الأربعاء ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
كيف يختار الشعراء المغاربة عناوينهم
بقلم عبد الله المتقي

العناوين إغراء وإيحاء وماركوتينغ

العنوان ليس عتبة فحسب، وإنما هو المحور الأساسي الذي يسمي النص ويحدد هويته ومعناه، حوله تدور الدلالات، وتتعالق به، هو بمكانة الرأس من الجسد.بهذا المعنى، لا يأتي العنوان مجانيا واعتباطيا، بل له وعيه، طقوسه، لعبه، ومكره.

يعتقد الشاعر مبارك وساط " أن مسألة علاقة العنوان بالنص من المواضيع التي كان الباحثون في مجال الشعرية يهتمون بدراستها، على المستوى النّظري. وفيما يخصه، فكثيرا ما يفرض عليه عنــوان معين نفسه، بحيث يبدو أنه العنوان الضروري لنص ما، حتى حين لا تكون العلاقــة بينهمـــا واضحة....." ويضيف ّ أحيانا أخرى، يكون العنوان مجرد كلمة، توحي بدلالات متعددة ـ حيرة، مثـــلا، أو مسرّة...وأشير، أيضا، إلى ما يعن لي أن أسميه، دون تمحيص زائد، بالعنوان الفاشل.فالكاتب الذي يغير عنوان قصته أو قصيدته، ينطلق، في اعتقادي، من شعوره بأن العنوان الـذي اختاره، في البداية، لا يلائم نصه تماما. لا يقع هذا كثيرا، لكنه أمر يلفت الانتباه. أذكـر، في هذا الصّدد، أني كنت قد جعلت لإحدى قصائدي العنوان التالي: سيرة للورد الذابـل، وقد بدا لي، بعدها، مشحونا بطابع رومانسي لا أطيقه، فغيرته بعنوان آخر: تفاصــيل الدّهشة. فقد اعتبرت هذا الأخير ״ محايدا ״ أكثر، ومنفتحا، علــــــــى المستوى الدلالي..." وأخيرا يبقى عالم العناوين غنيا، معقدا، وشيقا. فللعنوان خطورته، ولاشك... في هذا السياق، أوردُ ما كان قد رواه لي، قبل سنوات طويلة، روائي فرنسي كان يدرّس في المغرب. قال إنه كان قد بعث برواية له إلى غاليمار، فتوصل من دار النشر هاته برسالة تستحثه علـــى إعادة النظر فــــي فصول معينة... لكنه لم يقم بشيء من ذلك، وأجل مسألة نشر الكتاب... بعـــدها بثــــلاث
سنوات، أعاد إرسال نفس الرواية إلى نفس الناشر، بعد أن غير عنوانها فحســب، وفي هذه المرة، قوبلت بترحاب خالص... "

أما الشاعرة الهام زويريق ف ( كثيرة هي اللحظات التي تجد فيها نفسها تنخطف إلى معانقة الكلمة الشعرية، لتنسل القصيدة خارجة منها مقطعا مقطعا، تراقصها على إيقاعات ذاتها المثخنة بالبوح الذي يفتأ يغويها بالتوضؤ من مائه، لتستفيق في النهاية وقد فتحت جرحها وأحلامها على شرفات قصيدة وعنوان ". كما " ترى أن العنوان يعمق الفضاء الدلالي للقصيدة، إنه يأتيها شذرة من روح القصيدة، واختيار عنوان ما لنص ما، الهدف منه خلق لحظة ينجذب فيها المتلقي بكُلّيته إلى النص الشعري ليتم من خلاله التشويش عليه، هذا التشويش الذي سرعان ما يتحول إلى إغراء وإيحاء يمارسه الشعراء على قرائهم ليقحموهم
قسرا في حمم النص.؟ "

وزادت الهام قائلة : "العنوان هو تأشيرة للدخول إلى عوالم خاصة بالذات الشاعرة، يتم من خلالها توريط عاشق للقارئ يلقي به بين أحضان القصيدة استجلاء منه لومضات أنوارها، محاولة منه لرفع حجاب العتمة عن كلمات تسربلت كنه ذات لم تجد غير أسوار القصيدة
حمى، أليس العنوان عتبة تفضي بنا إلى تلك السراديب المعتمة جَوّابين افاقها بلهفة.فكيف يمكن كتابة نص بلا عنوان؟ "

الشاعر سعيد ياسف يرى أن " للعنوان في قصائده أهمية كبرى، لذلك يوليه وقتا طويلا، كلما انتهى من كتابة قصيدة يصير ملزما بقراءتها لعدة مرات كي يعثر على المشترك بين الفكرة والإيقاع. " يقول سعيد ياسف " العنوان لا يأتي من مكان أبعد من القصيدة، بل يأتي من تفاصيلها وملابسات كتابتها، ليكون تاجا لجلالتها. كل القصائد التي أنتهي من كتابتها تكون من غير عناوين، وقد تبقى هكذا لمدة طويلة حتى أجد العنوان المناسب. لكن لم يسبق لي أن كتبت قصيدة بنية أني لن أضع لها عنوانا. "

شاعر هواء الاستدارة عبد الغني فوزي " كثيرا ما يتدبر في أمر العناوين، بغض النظر عن وظيفتها الأدبية والشعرية، أي أنها تساهم في بناء الدلالة العامة للنص. ويغلب ظنه، أنها مماثلة للأ سماء، ذاك أننا نسعى إلى قولبة الأشياء والأجساد للضبط والتصنيف. وفي المقابل، يبدو أن العلاقة بين الاسم والمسمى يغلب عليها الاعتباط، في حين، فالكتابة، تكون واعية ومحكومة بقصدية تجعل العنوان دالا ومعبرا.يقول عبدالغني فوزي" وعليه،بالنسبة لي، لا يمكن كتابة نص بدون عنوان، لأن هذا الأخير ليس تركيبا اعتباطيا بقدر ما هو تشكيل يميز النص وقد يرسخه من خلال العتبة.

وبالتأكيد الإغراء والإيحاء لخلق صدمة في أفق القارئ ليبحث بكامل جسده عن امتدادات العنوان النفسية والتخييلية في النص. أقول قولي هذا. متمنيا أن لا يخونني العنوان ويتحول إلى " بلاكة " باردة تثير الشفقة." وأضاف فوزي قائلا " يأتي العنوان من تشابكي وعدتي في الحياة والكتابة ( المقروء، المشاهدة، التجربة ). وبالأدق من نقطة ما أطل منها على العالم.أماعلاقتي بالعناوين فمتوترة، ومرتبكة...لهذا، أميل أكثر إلى العناوين غير المقحمة(أن لا يأتي العنوان بعد النص).وعليه، فغالبا ما أقبض على العنوان متلبسا داخل النص أوملبدابغيمه أو منكفئا على خيبته...كل ذلك ضمن إقامة النص الفسيحة."

***

الشاعر مصطفى ملح العنوان يشير إلى أن " العنوان مؤسسة رمزية قائمة بذاتها، ذلك أنه يستقل ببهائه الخاص وقدرته الكبيرة على اختزال محتوى القصيدة بشكل لافت، وهو إضافة إلى هذا كثافة شعرية، ومضة خلاقة خارقة، بؤرة ضوء شديد اللمعان، لأنه أحيانا يوجه القراءة وأحيانا يخالف أفق تلقي القارئ.. واعتبارا لما سبق، أجد رهبة وخوفا كبيرين وأنا أسم النص بعنوان ما.. أتساءل :
إلى أي حد استطاع العنوان أن يشد القارئ ؟ كيف سيستقبله كتحقق لغوي وسيميائي ؟ وهل سيتمكن من القدرة على قيادة القارئ نحو متاهاته الشعرية الخاصة ؟
كل هذا يتبادر إلى الدهن في لحظة وجيزة.."
وأقر :" أنا من الشعراء الذين يهمهم أمر العنوان. هو ليس مجرد عتبة تزينية. بل عنصر بناء وبانٍ. هو قصيدة أخرى أكثر التزاما بأحد عناصر الشعر الأولى : أي الاختزال..أحيانا يحضرني عنوان ما فأستحسنه وأظنه صالحا لقصيدة ما، فأبدأ في بناء القصيدة على ضوء العنوان ذاك، غير أني ما أكتشف أن القصيدة ذاهبة في اتجاه بينما العنوان يقبض الطريق الأخرى..

اللحظة الشعورية العنيفة المشبعة بالتجربة والفرح والألم.. تكتب بكامل حرارتها.. ثم يأتي أمر العنوان بعد ذلك.. وحين أجد العنوان المناسب أشعر بفرح طفولي نادر وشاسع..
لقد جرت العادة أن تكون العناوين طويلة وميّالة إلى التعقيد رغبة ربما في إبهار القارئ أو ربما بحثا عن تميز ما أو – وهذا مؤلم – إخفاء لضعف في النص..

أنا أميل إلى العناوين الأقصر. التي تتنازل عن عجرفة البلاغة التقليدية وبذخ المجازات المركبة وتميل إلى البساطة الموحية، فمهما كان العنوان مهما، فلن يكون بأية حال أكثر أهمية من القصيدة.. القصيدة هي الرهان الأول.. القصيدة هي الرهان الأخير"

و يذهب الشاعر والقاص مهدي لهرج الى أن ّ الأمر لا يخضع عنده لنسق محدد. فأحياناً يحدد العنوان قبل كتابة القصيدة، يحدده أولاً ثم يشرع في كتابة القصيدة. وقد يحدد العنوان ويسجله في أي مكان ويمكث معه أياماً أو شهوراً قبل الشروع الفعلي في ترجمته إلى عمل شعري. وأحياناً أخرى يكتب القصيدة حتى إذا انتهى منها رجع يبحث لها عن تسمية تليق بها." وبصدق الشاعر يقول مهدي لعرج : " وعلى العموم، يرتبط العنوان بشكل وثيق بلحظة انبثاق الحالة الشعرية،و مهما كانت أهمية العنوان فإنه لن يكون أبداً بديلاً عن النص الإبداعي الحقيقي. فالعنوان أصبح ليس فقط دليلاً على قيمة القصيدة وأهميتها، بل أيضاً دليلاً على قيمة المبدع ومكانته ومؤشراً على مبلغ ثقافته وتكوينه. فبعد نشر النص يصبح عنوانه بوابة لشهرته وسيرورته بين القراء. بل إن بعض العناوين أصبحت علامات بارزة مائزة في مسيرة كتابها. "

وذهب الشاعر عبدا لسلام دخان إلى أن : " عنونة عمل إبداعي تقتضي امتلاك إرادة التسمية التي تنتج نصا وتكسبه شكلا من الوجود،والكاتب عبر هذه الإرادة يخلق واقعا وجوديا ونفسيا يتجاوز حدود الذات المبدعة ليخلق استيهامات مختلفة،ويساهم في توليف المعنى،إن العنوان مكون أساسي لكل عمل إبداعي،غير أن هذه المركزية لا تمنحه صفة الهيمنة مهما كانت قوته التكوينية،لذلك فان الحكم على النص انطلاقا من عنوانه يتعارض وشروط التلقي التي تقر أن الأثر الإبداعي لا ينكشف للمتلقي إلا بعد قراءته كاملا،وأكثر من مرة."
ثم أبرز " أن 3القبض على العنوان يشبه القبض على الماء،وهذه الاستحالة تنبع من ادراك جمالي يعتبر ان العنوان بوصفه النظام المرجعي للنص الذي يوجه القارئ والموجود اصلا في بنية
النص ضمن ماسمي بالبنية النصية المحايثة للمتلقي يتطلب جهدا،وتاملا رصينا قبل وبعد التسمية.
ساعة القبض على العنوان مجهولة.انها لاتشبه أوقات الصلاة المحددة سلفا،وان كانت للكتابة- في اعتقادي- قدسيتها الخاصة.

ويضيف عبد السلام دخان بتعبير يشبه براءة الأطفال" قد يداهمني العنوان في اي وقت ومكان:في محطة القطار، في المقهى،في المطعم الشعبي، او في الممرات الضيقة..."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى