة لم تمري ......
وفي لحظة مرت أم الشهداء من أمامي .....
وفي لحظة مر الشهيد مشيا في خاطري .......
وفي لحظة استعديت فيها للامتحان .....
وفي لحظة قدمت فيها الامتحان .........
وفي لحظة غسلت جدي من أثام الناس .....
وفي لحظة غسلني المطر من جنوني ......
وفي لحظات كانت كل الأيام وكل الساعات ....
احبك فيها ..... أحبك فيها بلا أعياد .....
كانت أعيادي لاحبك فيها دون جواز سفر للعشاق ....
فهاتي خنجرك وأطعني الرابع عشر من شباط إذ لم يزل فيه نفسا أخيرا وهو في حالة احتضار بعدما أفرغت طلقات مسدسي فيه .... لأعلن ميلاد حرية العشاق

10/8/2004
الثلاثاء


مشاركة منتدى

  • حين ياتي عيد العشاق لن اذكرك
    حقا انها رائعه تحياتي الك اخي محمد وانا رح عدلها واحاور فيها لتناسب عيد الاستقال بعد اذنك ورح نحكي مين الكاتب الاساسي في حفلة اختي تحياتي الحارة الك

    ساندي بل
    من فلسطين

  • المقاله جدا رائع ولكن لو تحولت الى العاميه ستصبح اجمل واحلى واشكرا جدا على المقاله الرائعه

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى