الجمعة ١٦ أيار (مايو) ٢٠٠٨

تحيا مصر

بقلم: وفاء نصر شهاب الدين

أمسك بالقلم محاولاً التقاط تلك المعاني التي تعانقت بداخل عقله في سريالية جعلته يشعر أن كل معاجم اللغة قد نفدت.

نظر إلى الساعة، عاتب شفتيه النحيلتين بعضة، لطم رأسه الممتلئ الفارغ، وأخذ يتحسر على كلمات لم تولد بعد يحاول بها استدرار عطف خطيبته التي هجرت درب الحب، جعلت تبحث عن زوج يمتلك أربعة جدران تحجب عنها نظرات المتلصصين، تنعم عليه الحكومة براتب يبدل الذل الذي استوطن عينيها إلى نظرة رضا.

خط بالقلم خطاً مستقيمأ ثم أحاطه بدائرة ،جلس يسترجع كل ما درسه في علم الهندسة، وبعد أن خذلته الدوائر رمى بالقلم ولجأ إلى الشوارع يشكو ظروفاً خلقت من كرامته ممسحة، جيبا لم يسعده الحظ بمائة جنيه كاملة طوال حياته، غرفة سكنها منكر ونكير معه، ينقض عليه الشجاع الأقرع غرة كل شهر يطالبه بسداد إيجارها المتأخر، يشكو وظيفة حكومية لن تدق بابه المهتريء مطلقاً، وزوجة لن تسكن ضلوعه سوى بالجنة التي أصبح يشك بقوة أن يراها ولو من بعيد.

جلس على الرصيف ينتظر وسيلة مواصلات تقله إلى أي مكان بعيدا عن ذكريات استنفذت فترة صلاحيتها، كلما اقترب أتوبيس قفز قلبه متمنياً أن يجد مكانا له، إلى أن طرقت قلبه مطرقة اليأس.. أخذ يتمشى مرافقاً ذكريات أبت أن تفارقه، قال هازئاً " إنها المرة الأولى التي أعلم فيها أن الذكريات لا تسكن الأماكن، ولكنها تستوطن القلب والجوارح فلا خلاص منها سوى بالموت"

حتى الموت لم يكن خياراً جيداً له؛ فلم يمتلك بعد ثمن قبر يليق بجثته وأبت بداخله كرامة متطلعة أن يدفن بمقابر الصدقة.

تنامت إليه أصوات هتاف عالية فاتجه مشدوهاً إلى مصدر الصوت فوجد عدداً كبيراً من الناس قد جلسوا أمام شاشة تلفاز عملاقة يشاهدون مباراة لكرة القدم.

اقترب منهم وقد رثى لحالهم، فقد تجاهلوا رغيف الخبز الذي هجر بيوتهم، والسكر الذي تنزل منزلة الدواء، والأرز الذي لا يزورهم سوى بالمناسبات وجلسوا جميعاً يتابعون مباراة!

جلس بجوار أحدهم وسأل في فضول"لم تهتم كل ذلك الاهتمام بتلك المباراة"؟

رد الرجل وقد تنافرت أوردته من فرط الحماس"إنها المباراة النهائية لكأس إفريقيا بين مصر وإحدى الدول السمراء"

خرجت ابتسامة من بين أسنانه نصف ساخرة ونصف يائسة ،بعد قليل تعلقت عيناه بأقدام اللاعبين، وتحركت الكرة من ملعبها لتستقر بأعمق أعماقه وسيطر عليه حماس سحر كل حواسه فأخذ يصرخ باللاعبين يستحثهم على اللعب بضراوة ولم يهدأ سوى عندما انتزعوا الكأس.

ونافست الشوارع في تماوجها بالبشر أكبر المحيطات، وأنضم لطوفان البشر الذي لون الليل بلون العلم المصري، نسى خيبته وحزنه وأخذ بنصيبه من السعادة التي تغلغلت بدمائه بعد أن استنشقها للمرة الأولى.

بين الجموع الهادرة رأي خطيبته" السابقة" وقد صبغت خدها الأيسر بعلم مصر وأمسكت بالعلم وأخذت تحركه يمنه ويسره في سعادة بدت له أنها تستحقها، نظر إلى العلم الذي راقصه الهواء وغازلته أنفاس الآلاف، فابتسم وخرجت الكلمات من رئتيه تقرع كطبول النصر صائحاً في سعادة"تحـــــــــيا مصـــــــــــر".

بقلم: وفاء نصر شهاب الدين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى