السبت ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم زياد يوسف صيدم

امرأة من نوع آخر

شعر بتكرار ألم في منطقة صدره، فكان رأى أصدقائه أن يقلع عن التدخين، ولكنه فضل الداء على الدواء.. حتى جاء يوم لا مفر منه فقد كان عسيرا عليه، شديد الألم بوخز عنيف في أضلعه، فاصطحبه صديقه الحميم إلى المستشفى.. وفى قسم التصوير الطبقي الملون بالأشعة الذرية أظهر وجود التهابات متوسطة في منطقة الرئتين.. وأكد التشخيص لاحقا بأن التدخين كان سببا مباشرا وهنا عزم في داخل نفسه على الإقلاع نهائيا عن تناول السموم البطيئة بمحض إرادته وعن اقتناع تام ورضي فهنا الخوف سيد الموقف!! تلك السموم التى يشربها دخانا محملا بالقطران والنيكوتين في كل ساعة على مدار اليوم والشهر والسنة.. تردد على قسم الأشعة بحكم مراجعة الفحوصات المتتالية، وهناك كانت هي تجلس وراء شاشة التحكم بجانب الطبيبة المختصة فوظيفتها كانت متابعة آلة التصوير وإخراج المقاطع لكل زاوية في الرئتين عبر جهاز فريد من نوعه، حيث يتمدد المريض ويدخل في نفق من المعدن يتذكر الإنسان من خلاله القبر وحياة المقابر، ولهذا ارتبط الجهاز بالرهبة والجزع!

كان موضوعا داخل غرفة ينفرد فيها المريض بعد تهيئته من قبل الممرضة وشرح قواعد التحكم له قبل أن يتركه ويبدأ الجهاز بالعمل.. وهناك عبر شباك من الزجاج السميك كانت ماريا توجه تعليماتها إلى أحمد بالحركة يمينا وشمالا أو بأخذ نفس عميق أو بكتمان النفس للحظات، يحدث هذا عبر ميكروفون وسماعة للصوت تُسمع بوضوح في أرجاء الغرفة الكبيرة.. أنهى فحصه الأول وتكررت زياراته للمتابعة وتغيير نوعية العلاج مع الطبيبة المختصة في القسم..

كانت ماريا بعيونها المتسعة ورموشها السوداء الطويلة وشعرها الناعم داكن السواد وصدرها البارز من خلف ملابسها الخاصة ذات اللون الأخضر النباتي كورق الأشجار، تبتسم له في كل مرة ولكن في آخر مشوار له كانت تبدو أكثر سعادة وهى تزف له بشرى امتثاله للشفاء ولم تخفى فرحتها وسعادتها فلم يكن احمد مريض عادى بالنسبة لها، حيث كانا يتبادلان الحديث في كل مرة ويتأخر قليلا قبل الانصراف فهناك على باب الغرفة المتسعة كانا يقفان معا بداية، ومن ثم اختارا لهما ركن بعيد نسبيا في الممر يتبادلان الأحاديث والتعارف.. وهو ما يزال يمسك بيديه ظرفا به صور الأشعة وهى تشرح له في كل مراجعة تعليمات الطبيب الصارمة بخصوص التدخين وأمور أخرى.. حتى أصبح يتمنى المراجعة في كل يوم فتحول رهبة المكان وتلك الآلة إلى مكان يبشر ببزوغ وولادة أمرا كان القدر يرتب له ويصيغه ويضع لمساته بهدوء وعناية.. وأحمد مستمر في كل مراجعة له في التحديق بعينيها حتى أصبح يرى فيهما أشياء كثيرة ومزيج بداخلهما ما بين البريق والخفوت يتبدل ويختلف في نفس اللحظات؟؟..

وعندما بشرته بالخبر السعيد بامتثاله للشفاء التام عاجلها باقتراح مباشر لها بأنه يدعوها على العشاء خارج العمل،حيث اعلمها بأنه يعلم مكان يقدم بيتسا رائعة في مكان هادئ سيسرها.. فأومأت برأسها مبتسمة بالموافقة وقد انشرح صدرها وشكرته حيث بدا ظاهرا على وجهها وحركات يديها التى تشابكت مع يديه وبسرعة البرق رفع يدها اليمنى وقام بتقبيلها وإذ بنظرة فرح ممزوجة بحزن ظهرت سريعا على تقاسيم وجهها.. لمحها وأحس بها قبل أن تختفي سريعا كالعادة!!.

اتفقا على أن يحضر يوم الأربعاء مساءً حيث تنتهي من عملها.. وكان بانتظارها على البوابة الخارجية وانطلقا في عربته المتواضعة والصغيرة من نوع فيات باندا وما أن دخلا مطعم البيتسا حتى رحب به مستقبل الزبائن ورد بعض التحيات على العاملين فيه، فتأكدت بأنه زبون معروف لدى المكان، وهذا ساعد ماريا على الشعور باطمئنان أكثر وثقة أكبر بصديقها.. خلال جلستهما الأولى وخروجهما الأول معا لاحظ احمد بأن فتور من نوع معين يكتنفه حزن يظهر ويختفي على وجهها ذلك المحيى الجميل الذي تظهر عليه ملامح البحر المتوسط، حاول أن يبين لها مدى خبرته بالجغرافيا التى تنعكس على لون وتقاطيع الوجوه للبشر، فأكدت له ظنه فحدثته عن نفسها وأسرتها بأنها انتقلت مع أسرتها من أقصى ريف الجنوب الساحر بطبيعته الخلابة وبأسراره الكامنة عبر التاريخ المتعاقب والمتشرب بدماء الشرق عبر الفتوحات الإسلامية بين سكانه،وبعاداته المتوارثة عبر الأجيال والتي لا يستطيع فهمها إلا من يعيش في تلك المناطق.. وحدثته كيف انتقلوا إلى الشمال بحثا عن عمل، وفعلا استقروا هنا وهى وحيدة أبويها.. كانت ضحكاتهما تعلو بين الفينة والأخرى تمهد لانسجام قاد حتميا إلى علاقة صداقة تميزت يوما بعد يوم، وتوطدت من خلال مكالمات تليفونية أصبحت بشكل يومي وخصوصا تلك المكالمات المطولة من ماريا التى تستمر حتى منتصف الليل لتقول له جملتها المعهودة تصبح على خير أحمد..

فيرد متمنيا لها أحلاما سعيدة بصوته الحنون المتلهف للقاء الذي تجدد في كل نهاية أسبوع حتى كان اليوم المحتوم؟...

بعد عناء يوم حافل وجميل في غابة عامة (حديقة ضخمة ) شعرا بإرهاق جراء المشي واللهو وملاحقة قطة هربت من صندوقها لسيدة تعدت السبعين من عمرها وما تزال تضع ماكياجها وتلبس فستانها بأناقة، وتسرح شعرها وتخرج بصحبة قطتها ماربلو.. كانت السيدة تبكى وتنوح باضطراب كبير وقد طلبت مساعدتهما مستجدية فيهما الشباب والعافية،مما دفعهما بأن يأتوا بالقطة بأي شكل كان تصميم من أحمد ووعد للسيدة العجوز أيدته ماريا بكل أحاسيسها عندما رأته قد تأثر كثيرا لحال السيدة وقررا البحث عن القطة.. وهذا استدعى مجهودا وصبرا وعزيمة وإرادة توافرت منهما الاثنان..

وفى النهاية لا نعلم من شعر بالتعب والاستسلام أولا هم الاثنان أم القطة؟؟ حتى جاؤوا بها للسيدة فردا إليها الروح من جديد، ودعت لهما بالسعادة والهناء وقد انشغلت نهائيا بقطتها، تمسح على ظهرها بحنان ودموع الفرح تنهمر حتى اختلطت بماء أنفها فلم تكفى محرمتها الناعمة فتناولت أخرى من حقيبتها وهما ينظران إلى الموقف شعرا براحة وسعادة في تلك اللحظات فعلا، مما بدا أنها سيدة فاضلة وقد استجاب الله لدعائها فورا.. ألقوا تحية الوداع على السيدة فأشارت بيدها لهم وهى سابحة بأحلامها مع قطتها العائدة..انطلقا بخطواتهما بعيدا وهما متشابكا الأيدي بينما تزال السيدة العجوز منشغلة بقطتها تعاتبها بلهجة مميزة لم يستوعبونها جيدا..
على اثر هذا المجهود المشترك والذي تكلل بالنجاح والسعادة التى شعر بها الجميع.. اقترح عليها أن يذهبا لشقته، للراحة وتكملة السهرة فأيدته وهنا لف ذراعه على كتفها واستكانت بخدها على يده بناحية اليمين حيث ما يزال ذراعه يطوق رقبتها ومشيا يتأبط بعضهما الآخر حتى وصلا العربة وانطلقا إلى بداية فصل جديد من مسرحية الحياة الكبرى..!!

في طريقهما للشقة تذكر احمد بأنه مر على معرفته لمريا قرابة الشهرين، واستذكر جيدا سعادتها التى كانت تكتنفها أحيانا لحظات من حزن عميق تخفيها سريعا، فكلما زاد في تقربه لها كلما كانت تبادله فتور لم يدل على نفور أو رغبة في الابتعاد.. بل على العكس كانت أشبه بأنها تصارع بإصرار وتحدى أمر ما في نفسها تريد أن تتعداه، أن تتخطاه وأن تقفز عليه بكل الوسائل ولكنها كانت تحت تأثير قوة جذب من نوع غريب!! لم يستطيع تميزه، ولم يستطيع التكهن به، فكثيرا فكر في أنها قد تكون تحت تأثير طبيعة أسرتها الجنوبية، وقد تكون جراء عدم رضاها من داخل عملها، لكن أحمد لم يستعجل السؤال وترك الأيام تكشف الحقيقة لأنه كان على يقين بأنها تسعى إليه وتريده وتسعد بلقائه كما هو تماما فهي التى أصبحت تتصل يوميا، وهى التى تطلب منه الخروج أسبوعيا، فكانت هي المبادرة قبل أن يطرح عليها الخروج معه فهذا دليل على صدق نواياها وشعورها المتنامي تجاهه..

ما أن وصلا الشقة حتى ألقت بجسدها على أول كنبة وجدتها أمامها منهكة وتعبة فتنهدت مسترخية وقد مدت ساقيها الجميلتان فلم تكترث لفستانها القصير الذي شمر فبانت أطراف أردافها..وأطلقت بعض التأوهات من ألم بساقيها وأسفل قدميها من جراء الجري وراء تلك القطة ولكنها كانت راضية بالنهاية السعيدة لتلك السيدة وما أن تذكرتها حتى قهقهت مذكرة أحمد كيف كانت تؤنبها وتتحدث إليها كصديقة من جيلها وبلدتها فقد كانت اللهجة الخاصة بأهل الشمال قد طغت على عباراتها التى أصبحت لهما بمثابة شيفرة من الصعب حلها مما أضطرهما للانسحاب بهدوء.. فقهقه أحمد من قلبه بينما كان قد اختفى في أحد أركان الشقة فلم تعد تراه وإنما سمعته فنادت عليه طالبة منه بعمل فنجان كبير من القهوة.. رد عليها قائلا يا حبيبتي لو تريثتِ قليلا فالقهوة أصبحت على الغاز.. وما هي إلا لحظات حتى كان بجوارها قد مد ساقاه وانزلق على الكنبة بظهره حتى لامست رأسه وسادة مطرزة كانت موضوعة على الكنبة مستسلما لتعب وألم قدميه فضحكت ماريا من شكله المنهك فنظر إليها وابتسم، ثم اعتدل بعد أن صبت هي القهوة في فنجانان كبيران، وبدأت في تغيير محطات التلفاز بشكل متتالي كأنها تبحث عن قناة معينة ولكنها في الحقيقة لم تكن سوى حالة من قلق وارتباك لما تخيلته من مشاهد قادمة؟؟.

في هذه الأثناء انكب أحمد على ارتشاف القهوة وحن إلى إشعال سيجاره وهو المدخن بنهم كبير في سابق عهده ولكنه كان مجرد شعور عابر فقد اقلع نهائيا عنه..انتقل احمد إلى جوار ماريا وبحركة تلقائية قام باحتضانها بذراعه فوضعت رأسها على جانب صدره الأيمن وبدأت بيدها اليمنى تتلمس وجه كأنها ضريرة تتفرس ملامح جديدة عليها بأناملها.. تمر بأناملها على عينيه وتتفحص حاجبيه وانفه ووجنتيه وتداعب شفتيه وهنا ابعد يدها برفق وحنان فرفعت رأسها إليه، وانعدمت المسافات بين شفاههما حيث تعانقت فيهما شفتيهما الساخنتين المولعتين بحب ازداد وهجا عبر الشهرين الماضيين.. فكانت قبلة طويلة.. وفجأة وعلى غير توقع من أحمد فقد ارتجفتا شفتاها وبردتا كأنهما وقعتا في بركة ماء نتجت عن تصدع في سطح متجمد في القطب الشمالي، ويكاد يُسمع ضربات شفتاها كنبضات قلب خائف مذعور أو كانسان تعرى في قطب جليدي فأصابته حيرة أكثر من كونها دهشة؟..ما بك هل ضايقتك في شيء يا حبيبتي سألها أجابته بدموعها وحشرجة في صوتها لم يعد يفهم الكلمات الخافتة من بين شفتيها المرتجفتان..!! انتفض واقفا وبسرعة عاد بكأس ماء ارتشفت أكثر من نصفه وقام بإشعال سيجارة لها فأخذت نفسا عميقا ونفثت جزء في السماء واستدارت نحوه وما يزال الدخان يخرج من فمها فقد ملأت رئتيها بذلك النفس الغريب،فذكرها بحالته التى كانت هي على اطلاع كامل بها سابقا، ولكنه التبغ اللعين والنيكوتين وإدمانه انه آفة كل شعوب الأرض وقاسم مشترك بين الغنى والفقير والرجل والمرأ..

بدأت بعدها في الاسترخاء قليلا، وتجفيف دموعها والشعور بنوع من الراحة والثقة بعد أن أحست بخوفه عليها مضيفا على مسمعها بأنه سيفعل المستحيل من أجل أن تكون بخير، فصحتها تعنيه بالدرجة الأولى وسعادتها من أمنياته لها في الحياة،وهنا كان سؤاله المؤجل لها فقد حان ميعاده،فالوقت مناسبا تماما لأن يسألها فهي في وضع تريد البوح بما يكتنفها من أسرار شخصية ولأن تقول ما بداخلها وتفصح عن سرها الذي تخفيه،فهي بحاجة ماسة لهذا البوح والحديث الذي لابد منه فقد شعر بأنها تريد التخلص من حمل جاثم على صدرها.. ومن أمر يلاحقها كالشبح ويحيل حياتها مع أحمد إلى شبه مستحيل.. فماريا تأكدت بأنها يجب أن تصارحه، فقد حانت ساعة المصارحة والمكاشفة والحقيقة، فالعلاقة أصبحت بينهما على المحك ووصلت إلى نقطة كان يجب فيها الفصل والاعتراف..؟؟ وبينما هي تتهيأ لقول ما تخفيه عن أحمد كان قد بادرها القول سأسمعك حتى النهاية فلا تخفى شيئا عما بداخلك فانا حبيبك وصديقك فان كان أحد معين ما يزال في قلبك بعد ولم استطيع أن ادخل أنا إلى أعماق قلبك فسأبارك لك اختيارك وصراحتك وسنكون أصدقاء.. فانا لا أريد إلا الخير لك والحياة الهانئة والسعادة، وهنا رمته بنظرة إعجاب وحب لم تكن الأولى ففي مواقف سابقة كانت تسعد وتزداد ثقة والتصاقا به فأجابته قائلة :أرجو أن يتسع صدرك لما سأقوله لك يا أحمد فهز برأسه وهو ينتظر على أحر من الجمر فقد شعر بنفسه كصياد ينتظر مطولا منهكا وقوع العصفور الذي يلهو بكل أريحية في شبكته..

نعم يا أحمد في قلبي حب آخر.. لم أستطيع التخلص منه وأنت في قلبي ساكن أيضا!! ولكنى.... أجابها أحمد بهدوء وحذر شديد وكيف يا عزيزتي يكون ذلك؟؟ أهي فزوره لا أعلمها!! فهل أنت تبادليني الحب أم....لم تجعله يكمل جملته..أجابته مسرعة أنا أحبك من كل قلبي ولكنى فشلت في استمرار تدفق الأحاسيس الجميلة التى تعترى قلبي وجسدي.. فسرعان ما يهمد نارها ووهجها كل هذا يحدث لي في لحظة وأنا معك وبين ذراعيك وشفتاي تلامس شفتاك.. وينتصر حبي الآخر؟؟؟ حينها انتفض أحمد ولم يعد يستطيع التركيز فساد الصمت.. وفكر في داخل نفسه بأمر توارد إلى عقله للحظة وهو أن ماريا تعانى من انفصام في الشخصية حتما.. وهو مرض تزداد نسبته في المجتمعات المتقدمة تحديدا.. فسألها مباشرة حول إذا ما كانت تعانى من انفصام في الشخصية وهل تزور طبيب أمراض نفسية فضحكت ضحكة ممزوجة ببكاء حارق وألقت برأسها على كتف أحمد فاحتضنها طالبا الأسف من سؤاله فقالت لا ليس هذا ما حز في نفسي ويحيل حياتي إلى اضطراب وجحيم لا يطاق بعد أن عرفتك وخرجت معك وأحببتك بكل جوارحي..

فكم تمنيت لو كنت مريضة بما تقول لكان الأمر أكثر سهوله مما أنا فيه..!!!! تمالك أحمد نفسه ووسط ذهوله وقلة حيلته فقد انقطع حبل تفكيره.. وبينما هو يمسح بأنامله على شعرها الأسود ويتحسس خدها الناعم ويمسح دموعها المنسكبة التى غسلت أنامله أعاد عليها سؤاله ما بك إذا؟ تكلمي يا ماريا فانا كلى آذان صاغية ولن أعقب على شيء، سأسمعك فقط لن أقاطعك.. أخرجي كل شيء في أعماقك تخبئينه بين ضلوعك وداخل قلبك الحنون والملوع..

بدأت حكايتها قائلة منذ أربعة سنوات تعرفت على فتاة في أحد الرحلات الجامعية وتطورت بيننا الأمور حتى أحببنا بعضنا البعض ومنذ ذالك الحين وحتى تعرفت عليك قبل شهرين حاولت التخلص من حبها والتخلص من هذا الوضع الغير طبيعي والشاذ..لكنها تلاحقني ومتشبثة بى وتهددني بالانتحار فيما لو فكرت في هجرانها، وحتى أنها قالت ستصيبك بسوء لإبعادك عنى لو اضطرت لذلك.. وهنا اعتدل أحمد بعد أن أجلسها بجانبه ولكن أنت هل حسمتِ أمرك داخل قلبك وعقلك فهذه الأمور وهذا الحب من نفس الجنس الواحد يرجع إلى أسباب نفسية خالصة واستكانة الإنسان لها،وعدم اتخاذ القرار الملزم والحازم فتضعف شخصيته وتهتز مشاعره وتتلعثم قراراته وتتراجع.. فقالت حاولت جاهدة يا أحمد فمن خلالك قررت أن أتخلص منها للأبد فشعوري نحوك يزداد كل يوم ولكن في لحظات معينة وأظنك لاحظت ذلك..أتخيلها أمامي فيبرد حبي وتهدأ ثورة عواطفي وشهوتها نحوك كرجل أحببته من أعماق قلبي وتنتصر هي.. ولا اعلم كيف سأتدبر أمري فانا ما بين رغبتي القوية بعلاقة طبيعية معك، وما بين تلك الصديقة التى ما زِلْت أسيرا لرغباتها الجامحة فلا تطاوعني نفسي على تركها فهي أربعة سنين طويلة من الحب الشاذ المتواصل بيننا؟؟..

وبينما السكون ضرب أطنانه وأرخى الصمت والوجوم ستائره الداكنة على تفكير أحمد،وشعر بحاجته القوية لإشعال سيجارة بأي ثمن ولكنه انتصر لحياته وصحته.. عندها كانت دقات ساعة الحائط تعلن منتصف الليل، وهنا استعاد أحمد وعيه المفقود من هول ما يسمع وانتهز فرصة قد سنحت ليقول لها لا عليكِ ستتدبرين الأمر لاحقا وستنتصر إرادتك وسأكون إلى جانبك، أما الآن فسأوصلك إلى البيت وغدا يوم جديد...وطوال الطريق كانت ترقبه بنظراتها الحائرة الخائفة والخجلة وبين الفينة والأخرى تمسح دموعها التى لم تتوقف أبدا.. أما هو فقد كان صامتا يحاول التركيز بالطريق بصعوبة كبيرة فالشاحنات الثقيلة بدأ تحركها في هذا الوقت فكان يتجاوز عجلاتها التى تعلو سيارته الصغيرة برعب زاد منه شريط ذكريات هذه الليلة ولكنه لم يفكر بحلول معينة وإنما حاول جاهدا التركيز على الطريق، فهو قد اخذ الطريق الالتفافي حول المدينة لعدم رغبته في اختراق مركز المدينة وشوارعه الكثيرة وانعطف يسارا خارجا من هذا الطريق السريع وما هي إلا دقائق حتى كان أمام منزل ماريا فأوقف عربته والتفت إليها بنظرات لم تراها أبدا من قبل ولم تفهم معانيها..

فسألته ماريا: أحمد هل سنلتقي مجددا وهل أتلفن لك في الليل لأقول لك تصبح على خير فانا لا استطيع النوم قبل سماع صوتك.. كانت تتكلم باستجداء وخوف وحيرة وخجل قد اعتراها فتصببت عرقا،والحزن يعتصر قلبها، أما أحمد فاستمرت نظراته التى لم تراها ولم تعهدها ولم تتعود عليها منه سابقا.. وعندما نزلت متثاقلة تجر ساقيها بصعوبة واضحة ولكنها تمالكت نفسها.. عاجلها قائلا هل تريدي الخلاص منها للأبد؟؟ قالت نعم.. وهى تتضرع باكية له فساد الصمت بينهما.. ثم ابتسم.. وترك لها نظرة كالتي عهدتها منه سابقا قبل أن تعترف له بالحقيقة.!! وأدار ماتور عربته وانطلق مسرعا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى