الاثنين ٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم محمد البوزيدي

ساحة سيرست

وسط المدينة تنتصب ساحة سيرست صامدة قوية، تنشرح فرحة بالجميع، محتضنة تتلقف كل تائه وخائف، وطالب لراحة خاصة قد يفتقدها في الأمكنة المبثوثة في أرجاء المدينة.

تستضيف الساحة يوميا زوارها الثقلاء والظرفاء، تزرع فيهم ابتسامة خاصة لم يألفوها في الجدران الأربعة المتواجدة في الفضاءات المغلقة إلا من البحر الذي لا شاطئ له سوى الأحجار الشرسة الذي تؤذي كل من يقترب منها.

حين يتوقف كل مار بها ليستريح يحتار في أي مكان يجلس، فالكراسي مملوءة عن آخرها، الأطفال يلعبون ويركضون كمن تخلص من عقال سرمدي، وأمهاتهم تواصلن بهدوء تقعيد النميمة وعد الحكايات والأخبار التي راجت طوال اليوم داخل المدينة حول مختلف الملفات، الفتيات يمشين الهوينا في ثيابهن المثيرة للاستفزاز، والفتيان يجدون متعة جميلة في تتبع الأجساد الفاتنة التي تعرض سلعا غير قابلة للبيع والمساومة بل للعرض فقط...وبالمجان......

وفي وسط الساحة ايضا تتقاذف الكرات هنا وهناك في الملاعب التي رسمت قرب النافورة الحزينة التي جفت مباشرة بعد حفل رسمي، كما تناثرت أحجارها المرصعة قبل زمن يسير.

ومع إطلالة الربيع بدأت شجيرات الساحة تورق وتكسو أغصانها بأوراق صغيرة فتعيد إليها بعض البهاء الجميل على إيقاع رقصات جميلة للرايات الزاهية الألوان والتي ترفرف بهدوء يغري أكثر بالتعلق بالوطن.

ومع مغيب الشمس يمتلئ الشارع ذهابا وإيابا، بائعو الكاكاو وعباد الشمس القديمة يواصلون عملهم بانهماك أكثر، فالتجول يلزمه شيء في اليد ليتلهى به الفم وهكذا...تشتد حركة الزحام، ويتواصل هدير السيارات وبصعوبة بالغة تسمع كلام صاحبك القريب منك.

قرب الساحة مقهى خاصة وإن كانت غير مأهولة على الدوام، فهي مكان متميز للمراقبة من بعيد لأصحاب الحال، لقد جمعت كل متناقضات الزمن الرديء، لعبة الكولفازور تحتل فيها مكانا مرموقا فيها تتهاوى العصي الطويلة وتضرب الكرات المختلفة الألوان، دخان السجائر يعلو المكان...وبعض الرواد يناقشن المشاريع اليومية التي تدر عليهم بعض الاموال.

وعلى الجهة الأخرى وراء الشبابيك تعقد لقاءات خاصة موازاة مع الغروب، لقد اعتادت سارة وعلي مواصلة لقاءاتهما اليومية الطفولية حول الحياة وآفاقها، علاقات بريئة رومانسية تتطور فجأة بعد لقاء عابر في الساحة نفسها

*أحبك يا سارة
+ وأنا كذلك ياعلي
*لكن أمك تغار مني.
+كيف؟؟
*اعتقد ذلك
+ أنا الذي اعتقد أن أباك المحافظ غاضب مني
*لا عليك اتركينا من هذه الهموم كيف قضيت يومك؟.....وهل توصلت برسالتي الإلكترونية وبالبطاقة الجميلة التي طالما بحثت عنها في مواقع العشاق؟
+ آه شكرا على الوردة الحمراء الجميلة.

في هذه اللحظة مر أمامهما عابر سبيل، ترددا للحظة قبل أن تعلو وجنتاهما خجل طفولي، فأحسا أنهما كمن اقترف جناية، خاصة أن العابر سبق له تدريسهما معا، فلم يكن لهما من حل آخر سوى الافتراق على قبلة خفيفة محددين لقاء آخر يوم الغد في نفس المكان والتوقيت.

عادت سارة إلى حيث تقوم أمها وبقي علي يرقبها من بعيد بنظرات المحبة المعتادة، بينما كانت هي تنتشي بمشيتها الخاصة والتي تصنعتها لإثارة حبيبها، ورفعا من إيقاع غيرة صديقاتها اللواتي يطمحن للتواصل مع الفتى الذي لم يتجاوز ربيعه السادس عشر.

وككل فاتح ماي تنزع سيرست عنها رداء الراحة والاسترخاء، والرومانسية وأحاديث العشاق وعلى غير عادتها تمتلئ صباحا لترتدي ملابس أخرى تصنف صمن خانات النضال والاحتجاج و..و....حينها ترتفع الأصوات بالمكبرات فلا يبقى للهمس الذي ألفته أي أثر.....

لذلك ومنذ منتصف ابريل يشتد النزاع بين النقابات حول من سيغازلها أولا، ويلبسها أثواب اللافتات والرايات..ويلقي خطبه عليها وعلى مرتاديها الذين يصطفون كعلب *التيد* في الدكاكين الشعبية أمام المنصة الوهمية لرفع الشعارات الرنانة الملحنة، والاستماع أو التظاهر بالإنصات لخطب الزعماء المألوفة والمعتادة والتي لايتغير فيها مع مرور السنوات سوى التاريخ وشدة نطق الحروف حسب الظرفية العامة للبلاد والعباد. لكن ما يحز في نفسها أن زائرو العيد العمالي يستنكفون عن توديعها إلى العام المقبل فرغم احتضانها لهم مرة واحدة فلا يقومون بالواجب بل يتجاهلون فضلها وموقعها الذي يسمح لهم باستعراض عضلاتهم المختلفة أمام أهل الحال الذين يسجلون كل شاذة وفاذة.

حين اختلست النظر إليها مع منتصف الليل كانت تبتسم فرحا براحة لم تعهدها من قبل لقد لفظت الجميع الآن لترتاح قليلا وتسترد حيوية غائبة حتى إشعار آخر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى