الخميس ٢٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

دلالات الخطاب الغلافي في الرواية

يعتبر الخطاب الغلافي من أهم عناصر النص الموازي التي تساعدنا على فهم الأجناس الأدبية بصفة عامة والرواية بصفة خاصة على مستوى الدلالة والبناء والتشكيل والمقصدية. ومن ثم، فإن الغلاف عتبة ضرورية للولوج إلى أعماق النص قصد استكناه مضمونه وأبعاده الفنية وأبعاده الإيديولوجية والجمالية. وهو أول ما يواجه القارئ قبل عملية القراءة والتلذذ بالنص ؛ لأن الغلاف هو الذي يحيط بالنص الروائي، ويغلفه، ويحميه، ويوضح بؤره الدلالية من خلال عنوان خارجي مركزي أوعبر عناوين فرعية تترجم لنا أطروحة الرواية أو مقصديتها أو تيمتها الدلالية العامة.

وغالبا، ما نجد على الغلاف الخارجي اسم الروائي، وعنوان روايته، وجنس الإبداع، وحيثيات الطبع والنشر علاوة على اللوحات التشكيلية، وكلمات الناشر أو المبدع أو الناقد تزكي العمل وتثمنه إيجابا وتقديما وترويجا.

ومن المعروف أن الغلاف الأدبي والفني يشكل فضاء نصيا ودلاليا لا يمكن الاستغناء عنه لمدى أهميته في مقاربة الرواية مبنى وفحوى ومنظورا.

ويمكن اعتبار العناوين وأسماء المؤلفين وكل الإشارات الموجودة في الغلاف الأمامي، يقول حميد لحمداني، داخلة في:" تشكيل المظهر الخارجي للرواية، كما أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات، لابد أن تكون له دلالة جمالية أو قيمية، فوضع الاسم في أعلى الصفحة، لا يعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في الأسفل. ولذلك غلب تقديم الأسماء في معظم الكتب الصادرة حديثا في الأعلى، إلا أنه يصعب على الدوام ضبط التفسيرات الممكنة وردود فعل القراء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات الخفية التي يمكن أن يمارسها توزيع المواقع في التشكيل الخارجي للرواية إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانيــــة ".

هذا، وإن للغلاف الخارجي للعمل الأدبي والفني واجهتين: أمامية وخلفية. فنستحضر في الغلاف الأمامي اسم المبدع، والعنوان الخارجي، والتعيين الجنسي، والعنوان الفرعي، وحيثيات النشر، والرسوم والصور التشكيلية. أما في مايخص الغلاف الخلفي، فنلفي الصورة الفوتوغرافية للمبدع، وحيثيات الطبع والنشر، وثمن المطبوع، ومقاطع من النص للاستشهاد، أو شهادات إبداعية أو نقدية، أو كلمات للناشر.

ويطبع الغلاف الروائي هندسيا بأحجام مختلفة ومتنوعة: الحجم المتوسط والحجم الكبير والحجم الصغير (الحجم الجيبي وغالبا ما يتخذ النص الروائي حجما مستطيلا، ويندر وجود حجم المربع في إخراج النص الروائـــي.

و يحمل الغلاف الخارجي أيقونات بصرية وعلامات تصويرية وتشكيلية ورسوما كلاسيكية واقعية ورومانسية وأشكالا تجريدية ولوحات فنية لفنانين مرموقين في عالم التشكيل البصري أو فن الرسم للتأثير على المتلقي والقارئ المستهلك. ويعني هذا أن الغلاف الخارجي للعمل يحمل رؤية لغوية ودلالة بصرية. ومن ثم، يتقاطع اللغوي المجازي مع البصري التشكيلي في تدبيج الغلاف وتشكيله وتبئيره وتشفيره. ويتطلب هذا الرسم التجريدي الذي تعج به الأغلفة التي تتصدر الأعمال الروائية: "خبرة فنية عالية ومتطورة لدى المتلقي لإدراك بعض دلالاته، وكذا للربط بينه وبين النص، وإن كانت مهمة تأويل هذه الرسوم التجريدية رهينة بذاتية المتلقي نفسه، فقد يكتشف علاقات تماثل بين العنوان أو النص، عند قراءته له، وبين التشكيل التجريدي. وقد تظل هذه العلاقة قائمة في ذهـــنــه.

وفي كلتا الحالتين، يقوم الرسم الواقعي والتجريدي معا، بالدور نفسه الذي يقوم به الإشهار بالنسبة للسلع، وتنتهي وظيفة التشكيل الخارجي بالنسبة للناشر بلحظة اقتناء الكتاب من طرف القارئ، غير أن المؤلف يفترض أن هذه الوظيفة تحافظ على بقائها مع الكتاب على الدوام".

وقد اتخذت الرواية العربية في مسارها الطباعي أغلفة ورقية وكارتونية عادية وأغلفة متطورة من الناحية التقنية والتشكيلية والصناعة الرقمية. كما اتخذت أيضا طابعا لغويا وطابعا تشكيليا بصريا. أي إن الرواية العربية الحديثة استعملت نوعين من الغـــلاف:

1- غلاف يطبعه التشكيل الفنـــي.

2- غلاف يطبعه الفراغ التشكيلي (رواية زينب لمحمد حسين هيكل مثلا ).

أما التشكيل الغلافي، فاتخذ بدوره طابعين: غلاف بتشكيل واقعي، وغلاف بتشكيل تجريدي مع موجة التجريب والتجديد في الرواية العربية المعاصرة.

ولقد تحدثنا عن التشكيل التجريدي الذي يتربع على الغلاف الخارجي في شكل علامات وألوان وأشكال هندسية مجردة عن الحس والواقع يحمل دلالات سيميائية مفتوحة في حاجة إلى التفكيك والتأويل. أما التشكيل الواقعي فيشير بشكل مباشر:" إلى أحداث القصة أو على الأقل إلى مشهد مجسد من هذه الأحداث، وعادة ما يختار الرسام موقفا أساسيا في مجرى القصة، يتميز بالتأزيم الدرامي للحدث، ولا يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص والتشكيل بسبب دلالته المباشرة على مضمون الرواية.
ويبدو أن حضور هذه الرسوم الواقعية يقوم بوظيفة إذكاء خيال القارئ، لكي يتمثل بعض وقائع القصة وكأنها تجري أمامه، وقد تحتوي صفحات الرواية الداخلية على رسومات مماثلة، إما بموازاة كل فصل أو عند فصول بعينها، وتكون هذه الرسومات الداخلية، عادة بالأبيض والأسود، بينما تستخدم الألوان المختلفة في التشكيل الخارجي، وتعتبر روايات نجيب محفوظ مثلا نموذجيا لاستغلال الرسم الواقعي في تشكيل فضاء النص بلوحات ذات طابع مشهدي".

وأهم عتبة يحويها الغلاف الخارجي هو اسم المؤلف الذي يعين العمل الأدبي ويخصصه ويمنحه قيمة أدبية ويسفره في المكان والزمان ويساعده على الترويج والاستهلاك ويجذب القارئ المتلقي. إن تثبيت اسم المؤلف العائلي والشخصي، يراد منه تخليده في ذاكرة القارئ. وإن اسم أي مؤلف على الغلاف، لا يعدو كونه ركاما من "الحروف الميتة"، " فحين يرتقي اسم المؤلف إلى مستوى النص، فإنه ينتعش ويتحرك، ويهب نفسه بحق للقراءة، أما حين يقتصر وجوده على الغلاف، فلا يكون موضوع قراءة، بل علامة على أن المؤلف مشهور أو شبه معروف أو مجهول".

وتطرح عتبة المؤلف إشكاليات منهجية ومعرفية متعددة كما يرى فيليب لوجون الذي يقول: "أي دور تلعبه الأسماء الشخصية، وخاصة اسم المؤلف، في إدراك القارئ للجنس الذي ينتمي إليه نص ما، ومن ثم في اختياره لكيفية قراءته ؟ هل سأقرأ نصا بالطريقة نفسها إذا كانت الشخصية الرئيسية تحمل اسما مختلفا عن اسم المؤلف، أو إذا كانت تحمل الاسم نفسه " .

وهناك فرق كبير – على مستوى الشعرية السردية- بين المؤلف على الغلاف والمؤلف داخل النص، لأن من المؤكد أن المؤلف مقيما في الغلاف الخارجي ليس هو ذاته مقيما في الفضاء الداخلي للنص. فالمؤلف الغلافي هو عبارة عن ذات أوطوبيوغرافية ملموسة حسية خارجية مبدعة للكتاب والعمل والنص، وبالتالي، فهو كائن من لحم ودم. بينما المؤلف داخل النص ماهو إلا كائن ورقي خيالي وافتراضي يسبح في عوالم مجازية وفنية. فليس المقصود بمؤلف النص الداخلي مايسمى بـــ "الذات الكاتبة الخارجية المرجعية، بل المقصود بها ما تدعوه الإنشائية المعاصرة بـــ "المؤلف الضمني " أو "الأنا الروائية الأخرى" أوبــ "المؤلف المجرد" أي ذلك الذي ينحصر وجوده داخل فضاء الرواية متنقلا في محكياته بين تضاريس سردية متنوعة الإيقاع والتصوير.

تلكم هي نظرة موجزة ومبسطة عن الخطاب الغلافي الذي يعد بمثابة جنيريك للعمل الأدبي بما يتضمنه من علامات لغوية وبصرية، وما يشتمل عليه من مؤشرات أيقونية وإشارات سيميائية وعتبات توضح طبيعة العمل وتعين هويته وتحدد جنسه الأدبي والفني. ومن ثم، فالغلاف عتبة أساسية لفهم العمل الأدبي وتفسيره، وخطوة ضرورية لتفكيك المنتوج الفني والروائي وتركيبه في مقولات ذهنية نقدية أو وصفية أو في شكل خلاصات تقويمية مكثفة دلاليا وشكليا وتداوليا.

 [1]


[1- د. حميد لحمداني: بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1991 ص: 60

- د. حميد لحمداني: بنية النص السردي، ص:60؛

- د. حميد لحمداني: بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، صص: 59-60؛

3- Jean Ricardou:"Quand le Texte parle de son paratexte, in: poétique, n° 69, 1987;

4- Philipe le jeune: Moi aussi, seuil, 1986, p: 37;


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى