الجمعة ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم محمد متبولي

الأسراب

بقلم: محمد متبولي

يقف فى وسطها، يحاول أن يصل ببصره إلى نهاية الخضار دون أن يستطيع، يستدير ينظر خلفه حيث المنزل الفخم، تلامس الشمس الحارقة ظهره، تتسرب الحرارة إلى جسده، ويتصبب العرق، شريط من الذكريات يمر، صحراء جرداء، عطشا، كلما رويت بالماء شربته بحرقة دون جدوى، بذور تلقى بلا عائد، آبار تشق وتخرج ماءا مالحا، أموال تصرف بلا طائل، استدانه من كل من هب ودب، يسير فى الشارع وهاجس أن يقابله أحد الديانة لا يفارقه، وتلك الخيمة الصغيرة التى كانت مكان المنزل، كيف كانت تدكها دكا رياح وأمطار الشتاء القارص، ونزلات البرد المزمنة، تنقله فى أحط أنواع المواصلات بعد بيعه سيارته ليصبح ثمنها آخر مبلغ من المال يملكه فإما وضعه محله فأصاب وإما اهلكه فى تلك الأرض القاحلة وهلك معه.

أول بئر للمياه الحلوة، أول بذرة تنبت، أيام بدأ الخضار يلازم الصفار، تبدأ الديون فى التناقص، يتسع الخضار على حساب الصفار، يبدأ المنزل فى الظهور للوجود، ينتصر الخضار عل الصفار ليختفى الاخر إلى الابد، يبزغ المنزل شامخا آية فى الجمال والمعمار، تختفى الديون، يشعر كما لو أن شيئا ما يتحرك على كتفه، يحاول أن يمسك به، يشعر به عند رقبته، فرأسه، ليظهر فجأة امامه، تتلاقى الاعين فى نظرة أشبه بالتحدى، يمسك به، يضعه تحت قدميه ثم يدهسه بكل سهولة، حشرة صغيرة هاجمته ففتك بها ولم يلقى لها بالا، يسمع صوتا غريبا يعلو ويقترب، ينظر فى اندهاش، سحابه سوداء تسير كالبرق تقترب منه، يركض وتركض خلفه، يهرع للمنزل بينما تهاجمه من كل جانب، على الأبواب والنوافذ والاعتاب، يسدها جميعا ويدخل فى معركة شرسة مستخدما أحد المبيدات الحشرية لقطع دابر من نجح منها فى الدخول للمنزل، لينتصر عليها نصرا ساحقا،يقف ينظر من الشرفه، كسيت الارض بالسواد، استوطنتها أسراب الجراد، تقف له على النوافذ والأبواب، لا يمكنه سوى المتابعة من خلف الزجاج، يمضى الليل وتشرق الشمس من جديد وتغادر الأسراب.

يقف فى وسطها، يحاول أن يصل ببصره إلى نهاية الصفار دون أن يستطيع، مرة آخرى ينتصر الأصفر على الأخضر لتعود إلى سيرتها الأولى، صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.

بقلم: محمد متبولي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى