الثلاثاء ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم وفاء الحمري

في المصعد

 هل لك في عرض مغري ؟؟؟؟

 آخر عهد بيني وبين المغري اسبوع يا سيدي ...

بالمناسبة كيف وجدت بضاعة نهاية الاسبوع الماضي سيدي ؟؟؟؟

 لا أدري ..... أي بضاعة تقصد ؟؟؟

البِضَــا.... عة.....

وتوقف المصعد

فك المدير الربطة الفرنسية من على عنقه وهو يستنفس نسمة هواء ....

أسقط الشاويش المحفظة فانتفض المدير متراجعا إلى الوراء ويداه ممدودتان أمامه كمثل فاقد للبصر....

انقطع الحس إلا من لهاث السيد المدير الذي يصاحب تنفسه صفيرالمريض بالضيقة ....

 علي ؟؟؟؟...
 نعم سيدي ....
 هل ما زلت هنا ؟؟؟
 ضحك الشاويش ضحكته المدوية وقال :
 عشرة يا سيدي ....عشرة .....
 ساد صمت ثقيل قبل ان يردف المديربالسؤال عن العشرة ....

لا يدري كيف مر بخاطره تذكر العشرة المبشرين بالجنة ....

بل لم يدري لماذا مر حينها امامه شريط طويل مصور عن الجنة والنار والحساب والعقاب والحياة والموت ....

كلما قلّ نفسه إالا ويتضخم ذاك الشريط ويطول كأنه فيلم مصور....

 سيدي ....
 نعم ....
 هل أنت معي ....
 لا... أقصد نعم ...

قال لا وهو صادق في قولها ....لفد كان لحظتها هناك ....هناك مع الشريط ....

بل وجد نفسه في لحظة ما داخل الشريط ...بل البطل الرئيسي لذاك الشريط ....

 إياك تغادر يا علي
 قلت لك نحن في رقم عشرة .... الطابق رقم عشرة ....فكيف تراني ساغادر؟؟؟؟

بحث في جيبه عن هاتفه الجوال كي يضيء بإنارته البسيطة أجواء المصعد القاتمة ....

ضغط على زر الخدمة ... صمت ....

ضغط ثانية .....صمت مطبق .....

فقد تحول المكان لديه إلى قبر موحش .... بل أحس باللحد يضرب جبينه وهو يحاول الخروج ....

انقض بكلتا يديه على الذي ظن أنه أمامه فاصطدم بباب حائط المصعد ....

تسارعت لقطات الشريط أمامه ....

تضيق نفسه أكثر فاأكثر ....

يبحث كالمجنون في كل أنحاء المصعد ....

يصرخ .... يستغيث .....

يجيبه الشاويش علي من تحت ....فقد جلس القرفصاء بعدما تعبت رجلاه بالوقوف ....

 سيدي اقعد ... وتحسس مكان المدير وأجلسه أرضية المصعد ....
 سيدي لو بامكاني لأحضرت لك العرش المرصع لتجلس فوقه ....لكن ....
 عن أي عرش وأي كرسي تتحدث يا رجل .... أنا ميت ....ميت ....ميت .....

أنا الآن داخل قبري .... وأاسال كيف دفنوك معي في نفس القبر ....

خرجت من الشاويش ضحكة مجلجلة لم يضحكها من قبل .....

 قل سيدي المدير ....قل انت لما دفنوك معي في نفس القبر يا هذا .....

تعالت من الآخر ضحكة أخرى أقوى من سابقتها .... وتحسس ظهر المدير وربت عليه قائلا :

سامحني سيدي على تطاولي على مقامك العالي ..... وقهقه أكثر من قبل حين تذكر أنهما الإثنان يوجدان الآن في المقام العالي فعلا من بناية الشركة الضخمة ....

 عالي ... مقام عالي في ظلمة الليالي .... ومالوا ؟ ....عالي وفي العلالي ....يا علي ....وبدا يترنم بهذه الكلمات ويلحنها على نغمة ( يا نخلتين في العلالي ....) ولو أنه يعلم أنه ليس نخلة ولا يحزنون .....

تسرب الشك إليه حين انقطع عنه صفير سيادة المدير ....

 سيدي ...سيدي .... وبدا يرجه بعنف حتى استعاد وعيه ....

 أين انا ؟؟؟؟ ....

في العلالي يا سيدي .... أقصد في أعلى دور من الشركة ...

 ومالي لا أرى النور يا علي ؟؟؟؟ ....

النور ؟؟؟؟

 الله ينور علي وعليك سيدي ....

نحن محتجزان في المصعد رقم اثنين للشركة ....

وأين العمال ؟؟؟..

محتجزون في المصعد رقم واحد ....

كلهم ؟؟؟ .....

كلهم سيدي ....

 ومن سياتيني بالبضاعة ؟؟؟؟

 سيدي ...هل أانت بخير؟؟؟؟

لو وصلت البضاعة بسلام فأنا بخير .....

 ادعو الله ان نخرج من هذا المازق وحينها ساأنظر في الأمر ....

ومالك أنت والأمر؟ .....

لأني صاحب الأمر .....

واليد اليمنى لجواد نائبك المحترم ....

سمع في هذه اللحظة صوت ارتطام والذي لم يكن إلا ضربة قوية على جبهة المدير أعادته إلى صوابه وإلى واقع الحال ...

عادت حالة الضيقإالى السيد المدير وعلا صفيره وحشرجة تنفسه ....

وعاد الشريط المعلوم يتتالى بوضوح أمامه ....

وبدأ صوت نحيبه يعلو ويعلو ....

بدأ صاحب السجن يبكي هو الآخر .... علا نحيبه ... التقت أصوات نحيبهما وشكلت سنفونية جنائزية حزينة ....

اشتد الضيق بهما ....

تعانقا ... تلاصقا ....

أاتعرف الآن لما دفنوني معك في نفس القبر يا صاحبي ؟؟؟؟

ازداد نحيب المدير وتبعته وصلة من ذاك اللحن الجنائزي من اللآخر ....

في هذه اللحظة ... اشتعل نور المصعد ....

هبا واقفين في نفس اللحظة .....

تحرك المصعد في وضعية النزول ....

استدار المديرإلى المرآة .... ارتعب من منظره فارتمى على ربطة العنق وأعادها إلى مكانها بحركة احترافية سريعة ....

خلل شعره بأصابعه ساحبا إياه للوراء ... مسح دموعه بمنديل التقطه بسرعة البرق من جيبه ...

في هاته اللحظة وصل المصعد إلى الأسفل وفتح على مصراعيه ....

سحب المديرالعام محفظته اللامعة بسرعة وتوجه للشاويش علي .....قائلا:
 هات البضاعة فورا .... والتحق بي في المكتب ...
 والمصعد المعطوب سيدي ؟؟؟ والعمال المحتجزون ؟؟؟؟
 خلي النقابة تنفعهم ....المهم ان تقدم استقالتك من تلك النقابة .....
 والعمال سيدي ؟؟؟؟
 ستصبح مدير مصلحة المستخدمين ....
 فورا سيدي ....
 البضاعة سيدي ...متى تريدها ؟؟؟
 الليلة .... ومعها لوازم السهرة ....
 فورا سيدي .....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى