الخميس ٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم رامي نزيه أبو شهاب

الوجه

وجدت وجهي أخيرا أيها القارئ، لعلك أنت أيضا لم تكن تدري أن الوجوه تضيع وتتغير وتتلاشى، كما هو كل شيء على وجه هذه الأرض. في يوم ما، استيقظت وأنا أشعر بأن رأسي محتشد بمطارق تطرق في كل مكان من عقلي وخلاياي دون كلل أو ملل، توجهت إلى دورة المياه كي أضع رأسي تحت صنبور المياه الباردة، أتركه لمدة دقائق، لعل وعسى أن تصدأ هذه المطارق، وتهدأ قليلا. رفعت رأسي من تحت الماء، نظرت في المرآة كي أرثي وجهي البائس كما هو كل يوم، دهشت حين وجدت وجهي بلا وجه بلا ملامح، لم أكن أنا! كنت شيئا لا يشبه شيئا، لم أجد وصفا سوى أن أقول بأنني لم أكن أنا ولم أكن أحدا آخر.

ارتديت ملابسي وخرجت إلى الشارع، حين وصلت إلى نهاية السلم ألقيت تحية الصباح على بواب العمارة الذي نظر لي باستغراب على غير عادته، رد التحية دون أن يبدو أنه يعرف من أنا، مضيت في طريقي كما هو معتاد، وصلت إلى بائع القهوة المتنقل على عربته لشراء فنجان من القهوة، كما هو كل يوم، هو الآخر لم يعرفني، وتعامل معي كأي زبون جديد وبحياد وحذر وود تجاري لكسبي زبونا دائما، حملت فنجان قهوتي، ومضيت دون أن أقوم أن أبذل أدني جهد في الخوض حول كينونتي ووجودي والتعريف بنفسي، كانت دهشتي تتضاءل كلما واجهت أشخاصا أعرفهم ولم يعرفوني، مضيت إلى عملي كما كل يوم سالكا نفس الدرب. حين اقتربت من بوابة الشركة، لم يسمح لي رجل الأمن بالدخول، بحجة أنني لست من الموظفين، أخرجت له بطاقة تعريف العمل، نظر لها، وقال لي:

 أنت لست صاحب البطاقة، وجهك لا يطابق الصورة التي على البطاقة .

فكرت أن أشرح له، ولكني وجدت أنه من غير المجدي أن أقنعه بشيء سريالي حتى بالنسبة لي، كأن إحساسا باللاجدوى يتسرب لي كخيط نمل يسرق فتات طعام دون أذن عن مائدة المسيح، مضيت في الطريق لا شيء يشبهني سوى شوارع هذه المدينة، كل شيء فيها آخذ بالتغير، إنني غير قادر على قراءة أسماء شوارعها ومحلاتها وحتى نطقها، كنت أجد صعوبة في معرفة كل ذلك حتى سكان المدينة، أصبحت لا أفهم اللغة التي يتحدثون بها ، فقدت الاتصال مع كل شيء المكان والزمان واللغة، شعرت بأنني في حلم غريب، أحسست بخيط من العرق يتسرب أسفل ظهري ينساب ببطء إلى أسفل، اتكأت على عمود كهرباء وأمعنت النظر بما حولي، هل أنا الذي بت غريبا عنهم أم أنهم هم الغرباء؟

لم أجد أمامي سوى أن أذهب إلى المقبرة، فهناك سأتأكد أن هذه المدينة هي مدينتي ،هناك سأجد قبر جدي وجد جدي، وصلت إلى المقبرة وفتشت عن تلك القبور التي لطالما زرتها وألفتها، لكن لم أجد شيئا سوى قبور نقشت عليها لغة لم أفقه منها شيئا، أي رعب هذا الذي يجتاحني؟ ماذا عساي أن أفعل ؟ وكيف يمكن أن أعود إلى ما كنت عليه؟ أو كيف يعود هذا الجنون إلى صواب؟

حرت إيانا المجنون أنا أم هذه المدينة الملعونة، في النهاية قررت أن أعود إلى منزلي، مضيت بسرعة إلى منزل ما، أعتقدُ أنه منزلي، صعدت درجات السلم، فتحت باب الشقة ودلفت إلى غرفة ما، كان السرير ما زال محتفظا بالغطاء عليه دون ترتيب، يبدو أنه ما زال دافئا، انزلقت تحت الغطاء، أشعر ببرد وصقيع قارص، وضعت رأسي تحت الغطاء، غرقت بالعتمة، رائحة جثة محترقة ما تزال عالقة بالغطاء، حدقت بالعتمة جيدا، حينها أحسست بأني أرى وجهي للمرة الأولى و الأخيرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى