الاثنين ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم صبحي فحماوي

عند بوابة السجن

طفل فلسطيني يخرج من السجن برفقة أمه، وعمره سنتان، بعد قضاء محكومية فعلية مدتها ثلاث سنوات!

ليست هذه حزّورة أو فزورة، أو لغزاً تحار في فهمه، هكذا نشرت الصحف الخبر، الذي مفاده أن طفلاً فلسطينياً، قد خرج من السجن وعمره سنتان، بعد أن قضى حكماً فعلياً في السجن، مدته حوالي ثلاث سنوات! وانطلق الصحفيون، ونساء الإعلام، باتجاه بوابة السجن العظيم، لينقلوا الخبر، ويستفسروا عن سر الحكاية! فكيف يخرج الطفل، وقد قضى محكومية ثلاث سنوات، بينما عمره لم يتجاوز السنتين؟

وعند بوابة السجن، تجمهروا حول الطفل وأمه وأبيه، الذي جاء ليستقبل السجينين معاً! فسألت إحدى الصحفيات :

"أين هو الطفل؟" وقال آخر :"ها هو! يا حبيبي! ما أجمله!

عيناه خضراوان مثل خضرة جبال الكرمل!" وقال ثالث:

" ما أحلى بهاء وجهه! صمته! التصاقه بأمه! تجهم وجهه!"

وقالت صحفية شقراء:" لاحظوا رباطة جأشه! وكأنه شاب راشد! احتضان أبيه لـه ولأمه معاً!"
تجمهر رجال ونساء الإعلام حولهم. وحشدت الكاميرات، وأجهزة التلفزة العالمية. خنقوهم بأسئلتهم المتلاحقة.

"هل اعتقلوكِ قبل ثلاث سنوات؟وهل قضيتما فعلياً حوالي ثلاث سنوات في السجن؟"

"وهل سبب اعتقالكِ، ادعاء بأنك سهلت مهمة مقاومين، في الهرب مروراً من داخل بيتك، يقولون إنهم كانوا مطلوبين بتهمة المقاومة؟" "وهل خبأتهم فعلاً، أو سهلت مرورهم من..؟"

"هل كنت حاملاً بالشهر الأول عندما اعتقلوك؟ وهل زوجك يعرف ذلك؟ هل انقطعت عنك الدورة الشهرية، وصرت تستفرغين الطعام ليلة اعتقالك؟"

"هل اعتقلوك في بيتك، وكبلوك بالأصفاد بيديك ورجليك، ورموك داخل سيارة الجيش؟ هل كانت التحقيقات صعبة؟مؤلمة. معذبة. مريرة؟"

"هل تحملت عذاب التحقيقات وأنت حامل، أم انهارت مقاومتك من أول تعذيب تعرضت لـه؟" هل يطاق التعذيب داخل المعتقل، وهل صحيح أن المعذّب (يُتَمسِحُ) بعد أول ممارسة للعذاب؟"

"هل كانوا يعذبونك أمام طفلك، أم كانوا يأخذونك بعيداً عنه، ويُسمعونك صوت صراخه من وراء حجاب، ويقولون لك : إنهم الآن يعذبون الطفل، بانتظار اعترافك بالحقيقة؟"

"هل كانوا يجوِّعونه مبعداً عنك كي تعترفي؟"

"هل كنت تستجيبين تحت عذاب تجويع طفلك، أو سماع صراخه من وراء حجاب؟وهل كان الطفل يبكي، وهو ممنوع من الرضاعة؟"

" هل كانت السجّانات يحملنه بعيداً عنك، ويمنعنك من إرضاعه؟" "هل كنت عند التحقيق، تمشين داخل سراديب معتمة، وأنت معصّبة العينين؟"

"هل تضرر الحمل من جراء التعذيب؟ وهل كنت تتعثرين، وتقعين، وتخافين، وأنت تسيرين داخل السراديب المعتمة، وأنت معصوبة العينين، وجنازير الأصفاد، تكبل رجليك الرقيقتين؟"

" كيف صمد الجنين داخل سراديب الرطوبة، والعتمة والرعب، ثمانية أشهر؟ وهل تعتقدين أن الطفل كان معك يقاوم؟"

" هل فكوا جنازير الحديد عن رجليك داخل المستشفى، يوم ولادته؟" "كم ساعة سمحوا لك بالبقاء داخل المستشفى، بلا أصفاد، حين الولادة؟" "هل فكوا أصفاد رجليك قبل الولادة بساعة، أم بساعتين؟"

"بعد كم ساعة من الولادة أعادوا تصفيد رجليك بالحديد، ثم أمروك بالعودة سيراً على القدمين الداميتين المتورمتين، إلى زنزانة السجن؟"

" هل سمحوا لك باحتضانه يوم ولادته، أم كانت السجانات تقوم بالمهمة؟ أما زلت ترضعينه حولين من ثدييك، ليستطيع البقاء والنمو؟"

"كيف استقبلت يا أباه خبر ولادته؟ هل كانوا يعرضونه عليك من وراء زجاج السجن، عندما تزورهما؟ وهل كانت أمه تمسك ذراعه، كتلة اللحم الصغيرة، وتشوِّح لك بها من خلف حجاب الزجاج؟"

"هل كان الطفل يبتسم لك من خلف الزجاج، أم كان عابساً متضايقاً من حشر السجن؟"

"هل كنت تشاهد في عينيه تحدياً ومقاومة، أم تعاسة وشقاءً؟ هل كان بصحة جيدة، أم هزيلاً مصفراً من قلة تعرضه للشمس؟"

"هل سمعته ينطق بكلمة بابا، أو ماما، أم أن ثقافته كانت ثقافة معتقلات، وكلام معذبين؟"

"هل كان الطفل محكوماً مع أمه من الناحية القانونية، ويتحمل معها مسؤولية تهمة تهريب المقاومين، بصفته جزءاً لا يتجزأ من لحمها ودمها، أم أنهم كانوا يعاملونه معاملة بريء؟"

" هل كان بإمكانك أخذ الطفل، وإخراجه من السجن بعد فترة إرضاع أمومية ضرورية، لتكمل بعدها إحدى القريبات في القرية إرضاعه، أم أن الطفل كان يقضي محكومية مع أمه، كطاقم متكامل؟" ماذا قال الطفل لك عندما بدأ النطق، وهل بدأ الحديث بجملة كاملة؟"

"هل كان يعرف أنك أبوه، وما معنى الأب بالنسبة لـه؟"

"هل منعوك من إرسال ألعاب لـه، بحجة أن يكون بداخلها مواد ممنوعة؟ هل كان الطفل يشاهد أطفالاً آخرين، مسجونين معه في نفس السراديب، فيلعب معهم كالجرذان، أم كان يكتفي باللعب على صدر أمه؟"

"هل كان يريد الخروج من الزنزانة المعتمة، والانطلاق معك في أرض الله الواسعة، أم كان يرغب بقضاء محكوميته مع أمه؟"

"ما هو شعوركم وأنتم تجتمعون معاً لأول مرة، بعد ثلاث سنوات من السجن، وسنتين من عمر الطفل؟"

وبسرعة جاءت سيارة أجرة، فأبعدتهم عن أسئلة الصحفيين، وكاميرات التصوير، وحملتهم بعيداً عن بوابة السجن!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى