الخميس ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم محمد بروحو

قارب العبور

النهار مشمس. يغري بالمكوث داخل البحر مدة طويلة. أثار انتباهي حشد من الناس. تجوقوا حول مكان في الضفة الأخرى من النهر.

تتدلى رؤوس من فوق الأحجار الناتئة. يريد أصحابها استطلاع حدث، ربما كان قد وقع في تلك اللحظة.

في الضفة المقابلة، أقف منتظرا زورقا يجتاز بي النهر الفائض، بمياه البحر المالحة. هناك تتراءى رؤوس تتدافع، وأعناق تتطاول، هو شيء ما هناك يقبع بين شقوق الصخور.
في ثلم صخرة، كان يظهر جسم يتقوقع في ركن. يحوقل البعض، ويبسمل الآخرون. بالتدافع والتلاكم قد تفقأ عين، إن لم يأخذ صاحبها احتياطات زائدة، وهو يشق طريقه بين الجموع.

كنت كالآخرين، أتلهف لاستطلاع ما يحدث. أظنه مادة دسمة صالحة للنشر. لقد مرت شهور، لم أنشر ولو مقالا واحدا. اعتادت نفسي أن تشبع فضولها. من مثل هذه الأحداث. انتظر طويلا قدوم قارب العبور الذي تأخر كثيرا. فكرت أن أعبر المسافة سباحة، لكني أدركت أني لا أتوفر على مايوه السباحة.

يتأخر مركب العبور وأنا في لهفة وعجلة من أمري. بين الجموع، هناك من لا يهمه أمر هذه الجوقة الآدمية، بقدر ما يهمه شيء آخر.

شبح يتراءى هناك، يتحرك ثم يخلع ملابسه، ويرتمي في وهلة بين أحضان الماء. كنت أرقبه بفضول. عطش جسمه. الأسبقية للأبدان، يرددها وهو يرتمي وسط النهر. يتجه نحوي. استغلت فرصة اقترابه مني. سألته. لكنه تخطاني فابتعد عني.

أسمعت كلمات لموج البحر. يبتسم الموج وهو ينتشر على اتساع الشاطئ. صفقت المحارات حين لامسها.

ترتمي حبيبات الرمل فوق جسدي، تعانقه بشوق ثم تتفرق هاربة، عائدة إلى البحر. تداعب الشعيرات الصغيرة التي نبتت في جلدي، والتي تغير لونها من فرط لهيب الشمس.
تمددت لأغنم قسطا من قيلولة هذا اليوم المشمس والدافئ. ذبابة تحلق فوق وجهي، تحط كطائرة فوق شاربي. استدعتها الروائح العالقة به. رائحة السردين المشوي. كان غذائي حين مروري داخل ميناء المضيق.

الذبابة تداعب شاربي، تأخذ حقها من سمك السردين. أقفل عيني والذبابة لا زالت تطير ثم تنزل.

تحضر ذبابة ثانية ثم ثالثة، فسرب كامل بكل عدته. يتغوط على وجهي. حجبته بمنديل. بدأت أسمع أزيز الذباب وهو يتبادل أماكن النزول. أقلقني ذلك. ضيع علي لذة قيلولتي. تذكرت المبيد وما يفعله في الذباب، لو كان حاضرا معي الآن لرششته واسترحت.

كم هذه الحشرات قذرة.. ؟ بل القذارة مني آكل سمكا ولا أفكر في تنظيف فمي ويدي.
أعشق رائحة السردين، وأفضل أن تبق عالقة بي طوال الوقت.

يصل القارب وتنفك عقدة الانتظار. أركبه على عجل. أريد الوصول إلى الضفة الأخرى.

يقطع المسافة بين الضفتين وأنا أرقب المكان في تلهف. لم أجد هناك أحدا حين وصول القارب. هرولت نحو مكان الحادث، ولم أخذ كامل احتياطي.

تعثرت فسقطت بين الأحجار. لم أدر كم مر من الوقت وأنا مغما علي. بدأت أصيح و أستغيث.

بعد أن عدت لوعيي. كان حشد من الناس يجتمعون حول المكان يحوقلون ويبسملون. كنت أنظر إليهم وقد تطاولت أعناقهم وتدافعت رؤوسهم. تتدلى من فوق الأحجار تريد استكشاف ما يحدث.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى