الجمعة ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم بسام الطعان

ما رأيكَ لو نتعاشق؟

يا لها من حكاية، تشبه المواويل الجميلة، والأجمل في العمر، وفي الزمن، وهذه الحكاية ابتدأت في الوادي، أي واد؟ وهل كنت في الوادي؟

يا له من وادٍ، يزنره غمام أزرق، ويزينه نهر رقراق عذب، تنبت على ضفافه نباتات متنوعة وريحان وأزاهير في أعطـاف هـذا الوادي الذي هربت إليه من الضجيج والهم العالق في الدم، التقيت صدفة بأميرة أحلامي، أميرة دافئة العواطف، تموج بنور ولا تتلو إلا سلام اليمام، أميرة وجهها جنائن الياسمين، هديلها شهي اللحن، شعرها أسود هفهاف ولا يشـبه الشعر، خصرها كالخيزران ونهودها قمم صعبة المنال.

ـ ما رأيكَ لو نتعاشق؟

تركـت كلـماتها العذبة في أذنيَّ وابتعدت بخطوات شـبه راقصة وكأنها تسير على حجارة متباعدة عن بعضها البعض في النهر، فتابعتها بصمت واندهاش وإعجاب حتى غابت وتركتني وحيدا للتوهان.

جلستُ على مصطبة الحسرة وأنا أحلم بالغوص في حضورها، بينما أحاسيس لذيذة تضيء عتمة عمري.

"ماذا تنتظر أيها العاشق؟ اذهب وأقرأ لها أسـفار عشقك"

صـاح من بداخـلي بغضـب، فنهضت دفعة واحدة وأنا أحاول التخفيف من ارتباكي، والوصول إليها قبل أن تضيع وتزيد عمري قتامة، ثلاث خطوات خطوتها، فاصطدمت بجذع شجرة توت، وسقطت على الأرض، عسكر الحزن فيْ، فتمددت على العشب، ومع الأنين الذي خرج من حنجرتي، أخذتني الأحلام إلى نهر تسبح فيه امرأة مصاغة من الكثير من العسل، والقليل من الفلفل الأحمر، امرأة شعرها طويل طويل، أين هي الآن يا ترى؟

زرعت نفسها أمامي مرة أخرى وقالت وهي تتلاعب بخصلات شعرها وتبتسم:

ـ ما رأيكَ لو نتعاشق؟

يا سلاااااااااام.. بدأت أعشقها بدهشة كبيرة، وعرفت بعدها أن النساء في بلدي يشـبهن الأغاني الجميلة، والغيوم الماطرة، والظلال الدافئة، ويزرعن فينا الرغبات الحلوة، حاولــت الوقوف، لكن خدراً لذيذاً تمكن من أطرافي، ولم يبق أمامي غير أن أزرع في بساتين الكلام أشجاراً، أما أميرة أحلامي، فراحت تكركر بعذوبة، وتبوح بجسد أبيض وطري، وتسد من حولي الأفق.

آه وألف آه أطلقتها حين اختفت من جديد وقبل أن أفعل شيئاً انهمرت الحسرة مني، فاقتربت من النهر الرائق , اسـتمعت إلى خريره، اغتسلت فيه، شكوته حسرتي وحلمي الذي قتلته فتاة تشبه الضوء، لكنه لم يستمع إليَّ، فعدت إلى مكاني ودقات قلبي تزداد بشكل مخيف, لدرجة أنني اعتقدت أنه سيتوقف بعد لحظات، ولكن هذا لم يحدث، بل العكس.

بعد دقائق قليلة، رأيت منظراً لم أر مثله في حياتي، فشعرت براحة فياضة، رأيت عشرات البطات البرية تحلق في الفضاء الصافي، تمارس ألعابا بهلوانية، وتشكل من أجسادها الملونة شكلاً يشبه القلب وفي داخله اسم الأميرة واسمي، كانت تطير وتذهب إلى البعيد حتى تختفي , ثم تظهر من جديد، وفي كل مرة ترسـم شكلاً جميلاً وفي داخله اسمانا. من أين جاءت كل هذه البطات الجميلة؟

هل كنت في حلم؟ أم كنت أجلس عند الأصيل البديع فوق ضفة نهر تسبح فيه فتاة وهي لا ترتدي إلا قميصاً أزرق شفافاً؟

فرد الليل عباءته نحو آفاقي الممتدة إلى حدود القمر، وأنا أمدّ يدي المتألمة من جمر الهذيان، أمتطي قمة الريح، أطير في الفضاء أمرّ فوق الغيوم العالية، أحكي لها بؤس القلب التواق للتحلــيق برفــــــقة قلبها، أتعب من الهذيان فأهبط.. أهبط إلى بيارات باردة لا أليف فيها ولا وليف أجلس وأثرثر وأنظر من حولي، فأرى مخلـوقات غريبة ومضحكة تمر من أمامي ولا تلتفت إليَّ أبتسم وأحيانا أضحك على الاشكال الكاريكاتورية، بعضها شـــــبه عارية وعلى وجوهها أقنعة مزيفة ترتدي ثياباً عتيقة وربطات عنق كبيرة الحجم وكثيرة الألوان، بعضها تأكل بنهم ولا تشبع وبعضها تحمل هواتف نقالة وتصرخ دون سبب سـوى لفت الأنظار أظـل أضـحك وأسـخر وأحيانا أبكي بلوعة حين أتذكر النائمة في الوجدان.

يااااااااااه. صحت من الفرح حين رأيتها فجأة أمـــامي وهي تحمل باقة ورد أحمر ولكنني بكيت بعد لحظات حين رأيتها تمنح تغريد جسدها كله لشخص لم أره من قبل تملكتني رغبة قوية بالانتقام من ذلك الشخص، وقبل أن أستعد للهجوم عليه اختفى من أمام عينيَّ واختفت معه أميرتي الغالية ولكن بعد حين، رأيتها جالسة عند النبع كغزالة مطاردة تفرد ثوبها على العشـب كبحيرة خضراء تغسل شعرها بماء له رائحة أخاذة وتدندن أغنية عشـق لا أتذكر كلماتها، حملت كل لهفتي وتغريدي وانطلقت نحوها كالطائر الذي تخلص من قفصه فرأيت شعرها من شوك وجسـدها من عشب وثوبها دخان أحمر شفاف.

" يا إله السماوات والأرض ما كل هذه الغرابة". صحت وأنا اقترب منها, لكنها اختفت كما المرات السابقة.

صار وجودها في حياتي أمراً يشبه الهواء، أحس به لكني لا أراه.
"ماذا أفعل أيها العاشق؟ صحت وأنا أنظر إلى البعيد حيث ترتفع جبال(طوروس) أذهب بعيداً بعيداً اقطع البلاد والبحــار والبراري، أبحث عن الأميرة الحاضرة الغائبة لكن امرأة قبيحة تمر من أمامي ثم تلتفت إليَّ تتفرس وجهي,ثم تقــترب، تمسك بأرنبة انفي وتشدني نحوها بعنف.

" أف.... هل هذا وقتها الآن؟

ابتعدت عنها وأنا أمارس بمهارة ابتهالاتي، وأبحث داخل بلاد الحقيقة والخيال عن غاليتي الشهية , لكن رجلا شبيها بغول قبيح ويدَّعي أنه طبيب أسنان يلطخ رؤيتي:"يا أبالسة العالم.. تعالوا كلكم أرجوكم, ولا تتركوا هذا يأتي إليَّ".

نظرت من حولي ، فرأيت الجهات الأربع وقد تحولت إلى مرآة كبيرة، ويذهب الناس والدواب والسيارات فيها عميقاً عميقاً، تأملتها ملياً، فإذا بي أرى فيها السرقة، الرشوة، الوساطة، الرياء، النميمة، الغباء، النجاسة، وأشياء وأشياء.

"في أي دنيا أنا؟ وما هذا العالم الغريب؟ لم أعد أرى غير الظلام وحبيبتي غائبة في المجهول, بينما خيالي المجنح لا يمل من رسمها بأحلى صورة.

مع الوسن الذي زحف إلى جفنيَّ، رأيتها جالسة فوق منارة وســط النهر وترسل إليَّ ابتسامة تنم عن حنان وحب، عندئذ عزفـــت لقلبي لحن الخلود، وهيأت أجنحتي لملاقاتها، لكن زوجتي الممددة إلى جانبي, منعتني حين قالت:

ـ أين قميص النوم الذي قلت أنك ستشتريه لي عندما تقــبض "استكتاب" القصة؟

في تلك اللحظة رن جرس الباب، وبعد إلحاح من زوجتي، تقدمت بخطى حزينة, فتحت الباب, وبقيت مندهشا، كانت جارتنا المتزوجة حديثا والممتلئة بالثمار واقفة وتسأل عن زوجتي، وحين زرعت نظراتي فيها، رأيت أميرة أحلامي وهي تنظر إليَّ بساقين مفتوحتين ينزان بدماء لذيذة , وفجأة ولا أدري ماذا أصابني ، سحبتها إلى حضني، وزرعت بذور القبلات في خديها الطريين, أما هي فراحت
تصرخ وتحتج وتمتنع عني بكل الوسائل إلى أن هرعت زوجتي التي بقيت جامدة، مندهشة، وغير مصدقة ما ترى، ثم كان الزلزال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى