الثلاثاء ٨ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم بسام الطعان

جمر الجوى

حكايتنا ابتدأت ولم تنته بعد، وأنا ما زلت أزرع شمساً في كل حفرة أمنية من أمنياتي، شمساً صغيرة وحنونة، تخبئ الدفء ليوم تلاقينا، فربما كان يوما بارداً.

آه يا يمامة عمري الهاربة!

متى يأتي هذا اليوم؟ أخشى أن تكوني قد رميت ما بيننا للريح والنسيان، فإذا حدث هذا، تأكدي أن الأنهار دائما تأخذها التضاريس إلى التلاقي.

ها صـورتك ترتسـم أمامي بعد غياب مضن.. ها أسـمع رنين حنجرتك المحشوة بحنين لا ينضب.. وها أفرد كل أوراق لوعتي وأكرر رسم كل ما يخطر في البال من صور رسمناها أنت وأنا، كيف لا أتذكرك ولا أراك في الحلم وفي الحقيقة وإشراقة وجهك مواويل للحزانى، وحدائق وجنتيك ملاذ للتائهين، ومدى عينيك شرفة يرتاح فيها كل المتعبين.

بيني وبينك غربة ومسافات من البوح والحنين.. بيني وبينك ليال مقمرة دافئة، تذوقنا فيها الكرز الوردي، وعزفنا الفرح سمفونية بعد عمر من البعاد والخيبات.. والأهم من ذلك بيني وبينك بركان عشق سـمعت به المدينة كلها، بركـان يثور، يهدأ، ثم يثور ويأخذنا إلى وديان مزروعة بالورود والرياحين.

كلما أتذكر تلك الليالي والكرز الوردي أتحسر، أخفي الجوى بين الضلوع عساي أسلو وأرتاح، ولكن كيف ارتاح والقلب يلومني، الروح تنهرني، والنفس تذكرني؟ فلا يبقى أمامي غير أن أرخص في هواك عمري وأهيم كالعصفور بالأفنان يشدو ويحلم بأن تشرق شمس الحبيب في سمائه.

في كل صباح من صباحات المعاناة، تنفتح في قلبي ثغرة لتسريب الشوق والأمل، ولأنني للأمل أحيا، وبالأمل أعيش، أوقد شموع الأمل، أصنع قناطر سهلة العبور، أجهز مركبي، أحدد وجهتي، ومع الصباح الهادئ أسافر، وأغسل الموج بفرحتي، لكن فرحتي لا تدوم, تصير القناطر صعبة العبور، يغدر بي مركبي، يسقطني في الموج العالي، فأعوم وأقاوم وأنادي عليك، فأسمع صوتا يأتي من خلف الموج:" أنت هنا وهي في البعيد البعيد فكيف التلاقي وكيف الخلاص؟ عندئذ تدمع عيناي بدمع الآه وتصير حكايتي بالعذاب مكتوبة.

وآه.. كما كانت لقاءاتنا حلوة، وأحيانا صعبة مثل الهروب إلى الحرية، حيث كنا وكلما سنحت لنا الفرصة، نهرب من العيون الحاسدة والحاقدة، نجوب الدروب الندية، نصطاد فراشات عشق ملونة، نغني للحياة أعذب الأغنيات، ونتبعثر من شدة بهجتنا في مدارات فردوسية.

لا أدري كيف تركتك تختفين مثل نجمة خلف الغيوم الداكنة، ولا أدري إن كان الذنب ذنبي أم العكس، كل ما أعرفه هو أن سلاحي كان الحب وليس المال.

إيه.. يا قريبة في بلاد بعيدة، أتــــذكرين لقــــاؤنا الأول؟ كنت تستريحين عند الأصيل في المكتبة العامة ورائحة عطرك تنتشر من حولك، تقرأين في بصـوت أشـبه إلى الهمـس في كتاب أعجبني عنوانه" ورود سوداء" وحين قرأته فيما بعد، حزن وتساءلت:" كيف لفتاة مفعمة بالسحر ولحن الناي أن تقـــــرأ عن الحزن الذي لا يضاهيه حزن؟ لكنني بكيت حين قرأت قصة ( صبحي ونازك ومهيار).

غرد الدم في جســـدي، فأقتربت منك وأنا تائه بين الإعجاب والانبهار، وقفت إلى جانبك وزرعت نظراتي فيك، فتوقفت عن القراءة، وبعد نظرة حلوة من عينيك، سمعت هسيس كلماتك، وحين رأيت براءة خلاياك، وطيبة نفسك، أيقنت أنك أمل لمشاريع قادمة، ومن شدة فرحي لم يستطع المكان أن يحتويني.

صار الحب بحراً متموجاً بين شواطئ نفسي، وما أن أدخلني في وشائج عذوبته، مددت يدي المشتعلة طالباً مصافحتك، وياااااه.. كم
رأيت الدنيا بهية حين سكنت يدك في يدي، وبعد تلك المصافحة نظرنا إلى الحياة نظرة أخرى غير التي كانت.

همست لي مرة ونحن نمتهن الأفعال الجميلة عند مرافئ الغسق:

ـ ما ألذ النوم على صدر الحبيب.
ـ النوم على الصدر لذيذ، لكن الألذ منه حين تنامي في القلب ليلاً
وعلى القلب تتكئين نهاراً.
ـ لن يطول مجيئه كثيراُ، وعندما يأتي سنقيم عرساً لم تر المدينة مثله. قلت حين أغمضت عينك وتساءلت:
ـ متى سيأتي الصيف ونجتمع تحت سقف واحد؟

والان يا أغنيتي الصــعبة.. يا ملاكي.. يا حلم أحـــلامي.. ها هو الصيف قد اقبل ومواســـم الفراش في الصيف تكون بديعة، وأنا لا اتعب من الإبحار على سـفين الشوق، أدور من مكان إلى مكان، وانتظر ما بقي الغمام هطول غيمة معبأة بالمطر، فأنت غيمتي وأنا حقلك، أو أنت حقلي وأنا غيمتك، أو أنت الغيمة والحقل وأنا الندى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى