الأحد ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨

انحـــــــــــراف

بقلم: محمد صالح رجب

الأمر جد بسيط، سوف أرفع سماعة الهاتف، وأغير من صوتي قليلا، ثم أقول له كلمتين لا ثالث لهما: زوجتك تخونك ..

فكرة عابرة طرأت على خاطرها سرعان ما طردتها، إنها فكرة غير مأمونة العواقب، دفعت برأسها إلى الوراء في استرخاء وكأنها تزيل آثار هذه الفكرة، راحت تشغل نفسها بأشياء أخرى ربما كانت أكثر جدوى، كإعادة ترتيب المنزل مثلا، لكنها رتبته صباح اليوم، فكرت في أشياء أخرى عديدة، غير أن الأشياء تداعت، والأفكار تراجعت أمام الفكرة الشيطانية التي عاودت تلاحقها من جديد حتى سيطرت عليها، تساءلت في نفسها :ما الضرر لو جربت مرة واحدة؟1 إنها سوف تشعل نار الغيرة في قلبه، سوف تذيب الصقيع الذي اكتنف حياتهما، وتبعث الدفء في حب كاد يتجمد ..

لقد أصبحت حياتهما رتيبة مملة، صورة مكررة.. يذهب إلى عمله صباحا، ويعود في المساء منهك القوى، يتناول عشاءه، ثم يغطي في سبات عميق.. كثيرا ما كانت تتساءل:

أين الحب الذي جمع بينهما؟ أين كلماته الرقيقة التي كانت تنساب إلى أغوارها فتحلق بها إلى عالم آخر بعيدا عن عالم الماديات، تسبح منتشية في فضاءه وتستكشف المزيد عن عالم الروحانيات .. لقد كان حلما ورديا لم يدم طويلا بعد الزواج..

ألأمر إذن يستحق المغامرة ـ هكذا همست لنفسها ـ استجمعت قواها، اتجهت صوب الهاتف، رفعت السماعة ووضعت عليها منديلا ثم طلبته، وبسرعة قبل أن تهتز قالت بصوت مرتعش : زوجتك "تخونك " ثم وضعت السماعة سريعا ..

سيطر عليها إحساس بالسعادة للحظات معدودة، بعدها بدأ تأنيب الضمير والشعور بالذنب تملكها .. راحت تتساءل : لماذا أقدمت على ذلك ؟ لابد أنه الآن في حيرة من أمره، بل لابد أنه الآن أصبح هائجا ثائرا، وربما سقط من هول الصدمة .

كانت جد قلقة، متلهفة لعودته، اتجهت إلى الهاتف مرة أخرى، كانت تريد أن تعرف رد الفعل لديه، لكنها لم تجده، لابد أنه شحن نفسه عائدا إلى المنزل .. تناما قلقها حتى أنها فكرت أن تترك المنزل هذه الليلة، لكنها سرعان ما عدلت عن ذلك، إنها سوف تؤكد ظنونه ..

تبعثرت الأفكار بداخلها، وراح الوقت يمر بطيئا ثقيلا، نظرت إلى الساعة لقد تأخر كثيرا ..

انتبهت إلى صرير الباب وزوجها يدخل، كاد يغشى عليها، تماسكت بصعوبة، أطلق سلامه المعتاد .. عاد إليها بعض من توازنها المفقود، تساءلت في تماسك مصطنع:

هل أحضر لك العشاء

كلا

كادت تجن .. كان يبدو طبيعيا وكأن شيئا لم يحدث ..

سألته:

أراك اليوم قد تأخرت، هل هناك شيء؟

مشكلة خاصة بأحد الزملاء .

ازداد قلقها لابد أنه يقصد نفسه، وبصوت مرتبك سألته :

أي مشكلة؟

انفرجت شفتاه عن ابتسامة هادئة، ما لبثت أن تحولت إلى قهقهة، تخطتها إلى ضحكات هيستيرية.

لابد أن الصدمة كانت قاسية عليه وبدهشة يخالطها الشفقة تساءلت عن سبب ضحكه ..

اعذريني، لم أتوقع سؤالك، منذ فترة طويلة لم تشاركيني الحوار، ولم تهتم لدخولي أو خروجي كما كنت تفعلين في بداية حياتنا الزوجية ..

وهل أخطأت أني قلقة عليك؟

إطلاقا .. حوارك معي يسعدني، اهتمامك يشعرني بذاتي ..

كادت أن تحلق معه إلى عالم لذيذ، لولا أنها تذكرت ما أقدمت عليه، غابت الابتسامة عن شفتيها وعاودت تستجوبه:

أي مشكلة واجهت صديقك؟

أجرى عملية جراحية، واضطررت للبقاء معه في المستشفى منذ الصباح.

منذ الصباح!! .. ألم تذهب إلى عملك اليوم؟

كلا .. لم أذهب.

كادت أن تنفجر ضاحكة غير أنها تذكرت الرجل الذي هاتفته، نكست رأسها خجلا من نفسها، وهي تفكر فيما قد ينجم عنه تصرفها الأحمق..

بقلم: محمد صالح رجب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى