الاثنين ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٠٨

هدية الزعيم

بقلم: هشام محمد حماده

خرج من عمله سريعا وهو يشعر بالسعادة تغمر كيانه..مر دهر لم يشعر فيه بهذه السعاده .. لقد أنعم عليهم الزعيم اليوم بمنحة العيد ..زيادة قبضها مع راتب الشهر.. ليس هذا فقط بل تم توزيع معطف جديد لكل موظف فى الدولة ..

تحول الشارع الى كرنفال .. كانت المعاطف جميلة حقا، ولما كانت ساعة الذروة والجميع فى طرقهم الى محطات المترو ومواقف الباصات فقد انتشرت ألوان هذه المعاطف البراقة فى الشوارع وقد ارتداها الجميع ..عمالا وموظفين.. كان المديرون والرءوساء يصرون على أن يخرج مرؤوسوهم و قد ارتدوا هدية الزعيم فى مظاهرة فرح تعبيرا عن شكرهم العميق للزعيم الأب .. حتى ظن سعيد افندى أنها التعليمات... وهو رجل لم يخالف التعليمات فى حياته .

لقد وضع سعيد الراتب فى جيب المعطف الجديد .. ولدهشته سمع نفسه يغنى مقطعا من أغنية لم يرددها منذ انقضاء شبابه.

عليه أن يعيد أفكاره مرة ثانية عن الزعيم.. فهو وان لم يصارح أحدا أبدا بها .. الا أنه يشعر الآن بالخجل منها.. فلطالما سخر من البرامج التلفازية التى تمجد من دور الزعيم فى حرب التحرير والتى كانت تؤكد على أنه لولا الكتيبة التى كان يقودها الزعيم فى الحرب أبان كان ملازما فى الجيش، ولولا أدوارها البطولية المجيدة لما تم النصر واستكمل التحرير، بل قد كانوا يدعون بأن أول علم زرع فى الأرض المحررة كان علن كتيبة الزعيم.... يبدو أنهم كانوا على حق فالزعيم انسان عظيم ولابد أن كان عبقريا

أخذت عينا سعيد تدور فرحة فى الشارع والذى صار وكأنه "حارة العيد" .. التى طالما زارها فى طفولته أيام الأعياد ليستمتع بالمراجيح والأراجوز وشراء اللعب الجيدة من دكاكين اللعب المتراصة والمليئة بألوان شتى من اللعب ..وكان يؤمها كل أطفال المدينة فى أزياء العيد الجديدة .. بارك الله فى الزعيم الذى صنع لنا العيد قبل بلوغه.. بل لقد أعطى العيد أخيرا مذاق العيد

كان الجو فى الشارع مفعما بالفرح والمظاهر الاحتفالية . لاحظ سعيد فقط تواجدا كثيفا من رجال الأمن ..برر ذلك بأنها رحمة الزعيم بهم وشفقته عليهم وحرصه على ألا يفسد لص فرحتهم.. كان الجنود حقا منتشرين فى كل ركن من كل شارع

ازدحمت رأس سعيد بالأفكار حول الهدية التى سيشتريها لزوجته بعد طول نسيان...مستغلا فى ذلك هذه الزيادة الطارئة فى راتبه

فكر أولا فى فستان ثم فى حذاء .. أو... أو "اشارب" .. استقر رأيه أخيرا على أن يشترى لها زهرة.

لم يستشعر اضطرابا فى الشارع من حوله وهو منغمس فى أفكاره .. أو لم يكترث.

مد يده فى جيب المعطف ليتنعم بملامسة المال قبل دخوله محل الزهور ..كانت ملامسة يده للبطانة الناعمه للمعطف الجديد شيئا مثيرا ومبهجا.. استمرت يده فى التقدم كثيرا حتى انغمس ذراعه بالكامل فى جيبه وأحس بخشونة قماش بنطا له .. لا قاع للجيب .. ولا راتب

بحث فى جميع جيوبه... كلها بلا قيعان ... كلها مفتوحة الى الشارع ... نظر خلفه .. خيل اليه أن لفائف من المال متناثرة فى أرض الشارع رغم الزحام .. انقض عليها ..لكن انقضاض رجال الأمن عليه كان أسرع.

داخل عربة الاعتقال الزرقاء الضخمة وجد نفسه محشورا مع كثيرين مثله .. يرتدون مثل معطفه ويحكون نفس قصته
.. كلهم مثله ....متهمون بمحاولة إفساد سعادة
الشعب .

بقلم: هشام محمد حماده

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى