الثلاثاء ٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم أحمد نايف معروف

وكان اللقاء

في ذلك البلد البعيد القريب الذي أحببته وأحبني شعبه كان اللقاء الأول وبعدها تعددت اللقاءات وان كانت على فترات متباعدة ولكن صداقتنا استمرت وتوطدت مع الأيام وازدادت صلابة ومتانة ولكن الأقدار شاءت أن نفترق وكان الافتراق الذي زاد عن العامين لنعاود اللقاء في بلد جديد. لقد كان لقاءا عظيما غير متوقع, فبعد تردد طويل قررت أن نلتقي نعم ربما تستغربون لماذا التردد لأنه لم بكن عندي سبب مقنع عن سبب افتراقنا ولوجود موانع عديدة لن أتطرق إليها الآن لكونها خارج محورنا.

ها نحن نلتقي من جديد, أنا وصديقي القديم الجديد, لقد التقيت به صدفة عند قارعة الطريق. كان الحزن والكآبة يعتريان وجهه والألم يعصر قلبه والدموع تملأ عينيه فما أن رآني حتى أتى الي راكضا باكيا شاكيا معاتبا .. أين كنت ... لماذا تأخرت... و....و....و.... إلى ما هنالك من كلمات عتاب فبعد أن هدأت من روعه وآثار صدمته حتى بدأ بالحديث الذي لم أرغب في سماعه ولكنه أصر قائلا:"ألست صديقي الوحيد, فإذا لم أشكو إليك فإلى من سأتحدث وأبوح بما في داخلي..." أمام هذه الكلمات لم أجد ما أرد به عليه سوى الصمت.

بعدما أخذ نفسا عميقا بدأ بالكلام قائلا:

"ألا تذكر عندما كنا سوية قبل ما يزيد عن الثلاث سنوات وتلك القصة التي رويتها لك, ألا تذكر أني وقتها قلت لك بأني لن أحب مجددا, ألم أقل لك بأني انتزعت قلبي ودست عليه, ألم أقل لك بأني حولت قلبي إلى حجر خالي من المشاعر و الأحاسيس. ... ألا تذكر كل تلك الأحاديث... لقد عاد الحب ليطرق أبواب القلب مجددا, ها هي قد أتت من الماضي من المجهول من اللامعقول لتسكب على قلبي ماء الحياة لتعيد إلى ذلك الحجر الحياة والحب والحنان والأمل الذي افتقده لسنوات طوال.... بعدما أصبحت كل قصص الحب مجرد شيء من الماضي... لمجرد تاريخ لا يعود ولا يتكرر. نعم لقد أعادت الحياة إلى تلك القطعة المتحجرة الصلبة المهترئة بعامل الزمن والآلام..."وما أن صمت ليأخذ نفسا عميقا بادرته قائلا:"إلى متى ستبقى هكذا ... إلى متى ستبقى قاتلا لأحاسيسك ومشاعرك ... إلى متى... أو ليس لهذا الدرب من نهاية... إلى متى.... " وبكل ألم تابع حديثه...

" كما تعلم بأني قد قررت أن أوئد الحب قبل أن يبدأ خصوصا بعد كل قصص العشق والغرام التي عشتها وقررت والحبيب أن نسير دروبها حتى النهاية بحلوها ومرها ولكن مع الأسف كنت أعكف عن مواصلة الطريق عندما أعود إلى أرض الواقع المر الأليم الذي أعيشه وكل ما يترتب عليه هو أني كنت أنهي تلك القصص بمعارك صدامية وطرق أليمة مع الحبيب لدرجة أنه لا يعود هناك أي مجال لتعود المياه إلى مجاريها من جديد, كنت أضع العديد من السدود أمام محاولات قلبي الذي كان لا يزال يقاوم كل محاولات التهميش وفي آخر مرة عندما اصطدمت مع قلبي ... ....." هنا أتممت أنا الحديث قائلا :"انتزعته ودست عليه وهددته بأنك ستنهي حياته إن أحب مرة أخرى ... وبقي ساكنا طوال سنوات ولكن الآن ...." هنا أخذ هو المبادرة قائلا :

"الآن المعادلة انقلبت و تغيرت كل الموازين ... الآن استعاد قلبي الحراك و الاستعداد للثورة.... نعم ... فالماء الذي سكب عليه أعاد إليه نشاطه وبقوة أخاف أن أعجز عن الوقوف أمامها ... اني أخاف المواجهة وأخاف أن يفرض علي شروطه ويصبح هو سيد الموقف بعدما تسيدته لسنوات طوال.

قلت له ما الذي تغير في الموقف الآن, قال ألم نلتقي لمرات و مرات ألم نتحدث لساعات وساعات ألم أقل لك بأني عدت لأحب من جديد ... ألم أقل لك بان قلبي عاد لينبض بالحياة من جديد ... ألم ... ألم .... لم أستطع أن أقاوم ... ماذا أفعل ... إن الواقع سد منيع يقف في وجهي كلما حاولت أن أخترقه فشلت؟ ماذا أفعل؟ الواقع أمامي مر ... الطريق طويل وجله مليء بالأشواك والأفاعي والذئاب... ماذا أفعل؟ اني في صراع داخلي عظيم ... بين القلب والعقل ... بين الواقع والحلم ... بين الأمل واليأس... وصراعي الأعظم هو ذاك الذي يجري مع نفسي... ماذا أفعل معها ..ربما أستطيع أن أروضها ولكن ماذا أفعل مع الآخرين... أسأبقى أقاتل وأناضل وأعارض وأسكت وأقمع...و... و...إلى متى ...............إلى أن ....

هنا نظرت في عينيه ونهرته وقلت له ما عليك إلا أن تفعل كما فعلت. عليك بإخراج قلبك وتدوس عليه من جديد لكي لا يفكر بالحراك من جديد و....قبل أن أكمل قال لي لا تطلب مني مالا أستطيع وأعلم علم اليقين بأنك لم ولن تفعل ذلك. انك تقول مالا تفعل. خلال حديثه كان قلبي يبكي دما وكانت عيناي تبكيان بصمت وروحي تعزف لحن الموتى لتعلن وفاة قلبي الذي مات منذ زمن ولكني عندما نظرت إليه وتقابلت نظراتنا قال والدمع يملأ مقلتيه إن نار الثورة تحرق قلبي ولكنب سأتحملها وسأخرج تلك القطعة التي بدأت بالحراك من مكانها وسأطعنها لكي لا تحاول الحراك من جديد وأعلم يا أخي بأني إنسان خاوي المشاعر والأحاسيس وأني لن أحب مجددا ...

اعتذر مني واستدار. بعدما مشى خطوات قليلة إلى الأمام انتزع قلبه من صدره , طعنه بسكينه, ورماه جانبا .. تابع سيره والدماء تنزف منه..لوح لي بيده دون أن يلتفت إلي
وابتعد...ما أن غاب عن ناظري حتى وقفت لأعيد حساباتي ... لأتعظ من صديقي ...
إن قلبي يولمني اني....

قبل أن يغمض جفناي ويسكن قلبي أتاني ذلك الصوت...من بعيد من الماضي , من الحاضر من المستقبل ليقول لي ...انهض وأحمل قلب صديقك وأعطه إياه ... اني أناديك أنا الحب , أنا كل قصص العشق والغرام... اني أتيت من الماضي من الحاضر من المستقبل من المجهول من اللا معقول... انهض وأعد الحياة لصديقك نظرت حولي مستغربا فإذ بي أرى قاب صديقي ينتفض حملته وتتبعت آثار الدماء المسالة على الأرض, عثرت عليه هناك تحت الشجرة مضجرا بدمائه والدمع يسيل من مقلتيه ....بالرغم من سكون المكان إلا أني سمعت ذلك اللحن ... لحن الموتى ... نشيد الموت ... عندها عرفت بأن صديقي على وشك أن بموت... أسرعت بخطاي ونبضات قلبي تسبقني ... حنوت عليه محاولا إنطاقه.... كان عرقه يمتزج بدموعه ودمه.... كانت العصافير تعزف لحن الحياة و الورود تملأت المكان بالألوان و الشذا والعطر الفواح. عند ذلك تبسم و قال لي :" إلى اللقاء .. إلى اللقاء... إلى اللقاء... أبلغ الحبيب مني السلام... قل له اني أحببته كحبي لبلادي .. بأني سبحت ضد التيار و عاندته لأجله ... لكني لم أعد أقوى على مواصلة الدرب .. لا أستطيع .. لقد تعبت ...لقد نهشت لحمي الذئاب و الأفاعي...قاومت ... لكني متعب.. أريد أن أرتاح..." قبل أن يغمض عينيه قلت له خذ هذا قلبك الذي تركته خلفك, لقد عادت إليه الحياة من جديد ...لقد أتى الحب وسكب عليه ماء الحياة... وأوصاني أن أقول لك بأنه عليك أن تحيا بالشعور وأن تصبر فان ليلك سيزول وشمس صباحك قد شارفت على الشروق ....
وأوصاني أن ....

عندها نظر في عيني ....

وابتسم...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى