الاثنين ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨

قد كان حب

بقلم: مجدي الرسام

هنا وفي هذه ِ الورقة البيضاء ..سأجعل من ْ القلم ِ نصلاً ومن التعابير دماً ؟! ..سأكتب بصدق ٍ لأجد ما يمتعني حقاً لأنني أشعر برغبة ٍ في حرية الكلمة ، نعم بهذا المعنى بالذات حرية الفرد .. حرية القلم ....

أدون أحلامي وأسجل ذكرياتي لأجعل شعوري نحو من أفضل صادقاً وبريئاً..

كل شئ أدونهُ وبحسن نية ..؟

أريد أن أكتب في طبيعة الحال عن أشياء يَدونها أي شخص عن الإنسانية وسمات الذات ، أقصد أشياء عَن منْ تحب وأن كان هذا الحُب وبكل صِفاته. أشياء وكلمات لها جاذبية وحَسية ..طمأنينة وسلام ..

بَعض الأشخاص يُعبرون عما في داخل نَفوسِهم ولكنهم أو ربما أغلبهم لا يعيّ بما يكتب ؟ فبَعضهم يَصيغ ُ الكلمات ولا يَستطيع فَهمها !

ولكن ؟..هَل كُنتُ أبْني العَواطف على الرمال ..بَل كنت أذوبُ كالشموع، كنت أتعلم ماهو أمتلاك الشئ، وليسَ فِقدانه.

لقد تعلمت في حياتي بأن الأمل شئٌ يَدفع بالإنسان إلى الطموح متناسياً فكرة ما يَخبئهُ القدر وتأنيبَ الضمير والشَغف الذي بِداخل القلب وما تحدهُ من أنسجةٍ وشرايين مَسجونة بداخل قفص ٍ مِن العظام، وكل تلك الأشياء التي تمدهُ بالحياة كان لها الفضل بأن تساعده على معرفة قوة الذات.

وتلك العُيون التي تفضَح صاحبها خاصة بَعد أن تكون مُستمدة القوة وعنصر الضَعف في نفس الوقت لشخص ٍ ما ؟ تعيشُ مَعهُ لحظات الطفولة والرجولة معاً. تجمعك بهِ وبكل من حولك صفات تهبك الإرادة وحُب العيش وتعُطيك ثمنٌ لكل شئ وكل ما تريدهُ وما َستفعله ؟ ولكنني طالما أقنعت نفسي عِدت مرات بأني سأجدُ معها الوطن، الأم، الحنان والتآلف ..جَعلتني أحس بكل ما حوليّ بصدقٍ، لقد منحتني البراءة بعيداً عن الخيال والحلم ..كُنت أبحث عن ضوء؛ عن أي شئ يغير مجرى حياتي، يذكري بصبايّ ..أنسانٌ خال ٍ من الدنسِ والمكر ؟ كانت كل تلك الصفات فيها ومِن اجلها دونت ناسياً أن المطر يزيل ما تنقشهُ يدايّ من أسماء على ورق الشجر .

 طالب في أحدى الجامعات يُسَيرهُ شارع واحد يُؤدي إلى مكان ٍ واحد ومجموعة أفرع يَجمعه موقف في كل صوب ! بعدها نصل الى البناية التي تظم الآلاف مِن البشر كلٌ يحمل معهُ همَومه وأحاسيَسه وأفكارهُ ..وبين الرواق هنالك أربَعة جُدران تحَدني كانت أشبهُ بالبيت، تتعالى فيه أصواتنا وضحكاتنا. نتبادل وجهات النظر وأمور السياسة مُتناسين أملنا في الوصول الى ما نطمح .

كان أخرون مِنا مشاكسون وآخرون لهم عُزلتهم الشَخصية؛ الكثير منا مجُهدون تغمرهم وتحطمهم تعاسة الزمنْ. أما البعض الأخر فيحاولون صَنع الابتسامة قدر ما يمكن كي لا يثيروا حساسية البعض. تجمعنا لوحة من الخشب. وبضعة أرقام ...

أما أوراقنا فكانت عبارة عن كلمات نكتبها لنملأ ...أو ربما لننجح لا لنتعلم. تلك الأوراق التي غالباً ما تخطئ فيها الأقلام ...وأيّ أقلام؟ مع إن الممِحاة كانت تزيل ما كتَبنا ..

كل ذلك جعلني أكون وحيداً كثير الصَمت والتأمل. والأيام تجرَي ونحنُ أسرع منا!

قصَتي بدأت هنا ...

أنا أجلس بجانب تلك الشَجرة لأرسم ...

رسمتُ مجموعة من خطوط مُركبة ..أحتارت أفكاري وتهات مفرداتي ؟ فرفعت رأسي حتى سقطت عيناي على شئ أشبهُ بالحلم كان وسط زحام الطلبة ، كانت مميزة جدا وقد أبدع الخالق فيها ؟ ثغر ٌ باسم ..عيون عسلية ..كأنها ملاااااااااااااااااااك ؟

شعرت بالتعرق والقشعريرة ..ضجَرت وكانت أصواتهم تتعالى وسط الضجيج. كنت أرسم وأنظر وكانت خطوطي شفافة باهتة.

وإذا بها تقتربُ مع ثلة من أصدقائي، ربما للتعرف ، شعرتُ بالتردد والخجل. كانت بيننا فوارق إجتماعية وأقتصادية فأنا لا أملك غير القلم ...؟

بدأت تقترب مني خطواتها حتى أصبحت أخر الصف مطاطاة رأسها وتنظر بأستحياء. وصل الجمعُ وقد سَعيتُ جاهداً لألملم حديثي ولا أثرثر وأن أجيب فقط ( لأن وضعي لا يسمح لي بان أكون مثلهم )

أنني حتى لا أكاد أميز الخبيث من الطيب بينهم ولا أستطيع تخمين ما يجول بخواطرهم. هل هذا دليل على رد فعلي أم هو إحراج. ام هو لإظهار الفقر الذي كان يلعب معي دوراً مميزا في البطولة. فقط أقنعتُ نفسي بان أكون معهم سواسية وأخيراً:- السلام عليكم يا حسن

( ألقى احدهم )

فأجبت:- وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته

وبعد الصول والجول في الكلام، بدأتُ القطعات بالأنسحاب وكان الأخوة متفقون على ذلك! فبقيت وحدها مع إحدى زميلاتي.

لا اعرف أكانت لعبة لإحراجي أم ....ماذا ؟

شعرت بهروب الكلمات وانا ادقق النظر حول أنامِلها الدقيقة وجهها الذي كالقمر، كانت صدفة عظيمة الشأن بالنسبة لمثلي كأنني بلا هوية، ضائع بين أحلامي المتكررة رغم ما لديّ من أمل.

وتذكرت بعض ما قرأت لـ " ستويفيسكي " في رسالته الأخيرة الشهيرة لأخيهِ " ميشيل ":-

لم تحطمني هذه المسرحية الفاشلة..ولم أفقد شجاعتي لحظة واحدة فالحياة أينما كانت، هي الحياة..وهي بداخلنا، سنكون في المنفى بين رجال مثلنا وان يكون المرء رجلاً بين الرجال وتظل الكلمات هكذا أبداً مهما أختلفت الظروف..فذلك هو المعنى الحقيقي للحياة .

الهدوء عم المكان ونحن الأن في أستراحة شبة طويلة حتى نصل الى المحاضرة الثالثة .

بعدها لم أتمكن من المبادرة في السؤال لأنني لا اعرف كيف ادخل الى بابها حتى بادرت صديقتي داليا ( من الطائفة المسيحية )
* حسن أود أن أعرفك على صديقتي الجديدة
* فأوجست في نفسي خيفة ؟ فقلت: لا بأس ..ما المشكلة

وأنا معها أتبادل النظرات الغير مستقرة والتي كانت تدل على الحيرة والإعجاب معاً.

داليا:- صديقتي رفل ؟ لمّ السكوت ألا تريد الحديث ؟

حسن:- اسمي حسن (26) طالب واعمل في المساء في إحدى المحال التجارية لبيع الأقمشة.

رفل: أنا رفل ( 25) طالبة تشرفت بك.

نهضت داليا وقالت بصوت أشبهُ بالمزاح: مادام الأمرُ كذلك فأسمحوا لي ؟

عمَ الصمت ثانية ولم أسمع سوى نبضات قلبي ودقات الساعة في يدي. ولم تبقى سوى نِصف ساعة على المحاضرة التالية

حسن: لماذا تودين التعرف بيّ

رفل: لأنك رسام وأنا أحب الرسم وسمعت من أصدقائك أنك موهوب وكنت أتمنى أن أتعرف على فنان في حياتي حتى لو كان هاوياً. كما أن لوحة التي علقت في لوحة الإعلانات كان لها الفضل في وصولي إليك كونها تعني الحرية والوحدة والكمال والتالف. ألا تجد بان هذا كافٍ لمعرفتك؟

حسن: إنها مِن الخيال ..وغالبا تستَهويني مثل تلك اللوحات

رفل: إنها روعة وفي غاية الجمال، ولكن هل لي بسؤال؟

حسن: نعم

رفل: هل أنت سني أم شيعي ؟

حسن: وضعتني في مفترق طرق؟ كان سؤالها محدد بلا أفرع ولا مجال للمراوغة. كان ترددي وخوفي كوني لا أجيد الخوض في هكذا أمور ولا أتحدث بها مع زملائي البتة

حسن: أنا ...شيعي

رفل: أنا سنية. كلنا مسلمين ويجمعنا نبي ٌ واحد وقبلة نصلي عليها وشهرٌ نصوم فيه وقرآن واحد نتمسك به .

حسن: بالطبع ( شعرتُ بالغثيان )

رفل: هل أنت متزوج

حسن: لا

رفل: لماذا ؟

حسن: لأنني لستُ مؤهلاً ماديا لذلك، كما إنني أعمل بعد الدراسة وقد ذكرت لك ذلك.

رفل: عن أذنك بقيت ربع ساعة عليّ الذهاب الى المحاضرة فأمامي طريق حتى أصل الى قسمي المجاور.

بعدها ببضع خطوات رجعت وهي تشير بإصبعها : صدقني يا حسن لا اكترث لكونك شيعي.

حسن: رفل دعَينا نبتَعد عن التحزب والحَديث الذي لا يجُدي نفعاً ..لنتحدث عن شئ أخر تصب منفعته للجميع.

رفل: لا أسفة لقد تأخرت عليّ الذهاب الأن، ربما سنلتقي في مناسبة أخرى أن شاء الله.

عن أذنك؟

مرت ساعات وأيام ..أسبوع يَليه أسبوع كانت كأنها زخةُ مطر ...شئ لا افهمه ؟!

بدأتُ أنتظر .. أنتظر يوما بعد يوم ؟

التقيَنا في حَفلةٍ صٍَغيرة ولكن هذهِ المَرة كانت مع مجَموعة مِنْ الأصدقاء ، أردتُ فيها أن أكون غامضاً مثلما فعَلت هيّ ولكِن ؟ أقترب مني أحد الأصدقاء وقدمني لِبعض الزملاء مِمن كانوا يَروُمون التعرف بيّ ؟

أقدم لكم زميلي حسن .

كان أحدهم حاول أن يستبق أقرانهُ بالسؤال وكأنه يَبحثُ عَن ثغرةٍ ما بعد أنْ سَمع بأسمي!

* أنت مِن الشيعة؟ ما قصتكمُ مع زواج المّتعة.
* فلمّ أجب؟
* فأجابهُ أحد الزُملاء، وأنتم ما قصِتكم مع الخِلافة.

وبدأ الجدال وأنا انظر حَولي بعيداً عن جدالهم وأستفزازهم ومعركتهم الكلامية التي لا تخرج إلا بضغينةٍ أو حقد ؟ إنهم يَعبثون بالتاريخ ولا يحضرون حتى مواقيت الصّلاة .فكيفَ بتأويلهم وتلاعبهم بالأحاديث المتناقلةِ والمتواترة وغيرها ؟ أقصد هنا إنني في حفل وليس في مناظرةٍ دينية ؟

أبتعدت عنهم حتى وجَدت صديقتي داليا فأشرتُ لها هامساً

* أين هي رفل، لمّ لم تحضر أحصل لها مكروه
* داليا: لا اعرف أنا أتصل بها منذ ليلة البارحة وهيَ لا ترد على مكالماتي ولا حتى على رسائلي.

أنتابني شعورٌ بالإحباط واليأس، خانتني كلماتي ولم أستطع البوُحَ لها. حتى شعرت داليا بالأمر .

وبَعد عدة أيام التقينا في باص ٍ فلم أستطع أن أكون قربها خوفاً عليها من نفسي ؟ لقد كانت لا تأبه لأي شخص وبالكاد كانت لا تعرفني .

لاحظتُ أنها مهمومة بعض الشئ واضعة يدها على خدِها متكئة على نافذة الباص شاردة الذهن مركزة ًعلى نقطةٍ واحدة رغم سُرعة الباص .( كان دليل على التفكير ) .

ثم التقينا بعدها في إحدى الطرق العامة ... كانت لا تنظرُ إلى الأمام ، بل مطأطأة رأسها دائماً ..

اتصلت عدة مرات بداليا ولم تجبني ؟ وكان هنالك حدث ما .

أحسستُ بأنني مُقرف أو فضولي ، تمالكتُ أعصابي وهدأت الى أنْ جاءت عطلة النصف الأول من الامتحانات ؟

بينما شعرتُ بفقدان النصف الأخر منْ عمري !

َمرت خمسة ُ أيام بالتحديد ؟ وفيها قررت المواجهة ومصارحتها بالأمر ناسياً من عائلة متوسطة الحال . فكرت بان يكون دخولي لموضع بان ارسمها بمخيلتي أقدمها كهدية بعدها سأتدرج بالحديث معها عليّ أجد وسيلة ما ........للوصل ؟

كنت انتهز الفرصة لأصارحها وكان أخر يوم قبل العُطلة حيث الشمس وسط السماء . حتى سنحت الفرصة لي

اقتربت منها ...وصلت حتى بلغت مسافة قريبة بيني وبينها ؟ فتحت الظرف وأخرجت اللوحة . وبعد أن رفعت عيناها رأتني . وكأنها لم تنتبه فتجاوزتني وذهبت بخطوات مسرعة . كانت رغبتي في اللحاق بها اشد ، لكنني توقفت لأنني شعرت بأنها في أزمة وهذا واضح في عينيها . كنت مجبراً بأن أترك الأمر برمته وانتبه الى نفسي واعرف من أنا ...

أتصلت بصَديقتي داليا سائلاً عن تفاصيل رفل ؟

داليا:- حسن رفل مِن عائلة ثرية وبيتهم في الزقاق الفلاني .

دَونتُ كل شئ بعد وصف داليا شعرت برغبة بالبكاء لان كل شئ كان بعيداً الى درجة مابين السماء والأرض . إنها كالنجمةِ البعَيدة بل أكثر ..أغلقت الهاتف .

ورسمت خطوط متقطعة ؟ أيقنتُ من خلالها بأن حسن لا يمكنه تجاوز الواقع وبين ما يعيشه مجتمعنا من تقاليد وقيم ليس من أجل إنها من طائفة ما أو ما شابه ؟ لا بالعكس بل كان الفرق الوحيد هو المال . وأنا لست من العوائل الباذخة ، لأنني أملك القلم فقط لأرسم واكتب وليّ فيه مآرب أخرى .

وبعد كل تلك الأيام التي مضت لم يفارقني وجهها قط ؟ كنت أراها في كل وجه يتبضع مني أو يشتريّ . إلى أن انتهت العطلة .

قررت أن أكون شخصاً جريئاً هذه المرة . التقينا كالعادة في باحة الجامعة مع الزملاء نتبادل التهاني والسؤال بعد نهاية الفصل .

وأخيراً التقيت بداليا كانت مبتهجة ً ؟

حسن كيف حالك وكيف حال الجميع

حسن: أنا بخير الحمد لله ؟ أجيبيني لو سمَحتِ أين رفل وما هي أخبارها .

داليا: سألتقي بها بعد الدوام ، سنذهب لنشتري بعض الأغراض للتحضير لعيد ميلادها الذي سيكون بعد غد .

داليا: على فكرة الجميع مدعو للحفل .

كانت داليا تحدد الأسماء بالدعوة ، لأنَ رفل كانت من كلية أخرى حتى جاء دوري .

داليا: حسن أنت أول الأشخاص المدعوُيين إياك أن تتخلف .

شعرتُ بالفرح وهذه هي اللحظة المناسبة لتقديم اللوحة كهدية من خلالها أستطيع تجاوز الحواجز لأستغل فرحها

ربما هذه المرة سأصيب !...

وافقت على الفور ...إنها فرصة سانحة .

تم تحضير كل شئ واتفق الجميع على أن نجتمع في مكان ٍ واحد للذهاب . حضرنا الى البيت الذي كان أشبهُ بالقصر ، كان كل شئ مختلفٌ عن سواه في المظهر والشكل.

حتى خرجت إحدى الجارات مناديا ً : أنهم ليسوا في المنزل إنهم خارج بغداد منذ ُ الصباح.

فسأل أحدنا: ألا تعرفين أين هم ؟ نحن مدعووُن إلى حفل في منزلهم إننا زملاء أبنتِهم في الجامعة وجئنا بناءاً على هذا .

أجابت الجارة : يا بني لا نعرف ماذا حصل .. وأغلقت الباب .

افترقنا كلٌ في طريقه ...

بقيت أنا وداليا في خط واحد حتى وصلنا نهايته

حسن: داليا رجاءاً كلميني ما لذي يحصل .

داليا: وَربَ يسوع لا اعرف أنني مثلك اجهل ما يحدث .

بعد يومين وجدت داليا وحيدة في المكتبة وهي تقلبُ كتاباً ولا تقرائه ؟

حسن : داليا لماذا لم تدخلي المحاضرة

داليا: حسن اتركني رجاءاً ، احتاج الى أن أختلي بنفسي قليلاً .

حسن: عيناك جاحظتين مالسبب ، بدأت أمازحها .

داليا: حسن اجلس لديّ خبر لك .

أحسستُ بثقل قدمايّ التي بالكاد حَملت ثقل جَسدي النحَيف ورجفت يدي وبدأت أحس بأن مكروه حصل لـ ...( لا سامح الله ) .

داليا ماذا حصل الأمر متعلقٌ برفل صح ؟

داليا: نعم

حسن: أجيبيني ماذا حصل أهي مريضة ؟

داليا: لا أبدا أنها بخير

حسن: إذاً

داليا: حسن لقد خَطف مُسلحون (أحمد ) وهم يطلبون الفدّية .

* ومن هو أحمد ؟
* إنه شقيقُ رفل الأصِغر

ُصعقتُ مِن شدة الخَبر ولمَ أركز على أفكاري ؟ لماذا يا ربي لماذا كلُ هذا العذاب ... كان حلماً ألا يتركني القدر حتى مَع الحلم متى أتخلص من هذا الحظ السئ ...

حَزنتُ كثيرا وابتعدت خارج أسوار الجامعة بحثاً عَن مكان ٍ هادئ أستطيعُ فيهِ جمع أفكاري المشتتة.

في صباح اليوم الثاني جلسنا والجميعُ على طاولة واحد نتناقش في الموضوع الذي كان فعلاً شنيعاً وعملاً يهدف الى الفرقة وتمزيق وحدة الصف . اتفقنا على أن نكون كلمة واحد ويدا واحدة

جلست مع داليا ...

داليا ما آخر أخبار رفل ؟ هل سيَعطون الفديّة لهم ، ومن هم ألا يستطيعون الإبلاغ عنهم .

داليا: إنهم جماعات مُسلحة تقتل وتخطف ، حسن أقفل الموضوع فدماغي لا يستوعب الفكرة إطلاقاً .

حسن: لا بد أن نجد طريقة ما لنخفف عن رفل ، يجب علينا أن نثبت لها إننا بكل ِما نحمله من اختلافات مذهبية أو طائفية أننا بعيدون كل البُعد عن تلك الأفكار والممارسات التي تقودنا إلى المهزلة .

داليا: صحيح ، هيا بنا نجمع الزملاء للذهاب

اتفقنا من جديد ولكن هذه المرة لمواساة رفل ، طرقنا الباب ففتحت لنا إحدى أقاربها ودعتنا للدخول .

حتى دخلت علينا شعرت بالسرور لاجتماعنا معاً

قالت: كيف حالكم شكرا على سؤالكم ... كيف حالك داليا ، وأنت يا حسن كيف حالك

* الحمد لله إننا معك وبأذن الله ستفرج
* إن شاء الله ، حسن لقد تذكرت كلامك عن الوحَدة والتآلف .
* لا بل أنتِ التي كنت ِ ذكية أكثر مما يجب

كنتُ أبحث عن شئ انظر أليه بعيدا عن وجهها ؟ لأنني شعرت بالعطف تجاهها .إضافة الى أن الأنظار بدأتُ تتجهُ نحوي فربما سيقولن بأنني جئت لشئ أخر .

حتى وقعت الواقعة، بدأ الجمَيعُ بالاتهامات وكل حسب ظنه

انهم شيعة، انهم سنة، انهم من الأكراد ليجبروننا على ترك الفيدرالية . و.و.و.و.و.و.و.الخ

حتى صاحت بنا رفل : كفى .. كفى ..كفى .. لا أتحمل أن يأكل بعضنا البعض، اخوتي لم نكن في الجامعة هكذا، هاكم انظروا الى الصور، أنا من كلية أخرى وغيري من قسم أخر. ما لذي حل بنا ..كانت تبكي بشدة وتمسك ببعض الوراق والصَور حتى ألقت بها بيننا قائلاً: بحق الله عليكم لا تدعوا لنا ثغرة .. اتركوني أثقُ بأحدكم .. دعوني لا أخافكم .. أمهلوني كي لا افقد صَبري .

أرحموني ... أرحموني ...

خرجنا بعد كل هذا يعمنا الصمت والكل يخجل من نفسه .

بعدها تركت الكلية عدة أيام لارتاح لقد تعبت من هذهِ المسرحية الفاشلة .. إلى متى ...

وبَعد مضي ثمانية أيام كلها وحيدا بائساً اجلس على نفس الشجَرة لأنقش بعض الأحرف .

مضت أيام وأيام وأسابيع ولا أحد يعرف أين هي رفل ؟ ولا أحد يتجرأ للذهاب الى منزلها بعد تلك الحادثة.

مضى شهر حتى لاحت رفل في الأفق. وأيُ رفل

كنت لا بالكاد اعرفها ...كانت بطئية الحركة نحيفة مرتدية السواد لا تأبه للطريق غير مراعية لمن حولها ...

وكانت برفقتها داليا ..وقد أنهال عليها جمهورٌ غفير من الطلبة كأنها سيدة لوزير ما، أو ممثلة لإحدى المنظمات ..؟

بَينما أنا كنت أنزويّ وحَدي أحُاكى القلم ...خانتني الشجَاعة في الذهاب ..أخذتُ نفساً عميقاً وبدأت نبَضَات قلبي بالخفقان

يا ترُى مالخبر ...ماذا هنالك ؟!

نظرت أليها من بعيد كانت صفراء اللون وهي تجلس بين الطلبة وتلوح بيدها كأنها فاقدة شيئاً ما ؟ كانَ لديّ إحساسُ غريب ومختلف بل مجهول ..

بدأت تبكي وتضعُ كِلتا يديها على وَجههَا ..

بدا الجميع بالتخلف عن الجلوس والانسحاب البطيء

أسرعتُ في الذهاب بعد رحيلها فمسكتُ بإحداهن وهي تشرح لزميلاتها ما سمعت .

نهلة ممكن سؤال ؟

* أهلاً حسن، تفضل

حسن: ماذا هنالك ، ما سرُ هذه التظاهرة

نهلة : تقصد رفل ، جاءت لتودع زملاءهاٍ إنها مسكينة لقد عثرت الشرطة قبل شهر على جثة أخيها ، مقطوع الرأس . وأهلها قرروا ترك بغداد والسفر خارجاً بينما هي ستترك الدراسة .

سقط مني كل شئ حتى محاضراتي ...أي حياة هذه ..أهكذا يقتل حلمي .. اهكذا ينتهي أملى ... مع الأسف حسن ؟!

نهلة هل قبضت الشرطة على العصابة ؟

نهلة: نعم كانوا من جنسياتٍ مختلفة أنهم غير عراقييّن

كانت تقول لنا بان الجميع على صواب وإننا رغم الاختلافات التي بين الطلبة إلا إنها أكدت لنا بأنها تعيّ وتعرف بان القتلة هم ليسوا من الشيعة أو السنة أو الأكراد

لقد كان تقول لنا لا أريد منكم سوى أن تتذكروا ما حصل لي وعليكم بان لا تتركوا ثغرة بينكم ، أنا أودعكم تاركة ً ورائيّ حبيبي ... العراق ...؟

لأول مرة بكيت تحت ظل تلك الشجرة ، بكيتُ بشجاعة وتألمت لما حصل لـ ( أحمد ) بكيت من أجلها ومن أجله ومن أجلي

لا بل بكيتُ من اجل العراق ...

كانت كلماتها وقعاً على أذني ؟

لماذا كل هذا يا عراق ... السنا بشر . أليست الحياةُ ملكاً لنا مثل غيرنا .

لماذا تحترق آمالنا ...

لماذا تتبدد أحلامنا ....

لماذا لا نسمو فوق طموحاتنا ...

ماذا افعل ...؟ كيف أنسى! لا أستطيع إنني في ثورة من الغضب .

لقد رحلت .. ورحل معها قلبي ووطني ...

تركت ورائها ذكريات وشجرة ...ربما قد كان حباً؟

إنني حتى لم أدون متى وأين تعرفت بها ..فقط تذكرت لوحة الإعلانات التي تكلمت عنها ...

لهذا قررت أن ارسم للعراق ...

لان رفل كانت العراق ...

قتلنا الطائفية رغم ما بيننا من حدود ؟

قتلنا الكراهية والديمقراطية التي يزعمون ؟

قتلنا ... قتلنا ... ولم نقتل.

كان هدفنا واحد ... وطريقنا واحد ... وكلمتنا واحدة ...

كان حبي وجهها .......لأنه العراق

رغم جراحي فأنني أعشقك يا عراق

بقلم: مجدي الرسام

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى